في الطريق لإحياء اليوم العالمي للطفل وتثبيته في أجنداتنا النضالية: ما هي ظروف أطفال بلداننا ؟



تيسير عبدالجبار الآلوسي
2024 / 6 / 1

من أجل استعادة الاحتفال باليوم العالمي لطفل ومنع إهماله أمميا لابد لنا من التشبث به والتمترس فوق منصته دفاعا عن مصالح جيل هو جيل الغد الذي ينبغي أن نبنيه اليوم ونكون الشخصية الإيجابية الفاعلة القادرة على الإبداع والابتكار.. بمعنى الوقوف الصلب بوجه تخريب الشخصية سواء عبر ما يجابه التعليم من تخريب أم ما يجابه الثقافة الشعبية العامة من تدمير نهج وخطابه التنويري كما ينبغي أن نتحصن خلف مطالب الرعاية الصحية ومنع التشغيل وحظر تأثيرات الضغوط ومنها تفشي المخدرات وغيرها من ألاعيب وتفاصيلي مناهج بثها وإفشاء أمراضها.. فهل سيصل الصوت عاليا اليوم دفاعا عن آمال أطفالنا وتأمينا لسلامة حيواتهم ومسيرة النمو والبناء؟ هذه مجرد كلمات تتطلع للتفعيل عبر تبنيها في استراتيجيات منظمات التخصص للمجتمع المدني وللجان الحزبية لقوى التنوير وحركاته


بمناسبة اليوم العالمي للطفل ويوم الوالدين تطلعات سامية دفاعا عن الطفل والطفولة في العراق


تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان

يحتفل أطفال العالم بيومهم العالمي لكن أطفال بعض بلداننا لن يستطيعوا المشاركة في تلك الاحتفالات.. إذ لا عيد للطفل والطفولة اليوم بسبب الظروف العامة في بلداننا، منها غزة الفلسطينية، دارفور السودان، واليمن وليبيا وفي عراق يشهد كوارث ومآس بلا حصر..

إن هذه المناسبة تتعرض للطمس والتناسي والاستبدال ربما للتمييع أو لإخضاعها وكل محاور وتفاصيل الحياة لمواقف مؤدلجة وها نحن نرى اليوم يمتاح مناسبة أخرى أيضا هي يوم الوالدين.. لكن المشكلة ليست في ذاك الموقف بل في ظروف محلية تعصف بحيوات الجيل الجديد وهو الجيل الأكثر في نسبته ديموغرافيا وسط شعوب المنطقة..

لقد وضعت مؤشرات عالمية للطفل والطفولة أغلب بلداننا بخاصة التي أشرنا إليها بالاسم للتو بالعلامة الحمراء بين أسوأ عشرين بلدا في العالم فهي بجميع المعايير المرصودة سواء ما تعلق بالأمن والأمان حيث تسطو الحروب المستعرة على الأوضاع أو أنشطة المجموعات المسلحة التي تحتمي بقدسية الادعاء لهويتها وتمثيلها المزعوم لله على الأرض فيجري تجنيد الأطفال ودفعهم قسرا إلى محارق فعالياتهم الإرهابية أو مطاحن الحروب الدائرة..

وما تعلق بالصحة والتعليم حيث تقضي الأمراض والأوبئة على نسب وأرقام مهولة من أطفال تحت سن الخامسة وفي أعمار أخرى تطحنهم معاناة التشوهات الخَلقية وانتفاء الرعاية الصحية برمتها أو هزالها.. بينما لا يلتحق بالتعليم إلا نسب قليلة سرعان ما تطاردهم ظروف العيش القاسية ليتسربوا من المدارس إلى الشوارع بنسب مخيفة مرعبة؛ دع عنكم نهج التعليم ومناهجه ومقرراته وما يتحكم به من منظومة تعليمية لحشو الخرافة ومنطقها وآليات صنع الشخصية المهزومة السلبية التي تتلقى الأوامر مذعنة صاغرة بعد استلاب قدرات الابتكار والخلق..

