الاشتراكي الموحد يعرض في ندوة صحفية مقترحاته التي ضمنها مذكرته لإصلاح مدونة الأسرة



أحمد رباص
2024 / 6 / 13

ضمن تصريح صحفي، قدم الحزب الاشتراكي الموحد الخطوط العريضة لمذكرته التي ضمنها مقترحاته في شأن إصلاح مدونة الأسرة، وذلك في إطار الندوة الصحفية التي نظمها الحزب لنفس الغرض يومه الأربعاء ابتداء من الساعة الحادية عشر صباحا بمقره المركزي الكائن بالدار البيضاء.
ويستفاد من هذا التصريح أن الاشتراكي الموحد يهدف من وراء هذه الندوة إلى أن يقدم لممثلي بعض الجرائد الورقية والرقمية والجمعيات تصوره لمدونة الأسرة المقبلة، وأن يضع بين أيديهم المذكرة التي أعدها في الموضوع متضمنة لأهم المبادئ والمعايير التي يراها أساسية لوضع اللبنات الأولى لبناء مجتمع ديمقراطي، تسوده العدالة والمساواة، ومتحرر على كافة المستويات، ومتساو في الكرامة الإنسانية وفي الحقوق كلها داخل أسرة قوية متماسكة متضامنة ومتعاونة، وكذل في المجتمع.
ويؤكد الحزب في نصريحه الصحفي أنه يؤمن إيمانا قويا بأن الديمقراطية كنظام سياسي لا يمكن لها أن تبنى وتنمو وتنتصر بدون أسرة متراصة الأركان، متصالحة مع نفسها، تتحقق المساواة بين أعضائها.
واعتبر الحزب أن أهم شرط لتحقيق كل ذلك يتمثل في تحرير المرأة وإصلاح أوضاعها ومساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات، مؤكدا أن البناء الديمقراطي لا يمكن أن يتم إلا إذا شمل التغيير الديمقراطي كافة بنيات المجتمع الأساسية، وفي مقدمتها "مدونة الأسرة،" بما يضمن المكانة اللائقة للمرأة ويخلصها من كل قيود اللامساواة والدونية، ويحرر الرجل نفسه من هذا الاستلاب الذي ينقص من إنسانيته ويديم استغلاله الطبقي.
وبما أنّ لا ديمقراطية حقيقية بدون مساواة كاملة بين الجنسين على مستويات متعددة، سياسية، ومدنية، واقتصادية واجتماعية وثقافية، وبيئية، وأمام الاختلالات التي أبان عنها تطبيق مدونة الأسرة الحالية، والتي كانت مؤشراتها بادية منذ صدورنا عام 2004، يظهر اليوم جليّا أن هناك حاجة ملحّة لمراجعتها بشكل جذري حتى تتماشى مع المتغيّرات التي يعرفها المجتمع، وحتى يرفع الحيف الذي تعاني منه المرأة المغربية، والذي يؤثّر عليها وعلى الأسرة المغربية بشكل عام، وعلى الأطفال بشكل خاص، و على مسيرة الدمقرطة والتنمية المجتمعية بشكل أعم.
ويلاحظ الحزب أن هناك اليوم فرقا شاسعا بين الواقع والتشريع، وهو ما يتطلب القيام بثورة ثقافية تنويرية لتراثنا الحضاري والإسلامي، وإعمال فضائل الاجتهاد فيما يخص المفاهيم الدينية، بما يتماشى مع السياق الحالي وتطورات المجتمع، من أجل التفاعل مع تحولات الواقع والمجتمع لإنتاج فقه حضاري يغطي كافة مناحي الحياة الاجتماعية و السياسية والاقتصادية.
وإذ يتطلع الحزب إلى تلك الأهداف النبيلة فلأن عصرنا يختلف اختلافاً جذرياً عمّا سبقه من حقب تاريخية، حيث لا مجال هنا للمقارنة نظراً لما طرأ على عالمنا المعاصر من تطورات، وما جد فيه من متغيرات متسارعة، وما ظهر فيه من اختراعات وابتكارات علمية وتكنلوجية ورقمية باهرةىأنتجت تحديات تواجه الإنسانية وقدرتها على استيعاب تطورات العصر، والوعي بالزمن، وبالتطور التاريخي. وأمام هذه التطورات المتسارعة، يواصل التصريح الصحفي، نكون في حاجة اليوم لفقه يساير واقعنا المركب، وينتصر لقيم العدل والمساواة والإنصاف؛ علما بأن استبدال قانون الأحوال الشخصية بمدونة الأسرة في 2004 شكل خطوة إيجابية، حيث استجابت المدونة المعدلة لجزء من مطالب الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني والحركة النسائية المغربية ورفعت بعض الحيف عن النساء، غير أنها حافظت على جوهر التمييز في مجموعة من القواعد القانونية غير المنصفة للنساء والرجال والأطفال والتي شكلت قضايا جوهرية في الملف المطلبي لعدد من القوى التقدمية، من بينها: تزويج الطفلات، السلطة التقديرية التي منحت للقضاة، تعدد الزوجات، اقتسام الممتلكات في حالة الطلاق، مسألة إثبات البنوة، الحضانة، قضايا الإرث.
ويذكر التصربح بأن المغرب أقر، خلال سنة 2011 التي عرفت انتفاضة حركة 20 فبراير، دستورا جديدا، جعل من حقوق الإنسان أحد الركائز الأساسية للدولة المغربية، ونص على المساواة بين الرجل والمرأة، وهو ما يتطلب ملاءمة جميع القوانين الوطنية مع المعاهدات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب. وكان لا بد من تعديل مدونة الأسرة لتنسجم مع المقتضيات الجديدة للدستور، الشيء الذي تأخر كثيرا.
