الخطاب الأخلاقى للنساء فقط



منى نوال حلمى
2024 / 5 / 20

" الخطاب الأخلاقى " للنساء فقط .. والرجال مُلزمون فقط بالانفاق لا بالأخلاق
==================================================

الاستديو فاخر ، والمذيع أنيق ، والممثل اللامع ضيف البرنامج ، يشرب العصير ، بكل أريحية وثقة واستعلاء . يسأله المذيع مبتسما : " قلت فى برنامج انك بتحب الستات .. ده صحيح ، ولا كلام هزار ؟ .. متخفش من مراتك ، هى متتفرجش علينا دلوقت .. ".
تبادل المذيع والضيف ، ضحكة ذكورية خبيثة . أخذ الضيف رشفة من العصير ، وقال :
" أنا باموت فى الستات ، ومراتى فى الأول افتكرت انها هتغيرنى ، دلوقت خلاص عرفت ان ده مستحيل ، وراضية بالعيشة معايا ، لأنى فى الآخر بارجعلها ".
ومنذ أيام ، شاهدت حوارا بين مذيعة صاخبة الألوان ، و " جينا " الابنة الوحيدة للفنان
" نجيب الريحانى ". وسألتها المذيعة : " سمعنا ان نجيب الريحانى كان بيحب الستات ،
اشاعة ولا حقيقة ؟ ". قالت الابنة : " كل الناس عارفة ان أبويا كان بيحب الستات ".
أنا لا أفهم ، كيف لا تقوم الدنيا ، بعد هذه التصريحات ، فى مجتمع متضخم بمواعظ الأخلاق ، ومنشغل أربعة وعشرين ساعة فى اليوم ، بالحديث عن مكارم الأخلاق ، التى تميزه عن بلاد الغرب التى توصف ب " الانحلال الأخلاقى " ؟؟.
" أنا بحب الستات ومراتى عارفة وراضية " .. وأنا لا أعرف ماذا تعنيه هذه الجملة
على وجه التحديد والدقة ، ولا أعرف بماذا نصف هذه الزوجة ؟.
أرجع وأتذكر ، أن تضخم المواعظ الآخلاقية ، وسُعار الزعيق الأخلاقى ، وصخب
الأمر بالعفة والفضيلة ، وتصيد المنكر ، هو " خطاب للنساء فقط " . لا يوجد أى " خطاب أخلاقى " للرجال ، فى أى مرحلة من العمر .
دعونا نعكس الأمر . ترى لو المذيع، يحاور ممثلة ، هل يسألها بالأريحية نفسها: " إنتى بتحبى الرجالة.. متخافيش جوزك مش قاعد بيتفرج علينا ؟ ". ولنفترض جدلًا، أن الممثلة أجابت بالضبط ، مثلما أجاب الممثل، وقالت: " باموت فى الرجالة ، وجوزى عارف كده ، وراضى يعيش معايا ". فى هذه الحالة، ستنقلب الدنيا ، عليها وعلى جوزها ، الذى يُتهم بأفظع الاتهامات . وسوف تحاصر الممثلة ، بالانحلال الأخلاقى، وإثارة الفحش الجنسى، من الأهل والأقارب ، والجيران ، والأصدقاء . وسوف تطالب نقابة المهن التمثيلية بالتنكر لها، وتشطبها من ممارسة الفن، وسوف تطالب قنوات الاتصال الاجتماعى بمحاكمتها، وسوف تفتى التيارات المتأسلمة والسلفية والإخوانية، بأن إهدار دمها واجب شرعى، لأنها تجهر بالفسق والفجور ، مما يؤثر على النساء العفيفات الشريفات فى المجتمع . هذا غير تعرضها للشتائم البذيئة، والسب والقذف، والسخرية المهينة. وفى الوقت نفسه، لن يتعرض المذيع الذى سألها، لأى هجوم، أو إدانة. ربما فقط، يتم لفت نظره ، بعدم استضافة مثل هؤلاء الفنانات ، اللائى يجهرن بالافساد فى الأرض .
ثم ماذا تعنى : " أنا بحب الستات أو باموت فى الستات ؟ ". أتعنى أن هذا الرجل ، عازبا أو متزوجا ، كلما رأى امرأة ، فى أى مكان ، هرع اليها ، ولا يهدأ له بال ، الا اذا وقعت فى المصيدة ، وحينما تقع ، فهى " المُدانة " ، بانعدام الشرف ، وقلة الدين ، وعدم الخوف من ربنا . أما الرجل ، يمشى مختالا ، نافشا ريشه . وبعد الانتهاء ، والشبع من الفريسة ،
يتركها ، ويبدأ البحث عن فريسة جديدة .
وهل الاعتراف فى وسائل الاعلام ، بأن " رجلا بيموت فى الستات " ، عازبا أو متزوجا ،
معناه أن تعدد العلاقات ، لا يعيب أخلاق الرجل ، ولا ينتقص من وفائه لزوجته ، بل هو شئ عادى ، من قديم الأزل ، وليس اختراعا الآن . وأن " امرأة واحدة لا تكفى " ، تعكس طبيعة الرجل ، التى تؤكد رجولته ، وعلى زوجته ، تفهم هذه الطبيعة ، بل والفخر بها ، والدفاع عنها ؟.