وهكذا فإن ما يتبقى في ظروف تفشي ظاهرة الفقر والفقر المدقع التي وصلت نسبه لما يفوق نصف المجتمع بجانب انسحاق الطبقة الوسطى وتشوهات البدائل، لا نجد سوى مزيد من جيوش أطفال تضطر للعمل المرهق أو الخطر الأمر الذي فاق أرقاما أشرت كوارث اجتماعية مركبة ومعقدة..

ويجابه أطفالنا اليوم سمات التمييز الحاد بين الذكور والإناث وبين الفئة اجتماعية التي ينتمي إليها الفقراء وأبناء طبقة وليدة هي طبقة كربتوقراط المنظومة البنيوية الجديدة…

وهنا بظروف القسوة والفوضى والتركيبة الطبقية الجديدة لمجتمعات الحروب والهشاشة والصراعات المختلقة بخلفية التخندقات الخلافية مشتعلة الحرائق لا يمتلك الأطفال من يستمع إليهم أو يصغي ونشهد إهمالا لأصواتهم في ضوء أولويات حياة الأسر وطابع ثقافتها فضلا عن طابع مؤسسات الدولة والمجتمع…

ولابد لنا بهذه المناسبة من رصد جملة من الانتهاكات التي ينبغي أن تتصدى لها منظمات متخصصة حقوقيا تربويا بما يتطلبه جيل الأطفال والطفولة ولعل أبرز تلك الانتهاكات تكمن في:

الانتهاكات الجنسية التي تفتضح أو يتم التكتم عليها.
الانتهاكات العاطفية من قبيل التعرض للازدراء والاحتقار والتنمر بما يجري إهمال أي إحصاء و-أو معالجة..
الانتهاكات الجسدية من إيذاء أو إصابة بدنية قد تحدث عن قصد من شخص آخر ترافقها ظواهر الإهمال والتهميش والإقصاء مما ينظر إليه على انه من الوقائع العابرة فيتم التغافل عنها، فتصنع شخصية بلا مستقبل إنساني سوي
لقد أكدت اتفاقية حقوق الطفل بمادتها (32-1) على: “(اعتراف) الدول الأطراف بحق الأطفال في حمايتهم من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجّح أن يكون ضارا بصحة الطفل، أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي”. ولكننا نجد ان نصف أطفال العراق ونسب كبيرة مضاعفة في بلدان بالمنطقة هم من الفقراء وأن نسبة قد تصل إلى أكثر من 5% من أطفال البلاد يضطرون للعمل بأعمال مرهقة وأخرى خطرة مضرة بالصحة وبنموهم السوي..

المشكلة الأنكى وقوعهم ضحايا للاتجار بالبشر بكل معاني ذلك من انتهاك بدني وصحي وجنسي ووقوعهم أسرى الاستعباد والبيع والشراء!! والأنكى أيضا، استغلالهم في التجنيد والعسكرة لميليشيات (مقدسة! أو وقحة! وكلها سواء) إذ تُرتكب هناك كل موبقات الاستغلال تحت استار القدسية الدينية، طبعا الزائفة مما لا يرتبط بدين ولا عرف أو تقليد!!!

وفي ظل تبريرات متطلبات المرحلة الانتقالية أو المرور بمراحل الحروب وانعدام الاستقرار الأمني واختفاء الأمن والأمان تنفلت الأوضاع وتضيع كثير من الاعتبارات القانونية التي تحظر أمرا او آخر إلا أن بلداننا ومنها العراق تمضي بلا سلطة فعلية للقانون ومن ثم نجد ظواهر العبث بأطفال المدارس سواء بضغوط تدفع لتسربهم منها أو باستغلال وجودهم لتوزيع المخدرات بأشكالها أو حتى طبعا تحويلهم لسوق لتلك السموم عدا عن جرائم الاختطاف والاغتصاب التي يتعرضون لها يوميا وفي ضوء كل تلك الجرائم المرتكبة يجري غرس منظومة سلوكية تكتنز بالتناقضات بسبب تلك الوقائع..

