سلوك القضاة في أمريكا تعكس حالة التسييس للسلطة القضائية في ظل وجود ألدوله العميقة



علي ابوحبله
2024 / 5 / 12

سلوك القضاة في أمريكا تعكس حالة التسييس للسلطة القضائية في ظل وجود ألدوله العميقة
المحامي علي ابوحبله
ما كشف عنه موقع “أكسيوس” الأميركي، أن 13 قاضيًا فيدراليًا محافظًا، أعلنوا أنهم لن يوظّفوا خريجي جامعة كولومبيا، من طلاب القانون أو سواهم، على خلفية تعامل إدارة الجامعة “بصورة متساهلة مع الاحتجاجات الطلابية الأخيرة المؤيدة للفلسطينيين في حرمها الجامعي
وقال القضاة في رسالة إلى رئيس جامعة كولومبيا “مينوش شفيق”، وعميدة كلية الحقوق في الجامعة جيليان ليستر إنهم “فقدوا الثقة في جامعة كولومبيا كمؤسسة للتعليم العالي”، وإنّ الجامعة “أصبحت حاضنة للتعصّب، واستبعدت نفسها من تعليم قادة المستقبل في بلدنا”.
وقال القضاة إنه لكي تستعيد جامعة كولومبيا “سمعتها التي كانت متميزة في السابق”، عليها أن تسنّ عقوبات مشدّدة على الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين شاركوا في التظاهرات.
ولفت الموقع إلى أنه في تشرين الأول/أكتوبر 2023، أعلن العديد من الرؤساء التنفيذيين مقاطعة مماثلة ضد طلاب جامعة هارفرد، الذين ينتمون إلى المنظمات الطلابية التي وقّعت على خطاب مؤيّد للفلسطينيين يؤكد أنّ “إسرائيل” هي المسئولة الوحيدة عما حصل في 7 أكتوبر.
وأكَّدت رسالة القضاة، وجميعهم من المعيّنين من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب، تقاطع المحافظين في الحزبين الديمقراطي والجمهوري على خيار دعم “إسرائيل”، بعد أن اقتصرت الانتقادات الموجّهة للإدارة الأميركية الحالية من الجمهوريين، على عجزها وفشلها في التعامل مع الموقف بشكل مناسب وحازم، من دون أن تتناول مسألة حماية حرية الرأي وإدانة قمع الطلاب.
ويأتي هذا الإجراء، مكمّلاً لمسارٍ من الضغط على الطلاب المحتجين بدأ منذ انطلاق الاحتجاجات، وشهد محاولات لتشويه سمعتهم في الإعلام، عبر اتهامهم بممارسة العنف ومعاداة السامية مرةً، ومرةً بالادعاء أن المحتجين ليسوا طلابًا أصلًا في الجامعات التي يتظاهرون في حرمها.
وهذا يقودنا أصلا للقوانين التي تحكم أمريكا و للدولة العميقة ؟؟؟ " في مقدمة كتابه "الساحة والبرج: الشبكات والسلطة من الماسونيين الأحرار إلى فيسبوك"، يفتح المؤرخ والأكاديمي البريطاني الجنسية، نيل فيرغسون، مساراً واسعاً للحديث عن فكرة الدولة العميقة حول العالم كافة، ومنذ عصور قديمة، وهي الفكرة التي كثر تناولها لا سيما بعد هزيمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، والأحاديث التي جرت حول دور تلك الدولة غير الظاهرة للعيان في إقصائه بعيداً.
لاا يستخدم فيرغسون تعبير الدولة العميقة، بشكل مباشر، وإنما يرى أن ذلك الكيان يمتد من أوائل القرن السادس عشر حتى الانتخابات الأميركية عام 2016.