ونستطيع أن نرصد استحسان وترسيخ وتكرار هذا المشهد ، فى الدراما التليفزيونية ، والأفلام السينمائية ، واباحة تعدد الزوجات ، والروايات الأدبية ، و" التعايش السلمى " مع تعدد علاقات الرجال ، خارج الزواج ، وداخله . ويتضح أيضا ، من خلال التبرير والتقنين والتماس الأعذار للرجال ، فى حالات الخيانات الزوجية ، والاغتصاب ، والتحرش ، وزنا المحارم ، واغواء الفتيات باسم الحب ، والنية الجادة فى الارتباط .
وهناك الكثير من جرائم القتل ، التى يرتكبها رجال ضد زوجاتهم ، بسبب كلام الناس، والشكوك دون أدلة ، ويخرج الواحد منهم ، ممسكا بالسكين ، ومغطى بالدم ، وبكل افتخار
يزعق : " غسلت عرضى وشرفى .. دبحتها .. قتلتها .. ". ثم تتضح الحقيقة ، أن زوجته بريئة ، وهو " كل يوم مع واحدة شكل ". وفى القانون ، اذا " ضبط " الزوج زوجته ، فى حالة تلبس مع رجل آخر ، وقام بقتلها ، فانه يأخذ " حكما مخففا " ، لأنه غسل عرضه وكان بيحمى شرفه ، دون التحقيق اذا ما كان هو ، يخون زوجته ، أولا يخونها .
والمشهد التالى ، مألوف فى مجتمعاتنا . وقد شاهدته منذ عدة أيام ، يتكرر للمرة المليون .
تتعرف فتاة على شاب ، من خلال الفيسبوك . وبعد عدة أسابيع من المواعدة ، يطلب منها أن تذهب معه الى شقته . ترفض الفتاة بشدة . طمأنها أنه يحبها ، وسوف يتزوجها ، وأنها لابد أن تثق به . ذهبت الفتاة الى شقته . وعندما أغلق الباب ، انقض عليها فورا ، وأجبرها على التجرد من ملابسها . قاومته الفتاة بكل قوتها ، وقالت له : أنا وثقت بك ، وأنت ضحكت عليا ، ووعدتنى بالجواز .. " . رد الشاب بكل وقاحة واستعلاء : " أنا .. أجوزك انتى .. انتى نسيتى أنا جايبك منين ، أنا شأطك من الفيس .. هتعملى عليا شريفة وعفيفة .. قال أتجوزك قال .. فيه شاب يقبل ان مراته تكون مشأوطة من الفيس ". فى بعض الأحيان ، ينتهى الموقف بأن يغتصب الشاب الفتاة ، ثم يذبحها ، أو أن الفتاة تستطيع الهروب منه ، بعد أن
تقتله .
كالمعتاد المذيع مقدم الجريمة ، وتعليقات التواصل الاجتماعى ، تشتم وتتهم الفتاة . ولا كلمة واحدة ، تقال ضد الشاب ، الكاذب ، المخادع ، عديم الأدب والشرف . هل هذه
أخلاق ؟؟ . وهل هذا شرف ؟؟. وهل هذا عدل ؟؟.
أجزم بكل ثقة ، لأننى أتابع يوميا الجرائم أولا بأول ، أن 999, 99 % من جرائم المجتمع المصرى ، تُرتكب نتيجة المقاييس المزدوجة غير العادلة ، غير الأخلاقية ، غير العادلة ، بين النساء والرجال ، وبين الشابات والشباب ، وفى المعايير المختلة المعوجة ، التى تحكم أجساد النساء ، وأجساد الرجال .
كيف ترتقى وتنعدل أخلاقنا ، ولا شئ يعيب الرجل ، الا " فلوسه " ، ولا شئ يعيب
المرأة ، الا " غشاء عذريتها " ؟؟ "... وأن " جسد الرجل ملكه " ، و " جسد المرأة ملك جوزها ".

يصبح هذا الرجل قدوة للرجال، والأزواج، والشباب. أما المرأة أو الفتاة، لو فقط اعترفت بأنها «معجبة» فقط بأحد الرجال، أو الشباب، فهى مشروع لفتاة منحلة أخلاقيًا، وبداية لامرأة سيئة السمعة، معوجة السلوك، منحرفة الفطرة. أهذه فضائل؟. أهذه أخلاق تستحق الإشادة والفخر والحفاظ عليها؟. أهذا هو الطريق المستقيم للعفة؟. أم فساد أخلاقى من الدرجة الأولى؟.
السرية ، من أجل رجال فى حالة هياج جنسى مستمر، ومقنن. أخلاق غير أخلاقية.. معيبة.. مخجلة.. ضد الفضيلة، والاستقامة.
هؤلاء الرجال الفاسقين الذين يبررون ، ويقننون انحلالهم الأخلاقى ، ليس لديهم أى مشكلة . فهم يصلون ، ويصومون ، ويذهبون الى الحج ، ويحجبون اناث الأسرة ، لأن الله ، سيغفر لهم كل ذنوبهم ، بعد الصلاة والصوم والحج .
-------------------------------------------------