مسلسل قتل النساء في تونس: التطبيع الحقيقي



إقبال الغربي
2024 / 7 / 2


شهدت تونس في الأسابيع الماضية موجة مفزعة من جرائم قتل النساء !
فرغم تصنيف تونس في مقدمة الدول التي تراعي حقوق النساء اذ تحظى المرأة التونسية بمدونة استثنائية للأحوال الشخصية كرست المساواة بين المرأة و الرجل منذ الاستقلال، فقد تضاعفت جرائم قتل النساء اربع مرات مند سنة 2018.

و تؤكد الاحصائيات الرسمية انه منذ السنة الماضية بلغت جرائم قتل النساء اكثر من ثلاثين جريمة. وقد قتلت الضحايا النسوية بنفس الطريقة الوحشية ، أي بالطعن بآلات حادة، بالذبح و الخنق و سكب المواد الحارقة و أيضا نتيجة للضرب على الرأس و الدحس بالسيارات
والجدير بالذكر ان العنف ضد المرأة تسبب السنة الماضية في وفاة 87000
امرأة في العالم
ففي تركيا مثلا و على الرغم من تحذيرات الأمم المتحدة المتكررة حول ارتفاع مستوى العنف ضد النساء ، ووصفها لأعداد الضحايا منهن بالمخيف ، لا تزال المرأة التركية تعيش تحت وطأة العنف الاسري الذي يزداد بشكل سريع في البلاد بسبب غياب العقاب.
، حيث لقيت 10 نساء مصرعهن خلال الشهر الماضي.

تقدم لنا ادبيات الأمم المتحدة الاثباتات التالية:
- جرائم قتل النساء تقع غالبا في الدائرة الخاصة و تنفذ من طرف الاقرباء فين حين ان المخيال الجمعي يتمثل مؤسسة العائلة كواحة حب و أمان تحمي المرأة و تكرمها .
- قتل النساء هي ظاهرة كونية متعالية على الثقافات و الاثنيات .
- جرائم قتل النساء ظاهرة طبقية فهي تهدد الفئات النسوية الأكثر هشاشة في المجتمع .
-ا لاحصائيات الرسمية و الأرقام المخيفة لا تمثل سوى جزءا ضئيلا من الواقع فالعديد من جرائم قتل النساء تبقى مجهولة و غير موثقة .

فما هي أسباب هذه الإبادة النسوية المخفية:
1) التوحش المجتمعي

تتميز الحقبة الرأسمالية الحالية بنكوص دولة الرفاه و بصعود الفاشيات .
فمع تراجع الإنفاق على الرعاية والضمانات الاجتماعية، وتقليص دور الحكومات في معالجة اختلالات الأسواق يتزايد التفاوت الطبقي و تفقير اغلبية الفئات الاجتماعية في المقابل، تُنمّط حياة الناس ويصبحون ببعد واحد، كما أكد ذلك الفيلسوف هربرت ماركوز. و يتم استلاب الوعي وتحفيز غرائز التملك في مجتمع غدا سوقاً كبيرة خاضع لقانون التبادل والمساومة و بالتالي تختزل الرأسمالية الحياة البشرية في بعدين وضيعيين انتاج همجي و استهلاك حيواني .
و لا تقتصر المنظومة السائدة على تفكيك و تشيء العلاقات الاجتماعية بل تنعكس أيضا على نفسية الافراد فعندما يتركز اهتمام الفرد المُتشيئ في عالم تسوده دكتاتورية البضاعة، و ينغمس في عالم الأشياء و يعيش حياة رتيبة و مضجرة ، حياة معادية للسعادة أي معادية للتنوع و التجديد الدائمين تنهار مواهبه الذهنية و ينصرف بطبيعة الحال عن العالم العقلي و الفكري و الجمالي ، فيتحول الى ضحية الميكرو فاشية.. .
يعرف المحلل النفساني ولهالم رايخ "الميكروفاشية" بكونها : "مجموع ردود الفعل الانفعالية اللاعقلانية للإنسان الوضيع المضطهد من طرف الحضارة الاستبدادية التي أعاقت حركة الحياة الطبيعية عبر مصادرها الثلاثة : الحب والعمل الخلاق والمعرفة العقلانية
و تنتج الميكرو فاشية اكثر الغرائز و الانفعالات بدائية مثل العنف و متعة التملك و التسلط ،كراهية الاخر ،السادية .هذا الرجل الذي عجز عن إشباع حاجياته و رغباته الإنسانية العميقة من حب و تواصل صحي و اعتراف و اعتبار و إبداع يعوض
جرحه النرجسي بالعنف و العدوانية . و هذا ما يؤدي الى التوحش المجتمعي !



2) التنشئة الاجتماعية السقيمة
يخترق العنف ضد النساء كل مجالات الحياة، الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية والثقافية، ولا يمكن أن يكون هذا العنف الشامل والمعمم على كل النساء نتيجة ممارسات فردية بل هو نتاج ثقافة تقليدية سائدة و مهيمنة .

تعتبر المجتمعات التقليدية ان تحرر المرأة " فتنة" تفوض مقوماتها الزراعية القائمة على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. فهو اعتداء على ملكية الزّوج مثله مثل أي اعتداء على ملكية أرضه أو قطعانه..
أما على المستوى النفسي فإصرار المرأة على استقلاليتها أي تمردها على سلطة الزّوج يعاش من طرف هذا الأخير كافتقاد لأمنه المادي والوجداني وكإنقاص من رأسماله الرّمزي أي سمعته ومكانته الاجتماعية.
و قد بينت دراسات سوسيولوجية أن الرجال عندما يبالغون في إظهار رجولتهم إنما يحاولون وهما التعويض عن عملية تغريبهم اجتماعيا و دحسهم اقتصاديا و سياسيا.
و في مجتمعاتنا التقليدية التي ترفض ان يكون الفرد مالكا لجسده و لعقله تصادر أجساد النساء و تعتمر ملكا عموميا للمجموعة فالمرأة هي رمز الامة و شرفها فهي العرض و هي الأرض .

3) غياب الثورة الفكرية
يهدد العنف حياة ملايين النساء عبر العالم رغم مصادقة الدول على العديد من الاتفاقيات، وتكييف هذه الأخيرة تشريعاتها المحلية مع مقتضيات اتفاقية القضاء على كافة أشكال الميز ضد النساء، واتخاذ العديد من الإجراءات العملية للتصدي لهذه الافة .
و تعكس هذه الفجوة بين القانون النظري والتطبيق اليومي غياب ثقافة حقوق الانسان في مجتمعاتنا و تفضح الفصام القائم بين القيم و المعايير التي نتبجح بها و الممارسات الحقيقية في الدوائر الخاصة و الحميمية .
و هذا ما لاحظناه أخيرا عندما اشتعلت وسائط التواصل الاجتماعي عندما رقصت فتاة على ركح مسرح قرطاج بينما لم تحرك ساكنا اثر مسلسل تقتيل النساء .
و هذا يعني ان الهيكلة الأبوية التيولوجية لا تزال متغلغلة في صلب النسيج الاجتماعي و الثقافي׃ في علاقة المواطن بالدولة، في علاقة الفرد بمجموعة الانتماء، في علاقة المرأة بالرجل و في علاقة الراشد بالطفل.
فالضرورة اليومي تستدعي نشر و تمرير فكر واع و هادف يكشف الهيمنات المتداخلة والمتشابكة و يفككها في المناهج المدرسية و في وسائل الاعلام الملتزمة لإعادة صياغة الوعي الجماعي .