يتنقل فيرغسون بين شبكة التنظيمات السرية في زمن الإمبراطورية الألمانية، وشبكات الإصلاح والتنوير والمحافل الماسونية والاستكشاف وصعود شبكات المال في أوروبا، حتى يصل إلى الشبكات المالية والاقتصادية الراهنة وشبكات تكنولوجيا المعلومات الجديدة، فيراوح بين شبكات الإرهاب والتخابر البشري والإلكتروني، وأخيراً شبكات الهجوم السيبراني في الصين والولايات المتحدة الأميركية، تلك التي باتت على أهبة الاستعداد للتدخل في صنع صورة العالم بطريقة مغايرة تماماً لما ألفناه.
لكن هل ما يتناوله فيرغسون عبر أكثر من ستمائة صفحة من القطع الكبير في كتابه هو مرادف الدولة العميقة، لا في الولايات المتحدة الأميركية فحسب، بل حول العالم؟ ربما يتحتم علينا بداية التوقف مع المفهوم الواسع لهذا التعبير.
تتعدد التعريفات والتفسيرات لتلك الدولة المجازية، وتبقى الحقيقة بأنها مصالح تحتية مختبئة بين ثنايا النظام المؤسساتي السياسي، يديرها منتفعون لهم شغل شاغل في بقاء أهدافهم بعيدة عن الأعين، وفي الوقت عينه لديهم من القدرة والمنعة، ما يمكنهم من تسخير الحكومة الظاهرة لخدمة وإدراك ما يتطلعون إليه، عبر التواطؤ والمحسوبية، وغالباً تعطي الدولة الأميركية العميقة، المثل الواضح لكل تلك الجماعات حول العالم.

هناك أكثر من قراءة لتلك الدولة، واحدة تعود إلى زمن تأسيس الولايات المتحدة، وزمن الآباء المؤسسين، وأخرى معاصرة ترتبط بمجمعات ولوبيات حديثة بزغت في النصف الثاني من القرن العشرين.
ويتناول البروفيسور جيسون ليندسي، في كتابه "إخفاء الدولة" طبيعة هذه الدولة العميقة، وعنده: "أنه حتى من دون وجود جدول أعمال تآمري، فإن مصطلح الدولة العميقة مفيد لفهم جوانب مؤسسة الأمن القومي في البلدان المتقدمة، مع التركيز على الولايات المتحدة".
على أن ليندسي يفتح الباب واسعاً أمام مصادر تلك الدولة، والتي يعتبر أن مجتمع الأمن القومي، والاستخبارات، وبقية العوالم السرية في الداخل الأميركي، هي مصدر القوة.
ولعل ما يجري في الداخل الأميركي من تحركات غير ظاهرة للعيان، منها ما أشار إليه، إدوارد سنودن، عميل وكالة الأمن القومي الأميركي NSA تلك الوكالة المغرقة في السرية، يلقي الضوء على الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية.
ووفق هذا المفهوم الذي يعكس دلالة سلوك القضاة وتحكم الدولة العميقة في مفاصل الحياة السياسية الأمريكية فان أمريكا
.. الدولة التي لا تخضع للمساءلة ؟؟؟
يعتبر استقلال القضاء إحدى الركائز الأساسية للإدارة الفعالة للعدالة،فعدم تدخل السلطة التنفيذية يكفل تمتع المعتقلين بالضمانات القانونية الأساسية المنصوص عليها للجميع.
وغياب التدخل والضغوطات من أي نوع كانت يضمن نزاهة عمل المحاكم والقضاة بما يتوافق مع القانون، ويتيح للمواطن الشعور بالطمأنينة من عدم وقوعه ضحية لسوء المعاملة. لذلك، وإدراكاً منها لأهمية الأمر، اعتمدت الأمم المتحدة، في العام 1985 المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية.
ويشكل النظام القضائي المستقل ضمانة أساسية لحماية حقوق الإنسان، حيث يحميه من ممارسات الحكومة غير المشروعة، ويضمن تقديم الجناة أمام القضاء لمحاكمتهم بالعدل وحصول الضحايا على سبل الانتصاف القانونية الفعالة.
