|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
شيرين عبدالله
!--a>
2024 / 5 / 2
"الختان" من اقدم الطقوس الابوية الموروثة التي تمارس من قبل الاباء والامهات على اطفالهم في بعض الاماكن حول العالم، يستوجب التقليد اجراء عملية جراحية بقطع وتشويه جزء من الاعضاء التناسلية الخارجية للطفل في الايام الاولى من العمر او قبل سن المراهقة. وهو شكل من اشكال الهيمنة يمارسه من يملك القوة والتاثير على الاضعف.
تنتشر هذه الممارسة في بلدان عديدة في الشرق الاوسط وافريقيا واجزاء من اسيا واستراليا،غالبا بدوافع دينية او قبلية او اجتماعية متوارثة و نادرا ما تكون الحاجة لاسباب صحية. يتعرض للختان الاطفال من كلى الجنسين باشكال مختلفة و درجات متفاوتة.
اصل الختان واسبابه:
تشير المصادر الى ان اقدم دليل موثوق ياتي من مصر القديمة، ولا زالت الان توجد قبائل أصلية محدودة في أفريقيا وأستراليا تمارس الختان كجزء من تقاليدها القبلية. هناك نظريات متعددة حول اصل العادة منها التضحية الدينية وكطقوس العبور الى مرحلة البلوغ.
ختان الذكور يعتبر من الشعائر الدينية القوية لدى "الاديان الابراهيمية"، وفي هذه الديانات يعتقد بان اصله يرجع الى العهد الذي قطعه ابراهيم مع "الله" (ميثاق الختان) كرمز للطاعة الأبدية، ويروى ان ابراهيم اختتن نفسه وهو في الثمانين من عمره. يشير بعض الباحثين الى ان الختان استُخدم بمثابة فصل للبطريركية اليهودية وتقويتها مقابل البطريركية اليونانية انذاك. واستمر الختان يتّبع كممارسة يوصى بها "الرسل" بشدة و يلتزم بها الناس جيلا بعد جيل. ويذكر ان الختان في الاسلام يوصى به كجزء من عادات النظافة الشخصية اسوة بقطع الاظافر وقص الشارب وتنظيف الاباط وربما يعود ذلك الى شحة المياه للغسيل في الصحراء.
تتخذ العديد من الديانات الاخرى موقفا محايدا او معارضا للختان، فمثلا البوذية والهندوسية لا تشجعان الختان غير الطبي، اذ ترى الهندوسية بان الجسد من صنع "الرب القدير" ولا يحق لاحد تغييره الا بارادة الشخص الذي سيخضع للتغيير.
المخاطر و "الفوائد" الصحية:
في الواقع، تشير الجمعية البريطانية لجراحي الأطفال الى انه من النادر جدًا أن تكون إزالة القلفة ضرورية من الناحية الطبية. هناك حالات طبية محدودة تستوجب ختان الذكور وذلك في حال وجود الاتهابات الموضعية المتكررة او التصاق الانسجة الذي قد يؤدي الى انسداد جزءي او كلي في المجاري البولية. وفي حالات أخرى توصي منظمة الصحة العالمية استنادا الى بعض الدراسات، "بالنظر الى إجراء الختان للرجال كجزء من برنامج شامل لتقليل خطر الإصابة ببعض أنواع العَدوى المنقولة جنسيًا مثل الايدز" في بعض الدول الافريقية، ولكن هذه الفائدة المزعومة هي محل جدل في الاوساط الطبية ولم يتم تعميم العملية كاجراء طبي وقائي على صعيد العالم.
بالاضافة الى المخاطر الصحية المعروفة كالاتهاب والنزيف والعقم و التشوه والاثار النفسية المترتبة على عملية الختان سواء للبنات او الاولاد، هناك حالات قد لا يكون الختان مناسبًا في حالة وجود اضطرابات تخثر الدم او للأطفال الخدّج الذين ما زالوا بحاجة إلى الرعاية الطبية في حضانة المستشفى أو للأطفال المولودين بتشوهات جسدية موضعية.
قد يتسائل البعض عن "فوائد" الختان لتحسين الخصوبة او التاثير على المتعة الجنسية و الجواب هو انه لا توجد اية ادلة على ان الختان او عدمه يؤثر على الخصوبة سلبا او ايجابا، ولا يُعتقد بشكل عام أنه يعزز او ينتقص من المتعة الجنسية للرجال أو زوجاتهم.
يدعي بعض المدافعين عن الختان الى انه اشبه بعملية خلع ضرس العقل او الزائدة الدودية او اللوزتين ولكن الفرق هو ان هذه الاعضاء لا تقطع الا اذا تسببت في مشاكل صحية. فما الداعي اذن لبتر الاعضاء التناسلية، او اجزاء منها، لملايين الناس ان لم تكن تسبب لهم مشكلة مرضية.
كما ذكرنا، هناك احيانا اسبابا صحية محدودة لختان الاولاد، ولكن ما يسمى بختان البنات جريمة بحتة بحق الفتاة لا يمكن تبريرها تحت اية ذريعة ولا توجد اية حالة طبية اطلاقا تتطلب اجراء هذه العملية القاسية على اية فتاة او امراة في اية مرحلة من عمرها. على الرغم من الحظر القانوني في العديد من الدول، إلا أن هذه العادة لا زالت تُمارس بانتظام في مناطق في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. تجرى عملية الختان بدون إرادة الفتاة، وهو من اشد أشكال العنف ضد المرأة وانتهاك لحقوقها الإنسانية وتكسيرها جسديا ونفسيا. اسباب هذه الممارسة تعود لا لشيء الا الى المعتقدات الرجعية المعادية للنساء والمفاهيم الخاطئة عن الصحة وخرافات ما يسمى ب "العذرية"، و"تهيئة المرأة للزواج"، وزيادة المتعة الجنسية للذكور. يسود في بعض المجتمعات افكار بأن المهبل يحتاج إلى تشذيب، وأن النساء اللواتي لم يخضعن لعملية الختان لا يتمتعن بالصحة، أو غير نظيفات، أو غير جديرات بالاهتمام بهن.
