تُهَم فَضْفاضَة ضِدّ النّاشِطات السعوديات.. وأحكام تَعسُّفِية..



نجود الجهني
2024 / 5 / 31

أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في المملكة العربية السعودية حُكمًا بالسجن أحد عشر عامًا ضدّ الناشطة السعودية (مناهل العتيبي) مطلع عام ۲۰۲٤م بعد أن وجّهت لها النيابة العامة تُهَمًا تتعلق بمخالفة القيم الدينية لعدم ارتدائها الحجاب والعباءة في مكانٍ عام، إلى جانب نشاطها الحقوقي بالمطالبة برفع قيود وصاية الرجل القانونيّة ضد المرأة السعودية!
هذه التُهم الفضفاضة تجعلنا نعود بالوراء إلى المشهد ذاته مع ما حصل ضدّ الناشطات السعوديات أمثال: عزيزة اليوسف، ولجين الهذلول، وإيمان النفجان، ونوف عبدالعزيز وغيرهنّ من الناشطات، ممن تمّ الإفراج عنهن بعد ضغوط دولية طالبت بإطلاق سراحهنّ لسنوات، إلا أنهنّ لازلنَ يواجهن أحكامًا تعسفيّة بالمنع من السفر خارج السعودية، وقيودًا قانونية تمنعهنّ من مزاولة نشاطهنّ الحقوقي. في حين لازالت الناشطة (سلمى الشهاب) تقضي حُكمًا بالسجن لمدة سبعة وعشرين عامًا فضلًا عن منعها من السفر المدة ذاتها بعد أن تقضي سنواتها العِجاف في غياهب السجن بسبب نشاطها الحقوقي، والتعبير عن رأيها على المنصة الإلكترونية (تويتر سابقًا) ومطالبتها بحقوق المرأة السعودية، وتضامنها مع مُعتقلي الرأي، حيث أطلقت عبارتها الشجاعة على حسابها الإلكتروني الشخصي: " لا تخذلوا المُعتقَلين بالنسيان"؛ مما جعلها من المغضوب عليهم لدى السلطات السعودية التي اعتقلتها فور وصولها السعودية حين عادت من بريطانيا – مقر دراستها للدكتوراه بجامعة ليدز- لزيارة عائلتها في إجازتها الدراسية السنوية في يناير عام ۲۰۲۱م.