تتعدد الأسباب التي تؤثر سلباً على استقلال القضاء في بعض البلدان فتتراوح من الاستخدام المفرط لذريعة "أمن الدولة" الاستثنائية ، وانتشار المحاكم المؤلفة من قضاة تعينهم حزب متفرد في السلطة التنفيذية.
ومع بعض الحالات التي تشهدها أمريكا من استخدام المؤسسات القضائية لأغراض حزبية بحتة حيث أصبحت استقلاليتها محل شك وتساؤل ، و يضع العديد من الحقائق أمام القارئ الكريم عن أهمية استقلالية القضاء وضمان نزاهة القضاء والسلوك القضائي الذي تفتقده أمريكا التي تدعي دعمها للحريات وتفرض عقوبات على دول بعينها تحت بند الحريات وهي نفسها تفتقد لهذه الحريات
لعل الذين لهم دالّة على قراءة كتب التاريخ وفهم أبعاده، يتذكرون الرئيس جون كينيدي، الذي رغب بشكل جدي في وقف التصعيد العسكري، وفتح أبواب السلام والتنمية والتعاون أمام العالم، ولهذا ربما كان لا بد له من أن يختفي عن مشهد الحكم.
قبيل رحيله عن البيت الأبيض وفي يناير (كانون الثاني) من عام 1961، ألقى الرئيس المنتهية ولايته، الجنرال دوايت أيزنهاور، خطاباً وداعياً متلفزاً من مكتبه الرسمي وبطريقة لا تُنسى. حذر في الخطاب من أن تتحول "الصناعة العسكرية المعقدة" في بلده إلى قوة عنيفة.
رأى أيزنهاور من بعيد أن "المؤسسة العسكرية الضخمة" باتت تعمل مع "صناعة أسلحة هائلة"، سعياً وراء "نفوذ لا مبرر له" في "كل مدينة وكل مبنى تشريعي وكل مكتب عائد إلى الحكومة، ما قد يؤدي إلى كارثة تنبع من بروز قوة في غير محلها".
واليوم وبعد نحو ستة عقود من خطاب أيزنهاور تصل ميزانية البنتاغون إلى نحو 770 مليار دولار، وهذا هو الرقم الظاهر، وبالقطع هناك برامج سرية عسكرية أميركية، غالباً لا يعلم الرئيس عنها شيئاً، ما يجعل من هذا المجمع قوة عميقة حقيقية، تدفع في طريق عسكرة الحياة الأميركية، وإزاحة من يتقاطع معها من أنصار رؤساء السلام، الأمر الذي حدث مع الرئيس كارتر في نهاية سبعينيات القرن الماضي.
وفي الخلاصة، فإنه على الرغم من أن الكثيرين حول العالم يعتبرون تعبير الدولة العميقة في الداخل الأميركي بنوع خاص، أمراً من قبيل سردية المؤامرة الوهمية، فإن عدة استطلاعات للرأي في الأعوام الأخيرة، جاءت نتيجتها مؤكدة قناعة الأميركيين بحضور الدولة العميقة بقوة في الولايات المتحدة الأميركية.
هذا السلوك للقضاة له دلالته وأهميته وهي أن أمريكا لا تحكمها قوانين ولا استقلالية في القضاء وأن أمريكا لا يحكمها سوى مصالح حزبيه ضيقة الأفق ولا تولي للحريات أهميتها وأن رسالة القضاة الأمريكيين في جوهرها وحقيقتها خرق للقوانين ولمبدأ استقلالية القضاء ولو حصل ما حصل في دوله من دول العالم الثالث وقام قضاتها بتوجيه مثل تلك الرسالة لقامت الدنيا وقعدت ولسردت ألصحافه الأمريكية مساحات واسعة ضد هذه الدول تتهمها بالدكتاتورية والعنصرية ومنع حرية الرأي والتعبير وكبت الحريات وهو حقيقة ما يحصل اليوم في أمريكا ضد ثورة الاحتجاجات الطلابية للجامعات الأمريكية ضد الحرب على غزه ومناصرة للقضية الفلسطينية .