ضرورة المصادقة على اتفاقية رقم (190) بشأن القضاء على العنف والتحرش في عالم العمل



دينا الأمير
2024 / 5 / 28


إن ظاهرة العنف والتحرش في عالم العمل من أخطر الظواهر السلبية التي تحدّ من التطور والتقدم والتنمية المستدامة، وانتهاكاً وإساءة لحقوق الإنسان ويتنافى مع معايير العمل اللائق وحق الإنسان في العمل بكرامة في بيئة صحية خالية من العنف والتحرش والاحترام المتبادل وتكافؤ الفرص والعدالة والمساواة. هذا ما يؤكد عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).

ويشكّل العنف والتحرش في مواقع العمل والقائم على النوع الاجتماعي سلوكاً غير مقبول ويلحق الضرر النفسي والجسدي على النساء، ويؤثر سلباً على الأداء الوظيفي وفقدان الرغبة في العمل ويضعف الانتاجية ويؤدي إلى اضطرابات نفسية عديدة كالخوف والقلق والاكتئاب. هذا العنف غالباً لا يتم الإبلاغ عنه لأسباب عديدة أهمها ما هو مرتبط بثقافة المجتمع، وخوف المرأة على سمعتها ومن الفضيحة، وعدم وجود قوانين واضحة تُجرّم التحرش في العمل، أو الخوف من فقدان العمل.

في المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في دورته الثامنة بعد المائة (مئوية المنظمة) قرر اعتماد بعض المقترحات بشأن ظاهرة العنف والتحرش في عالم العمل، وهي موضوع البند الخامس من جدول أعمال الدورة.

وتقرر أن تتخذ هذه المقترحات شكل اتفاقية دولية وتسمى اتفاقية العنف والتحرش (رقم 190) وتضمنت على 20 مادة مفصلة عن العنف في عالم العمل. اعتمدت هذه الاتفاقية في 21 يونيو 2019 ودخلت حيز التنفيذ في 25 يونيو 2021 وأصبحت مرجعية هامة لمنع العنف والتحرش في عالم العمل والقضاء عليهما وحق كل فرد في عالمٍ خال من جميع أشكال العنف وتحقيق المساواة بين الجنسين. وعُرفت الاتفاقية العنف والتحرش في العمل على أنها “نطاق من السلوكيات والممارسات غير المقبولة أو التهديدات المرتبطة بها، سواء حدثت مرة واحدة أو تكررت، التي تهدف، تؤدي أو يحتمل أن تؤدي إلى إلحاق ضرر جسدي، نفسي، جنسي، أو اقتصادي، وتشمل العنف والتحرش على أساس نوع الجنس”. هذه السلوكيات والممارسات تتمثل في: التنمر، التهديد، الإهانة اللفظية، إساءة المعاملة، عدم وجود وقت للراحة، الفصل من العمل على خلفية الزواج أو الحمل والإنجاب، والتحرش والاستغلال والابتزاز الجنسي وغير ذلك من ممارسات.

وتعد الاتفاقية رقم 190 والتوصية المرافقة لها رقم 206 بشأن القضاء على العنف والتحرش في عالم العمل من أهم وأحدث المعايير القانونية الدولية والتي تمنع العنف والتحرش في العمل ومعالجته والقضاء عليه، وتوفر الحماية للعمال في بيئة العمل وتضمن المساواة وعدم التمييز. هذه الاتفاقية تشمل العمال والعاملات في جميع القطاعات سواء كانت رسمية أو غير رسمية بغض النظر عن طبيعة العمل أو التعاقد. وتعزز الجهود الرامية لتخفيف آثار العنف في مواقع العمل والقضاء على العنف القائم على النوع الاجتماعي. وتدعو الدول المصدقة على هذه الاتفاقية بتعريف العنف والتحرش وحظره وإيجاد تدابير الوقاية والمراقبة وآليات الشكاوى ودعم الضحايا، وتُلزم أصحاب العمل بالتصدي وحماية العمال من العنف أثناء العمل.

كما تنطبق هذه الاتفاقية على ظاهرة العنف والتحرش والتي تحدث في سياق العمل أو تكون مرتبطة به أو ناشئة عنه: “في مكان العمل، بما في ذلك الأماكن العامة والخاصة حيثما تشكل مكان عمل، في الأماكن التي يتلقى فيها العامل أجراً أو يأخذ استراحة أو يتناول وجبة طعام أو يستخدم المرافق الصحية ومرافق الاغتسال وتغيير الملابس، خلال الرحلات أو السفر أو التدريب أو الأحداث أو الأنشطة الاجتماعية ذات الصلة بالعمل، خلال الاتصالات المرتبطة بالعمل، بما فيها تلك التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أماكن الإقامة التي يوفرها صاحب العمل، عند التوجه إلى العمل والعودة منه”.

ووفقاً لتحليل مشترك أجرته منظمة العمل الدولية ومؤسسة لويدز رجيستر الخيرية العالمية المستقلة وشركة غالوب للتحليلات والاستطلاعات “تعرض أكثر من واحد من كل خمسة موظفين عالمياً (أي ما يقارب من 23%) للعنف والتحرش في مكان العمل، سواء كان جسدياً أو نفسياً أو جنسياً، وعلى الصعيد العالمي، 17.9% من الرجال والنساء العاملين تعرضوا لعنف وتحرش نفسي في مرحلةٍ ما من حياتهم المهنية، و8.5% تعرضوا لعنف وتحرش جسدي).

باتت الحاجة ملحة للمصادقة على الاتفاقية رقم 190 لإنهاء ومعالجة العنف والتحرش في عالم العمل لحماية العاملين والعاملات وتوفير بيئة عمل مناسبة للجميع. إن العنف والتحرش على أساس النوع الاجتماعي يعد جريمة ويجب فرض عقوبات قانونية رادعة لمنعه. كما إنه أحد مظاهر التمييز ضد النساء وله تأثير سلبي على كرامتهن ومشاركتهن واستمرارهن في سوق العمل ويمتد انعكاساته السلبية على المجتمع والاقتصاد والتنمية. إن حماية المرأة ودعمها مسؤولية مجتمعية، ومن الأهمية عدم تجاهل ما تعانيه من قهر وتمييز وعنف، ويجب تشجيعها على عدم السكوت والتبليغ عندما تتعرض لأي أذى.