وعدا عن كل ذلك فإن الطبيعي أن تمتلك الدول وسائلها في إدارة مختلف الشؤون لعل ابرزها تلك الحاجة لمأسسة أنشطة الطفل ورعايته وحمايته وضرورة إيجاد مأوى بهذي المدينة أو تلك على وفق حجمها السكاني وحاجتها بسبب مستوى الفقر فيها ومستويات الانتهاكات وما شابه من حقائق..

وسيكون واجبا علينا تقديم الدعم المناسب لأمثلة حقوقية منها ((برلمان الطفل)) الذي وُلِد فعليا بمبادرة مجتمعية مدنية مستقلة في أقصى الجنوب العراقي..

ولنتذكر بهذه المناسبة حجم الضغوط التي تعرض لها أطفال النزوح وتضاعف بل تفاقم تلك الضغوط بخلفية القرارات غير الموضوعية باقتلاعهم نحو بيئة غير جاهزة أيكولوجيا وبكل تفاصيل الحياة وحاجات العيش ما يرتكب جريمة مضافة بحقهم وحق عوائلهم..

إن الاحتفال بيوم الطفل العالمي حق ثابت ومؤشر للاستقرار والأمن والأمان مما لا نجده عراقيا إلا في تصريحات مسؤولين معنيين بالتغطية على مجمل النكبات والكوارث التي تجتاح جيل بلا حول ولا قوة ينتظر موقفا من الآباء وهم حتى بيومهم يعانون الأمرَّين ويقارعون تفاصيل حياة في سباق من أجل لقمة عيش لا يحظون بها في بلدان غنية الثروات لكن الأجساد الغضة الطرية تنهشها قوى الاستغلال ومشعلو الحرائق والحروب بلا رحمة وهذا غيض من فيض لمن أعمتهم تبعيتهم وخنوعهم لخرافات وأشكال دجل فأحالتهم لعبيد باسم التدين والتمذهب الطائفي المقيت الذي بات يتلو مزاميره بقرع طبول الوحشية والهمجية بلا من يردعه فعليا..

نذكّر هنا بأن من يدرك ذلك ويسعى للبديل في داخل أي من بلداننا أي في الوطن لا يستطيع المجابهة بقصد التغيير لكن لجوء البعض إلى ما يخضع لمصطلح (إصلاح) وما تعنيه من طابع الترقيع وسط منظومة كلها خلل بنيوي هيكلي لن ينفع في إحداث استجابة لمهمة أو أخرى بل سيؤكد إدامة اللعبة وأضاليلها وأباطيلها..

من هنا فإن احتفالنا اليوم يلزم أن يمارس مهامه المتنوعة المختلفة سواء ما ارتبط بضغوط الواقع ونماذج المنجزات التي يمررها الحاكم الرسمي لكسب ما يمكن كسبه بخاصة في ميدان النضال لكسب تشريعات وتعديلات قانونية ملزمة تتفق والعهود والمواثيق الحقوقية الأممية وتمنع التناقضات القائمة بقوانين بلداننا مما يخلق فرصا وذرائع للاستغلال والتمادي، وبذات الوقت، ينبغي متابعة السعي الكفاخحي للتغيير الجوهري الشامل كيما ننتقل إلى توفير بيئة مقتدرة تستجيب لمطالب الطفل والطفولة في بلداننا وترعاهم وتمنع عنهم غوائل الزمن ومخاطر الجريمة وتشوهات السلوك والقيم ومعاييرها ..

فهلا تنبهنا!؟ وهلا أدركنا أنه ليس بإطلاق الأفراح والاحتفالات الموهومة أي حل ولكنه باستثمارها منصات للتثقيف والتوعية ووضع المطالب وسلم أولوياتها واستراتيجيات التغيير الفعلية من أجلها.

وليحيا أطفالنا بمأمن وبعيا عن أي ضغط أو تهديد وابتزاز

إنهم يستحقون كما كل أطفال العالم أن يحيوا حياة كريمة ترعى وجودهم ونموهم وتؤمِّن مستقبلهم وكل عام وأنتم أقرب للانتصار تحقيقا للسلام وروائع الأمن والأمان والاستقرار ولمسيرة بناء الإنسان منذ نعومة أظفاره حتى نضمن مستقبلا بعيدا عن كل أشكال الاستغلال