إن ما يثير الدهشة، أن الناشطات الحقوقيات بالسعودية يُحاكَمن باعتبارهنّ مرتكبات "جرائم إرهابية" كما يتمّ التشهير بهنّ في الإعلام السعودي المسموع والمرئي والمقروء قبل إحالتهنّ للقضاء، حتى أنهنّ أصبحنَ لُقمة سائغة لحديث المجالس بين المواطنين السعوديين البُسطاء الذين لا يجرؤون على مناقشة القضايا الوطنية الجذرية التي أضّرت بمصالحهم وحقوقهم المدنية، مثل البطالة والفقر وارتفاع الأسعار وفرض الضرائب دون تمثيل سياسي وكذلك حرية التعبير. وهنا ندرك أن الإعلام السعودي يلعب دورًا خطيرًا في شيطنة الناشطات السعوديات.
رُبما تقودنا هذه الأحكام التعسفية ضد الناشطات النسويّات إلى جملةٍ من الأسئلة، من بينها:
* هل التعبير عن الرأي تُهمة تستوجب الاعتقال؟
* هل الحريات الفرديّة باللباس وعدم ارتداء العباءة السعودية جريمة دينية تستدعي سجن النساء؟
* هل السماح بإقامة الحفلات الغنائية الصاخبة لمُغنّيات ومُغنين من شتى أصقاع الأرض، وكذلك استقطاب لاعبي الكرة الدوليين للعمل بالسعودية والتعاقد معهم برواتب وحوافز "خيالية" هي مجرد غسيل رياضي وإعلامي؟
* هل القيادة السعودية الحاليّة صادقة مع المواطنات السعوديات في ما يتعلّق بتمكين المرأة السعودية – كما روّج- لهذه التسمية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان منذ اعتلائه السلطة عام ۲۰۱٧م؟
* إذا تمّ سجن الناشطات الحقوقيات بعد إدانتهنّ بتُهم فضفاضة، وتشويه سمعتهنّ بالإعلام السعودي، إذًا فَمَن هو الصوت الحقيقي للمُواطِنة؟
* هل نحن أمام "سعودية جديدة" كما روّج لهذه التسمية –مرارًا وتكرارًا- ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عبر وسائل الإعلام؟
* هل السعودية الجديدة تفرّق بالحريات الفردية بين المُواطِنة السعودية وبين الأجنبية السائحة أو المُقيمة باتبّاع سياسة المعايير المزدوجة كما يحدث في الإمارات العربية المتحدة التي تكيل بمكيالين بالنظر للحريات الفردية بين المواطِنة الإماراتية ونظيرتها المقيمة الأجنبية أو السائحة؟
خُذ على سبيل المثال لا الحصر، تم سجن الناشطة السعودية (مناهل العتيبي) بعد جُملة تُهم من بينها، عدم ارتدائها الحجاب والعباءة في مكانٍ عام، مما أثار حفيظة النيابة العامة التي اتهمتها بمخالفة القيم الدينية داخل البلاد! على الجانب النقيض تمامًا، نشاهد الإعلام السعودي يتباهى بالمُقيمة الأجنبية (جورجينا) شريكة اللاعب البرتغالي العالمي (كريستيانو رونالدو) التي تجول وتصول بصورةٍ طبيعية – مثل أي إنسانٍ حُرّ- بالأماكن العامة داخل السعودية دون ارتداء العباءة، والأدهى من ذلك والأمرّ، إبرازها كوجه إعلامي للسعودية "الجديدة" التي تروّج لها الحملات الدعائية للتعبير عن الانفتاح المزعوم داخل البلاد.
حقيقة ما يحدث في المشهد السياسي السعودي في ما يتعلق من تعامل السلطات السعودية مع الناشطات الحقوقيات، يجعلني أقول: إنّ القوانين التي يتم تطبيقها ضد فئات معينة، واسثناء فئات أُخرى لمجرّد اختلاف أعراقهم أو أجناسهم أو جنسياتهم هي قوانين لا تحترم حقوق الإنسان، ويجب إعادة النظر فيها إذا كانت هنالك ثمّة نوايا حَسنة لتغيير السياسة المُتبعة في حقوق المرأة داخل السعودية.
لك أن تتصوّر -عزيزي القارئ- أنّ الناشطات الحقوقيات داخل السعودية كُنّ يُطالِبن بحقوق المرأة بطرق سلميّة واعية، اعتمادًا على جُهود فرديّة شخصيّة منهن، إذ ليس لديهنّ منظمات حقوقية داخل السعودية تدعمهنّ أو مؤسسات مجتمع مدني تحمي حقهنّ الإنساني في حرية التعبير، ومما يزيد الطين بلّة أنهن يواجهن محاكمتهن أمام القضاء دون تمثيل قانوني!
ختامًا، حين تروّج القيادة السعودية الحاليّة – عبر وسائل الإعلام في الشرق والغرب- لاتباع سياسة مختلفة مع حقوق المرأة، عن العهود السابقة التي توالت على حُكم البلاد، ينبغي عليها أن تبدأ بالسلطة التشريعية وغربتلها من جديد، وسنّ قوانين عادلة بما يتوافق مع حقوق الإنسان – على حد سواء- بغضّ النظر عن جِنسه أو عِرقه أو رأيه السياسي أو الديني، حتى لا تجد الناشطة الحقوقية نفسها بين عَشيّةٍ وضُحاها أمام سيلٍ جارف من التُهم الفضفاضة كما حصل وكما يحصل مع الناشطات السعوديات المُعتقلات اللواتي يُحاكمن محاكمات سريّة حتى اللحظة!
إذا كان هنالك ثمّة تغيير حقيقي في السعودية فليبدأ بحماية حُرية المرأة واحترام حقوق الإنسان.