حقوق الطفل ام حقوق الوالدين!
يجادل البعض في حق الاباء في ممارسة طقوسهم الدينية، وهذا بالطبع امر شخصي، ولكن علينا ايضا ان ندرك بان المقبول بوجب القانون الدولي لحقوق الانسان هو ان حق فرد ما في حرية التدين لا يفوق على حق فرد اخر في السلامة الجسدية. فالاباء والامهات احرار في ان يضحوا بانفسهم من اجل معتقداتهم اذا شائوا ذلك، و لكن القرار ببتر عضو من جسد طفلهم يجب ان يكون بالموافقة والاختيار الواعي للطفل بحرية وبعد بلوغ سن معينة يستطيع فيها اتخاذ القرار بوعي وادراك تام. وهذا يدعم حق الطفل في حرية المعتقد ايضا و بالتالي يضمن تنشئة جيل ذو فكر سليم قادر على اتخاذ القرار وتحمل تبعاته بنفسه.
نرى ان هذه العملية الجراحية، في معظم الحالات، سواء بالنسبة للذكور او الاناث، تجري بدوافع غير صحية و غالبا ما يكون القائمون بالعملية اناس ذو مكانة ومؤهلات دينية او اجتماعية بدلا من المؤهلات الطبية. اذ لا توجد عملية الختان كمادة تدريسية في اي من المناهج العلمية الطبية في الجامعات، شانه شان فحوصات العذرية و غشاء البكارة وعمليات ترقيعها. مع هذا، هناك اطباء يمارسون العملية في القطاع الخاص اذ انه يدري عليهم ارباحا جيدة كون العملية غير متوفرة ضمن خدمات الصحة العامة. وهناك ايضا غموض طبي - قانوني وهشاشة في الظوابط المهنية حول العملية، مما يترك الآباء عرضة للاستغلال من قبل بعض مقدمي خدمات الختان غير الخاضعين للظوابط المهنية نسبيًا. وبهذا قد يساهم هؤلاء الاطباء، بوعي او لا وعي، في التغاضي عن واستمرار هذه الاعمال الانتهاكية بحق الاطفال، بالاضافة الى ان الاطباء هم ايضا جزء من المجتمع ويحملون الافكار السائدة فيها. وكما هو معلوم، فان المناضلة النسوية نوال السعداوي (هي نفسها كانت ضحية من ضحايا الختان في طفولتها) وتعرضت للفصل عن العمل والملاحقة حين وقفت بوجه الختان ودعت اطباء مصر الى تصحيح المعلومات المجتمعية الخاطئة الشائعة.
في الدول الغربية، بالرغم من ادعائاتها عن حقوق الانسان وحقوق الطفل ورعاية الامومة والطفولة... لا تتدخل المؤسسات الصحية بصورة عامة في قرارات الختان وتترك القرار للوالدين، وذلك تحسبا للحساسيات الثقافية النسبية، وبهذا توضع المعتقدات الدينية والثقافية للوالدين قبل حق الطفل على جسده ومستقبله خوفاً من اتهامات بمعاداة هذا الدين او ذلك المعتقد.
الختان ترسيخ الذكورية
الختان سواء للبنات او الأولاد، هو انتهاك مرفوض وتشويه لجسد شخص (طفل او طفلة) ليس لديه الخيار ولا يعي بتبعات هذا التعسف الجاري بحقه من قبل اقرب الناس اليه - الوالدين، ولكن لو تمعننا في دوافع العملية، نرى كيف ان الماكنة الاجتماعية التي تحرص على الادامة بالعملية، ترسخ الذكورية والسلطة الابوية للرجل بالدرجة الاساس.
فختان الاولاد يضم تعابير ايجابية تعزز القوة والثقة بالنفس لدى الولد مثل "التطهير" او التحضير لمرحلة "الرجولة" واحيانا تتزامن مع مراسم انجاز حق الصبي مثل ختم الكتاب الديني او غيره... ولا تنجم عنه (ما عدى الاثار النفسية- الواعية او اللاواعية- طويلة المدى، للصدمة ) اثار وتشوهات جسدية وصحية واعراض جانبية الا في حال وجود المضاعفات. مع هذا لانريد التقليل من مخاطر و مضار العملية على الاولاد.
اما بالنسبة للاناث فهويجري بهدف تشويه وبتر عضو في جسدها وضمان انكسارها الاجتماعي والنفسي وخضوعها المستقبلي لسلطة الرجل والمنظومة الاجتماعية الذكورية العملاقة وهي لازالت صغيرة وهو اشبه ما يكون بموت الفتاة ان لم ينجم عنه الموت الفعلي..
اذن، ومن منظور المساواة، تماماً كما ان ختان الفتيات قضية نسوية يجب الاستمرار في الوقوف بضده، علينا ايضا النضال من اجل الغاء ومنع ختان الاولاد الصغار، ليس فقط لكونه عملا عنيفا وانتهاكا لحقوق الانسان و تجاهل لحق الطفل في السلامة الجسدية والعقلية وحرية المعتقد، بل ايضا لانه جزء من التفكير الذكوري الذي يغذي الماكنة البطريركية في عالمنا ويقويها. .
26.4.2024
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|