كما قامت الدولة، يتابع التصريح، باعتماد مجموعة من القوانين ذات الصلة بالأسرة تخص النساء والأطفال منها: القانون رقم 19.12 المتعلق بالعمال والعاملات المنزليين والقانون رقم 27.14 الخاص بمكافحة الاتجار بالبشر والقانون رقم 103.13 الخاص بـمحاربة العنف ضد النساء، وإدخال عدة تعديلات على القانون الجنائي.
كما تناول النموذج التنموي الجديد وضعية المرأة، وجعل من دعم استقلالية النساء وضمان المساواة بين الجنسية والمشاركة اختيارا استراتيجيا للدولة، يلاحظ الحزب الاشتراكي الموحد.
إن السياق العام الذي يطبعه العديد من المتغيرات والتحولات، يفرض تأهيل المجتمع لرفع التحديات المستقبلية وهو ما يتطلب تغييرا شاملا وعميقا لمدونة الأسرة وملاءمتها مع الدستور ومع المعاهدات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب والمتعلقة بحقوق المرأة والطفل في شموليتها وبدون انتقائية.
إن الحزب الاشتراكي الموحد يعتبر المساواة بين الجنسين في جميع المجالات وبدون تحفظ حجر الزاوية في مشروعه الديمقراطي الاشتراكي، وأن دمقرطة وتحديث الدولة لا يمكن أن ينفصل عن مناهضة كل أشكال الإقصاء والتمييز ضد النساء على كافة المستويات حيث تجد لها امتدادات في السياسة العامة والسياسات العمومية وفي مختلف مناحي الحياة العامة. إن الاختلالات القانونية والمسطرية والمؤسساتية كرست دونية المرأة والعنف المسلط عليها، بالإضافة الى مخالفتها للدستور والمعاهدات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وعدم اعترافها بالأدوار الرئيسية والريادية للنساء في مجالات متعددة، وهي بذلك تكبح نصف طاقات المجتمع للمساهمة والانخراط الحر والمستقل والمستدام في بناء مجتمع العلم والمواطنة والتنمية الشاملة.
وقد تناولت تعديلاتنا على المدونة المواضيع التالية: الخطبة والزواج،
الأهلية والولاية والصداق، انحلال ميثاق الزوجية وآثاره، الولادة ونتائجها، النيابة الشرعية، الوصية، الميراث.
ورغم تنصيص الدستور على تشكيل مجموعة من المؤسسات الدستورية الخاصة بموضوع المرأة، لم تتم ترجمة ذلك بالطريقة التي تحقق المساواة الفعلية بين الجنسين وتنصف النساء.
وبناء عليه، فمطالب الحزب الاشتراكي الموحد هي:
- اعتبار مبدأ العدالة والمساواة بين الرجل والمرأة بوصلة أساسية في أي تعديل يطال مدونة الأسرة؛
- سمو المرجعية الدولية لحقوق الإنسان وملاءمة القوانين الوطنية معها؛
- إلغاء التمييز بين النساء والرجال، وجعل الاسرة تحت مسؤولية الزوجين؛
- المساواة بين الأطفال البيولوجيين والمتكفل بهم لحمايتهم من الهشاشة ورفع التمييز عنهم وإنصافهم؛
- اعتماد الاجتهادات الفقهية الرامية الى تحقيق العدل والمساواة والإنصاف بين الرجل والمرأة؛
- الإستفادة من الإجتهادات القضائية التي أنصفت العديد من النساء والرجال بسبب غموض بعض مواد مدونة الأسرة؛
- تقنين العرف الخاص بالكد والسعاية وجعله قاعدة قانونية لتقاسم الممتلكات بين الرجل والمرأة بعد الطلاق؛
- وضع قواعد قانونية موحدة بين مدونة الأسرة والقوانين ذات الصلة (القانون الجنائي، القانون الخاص بالعاملات و العمال المنزليين، قانون محاربة العنف ضد النساء، قانون مكافحة الاتجار بالبشر، مدونة الشغل، قوانين الحماية الاجتماعية، قانون الجنسية، مدونة التجارة...الخ)؛
- إلغاء العقوبات السالبة للحرية في ما يتعلق بالنفقة والطرد من بيت الزوجية، وتعويضها بعقوبات بديلة، وتفعيل صندوق الرعاية؛
- إدراج العقوبات الخاصة بين طرفي الزواج في مدونة الأسرة؛
والحزب الاشتراكي الموحد إذ يثمن مبادرة تعديل مدونة الأسرة، فكله أمل أن تسفر عن إقرار مدونة منصفة وعادلة تعالج الاختلالات التي كشفت عنها تجربة عشرين سنة من التطبيق، وتساهم في استقرار وتوازن الأسرة، ولا تتعارض مع القيم الكونية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والاجتهادات المستنيرة في تراثنا الإسلامي والحضاري العربي والأمازيغي والحساني.
إن إصلاح مدونة الأسرة لا ينفصل عن إصلاح جميع القوانين ذات الصلة خاصة قانون الجنسية الذي لازال لا يعطي الحق للرجل أن يتجنس بجنسية زوجته المغربية، ومدونة التجارة، كما أن هناك العديد من الممارسات التي تتعارض مع مبدإ المناصفة الذي يجب أن يشكل الطريق نحو تحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل.