(نظرة الرجل ... تصمم جسد المرأة)



نساء الانتفاضة
2024 / 7 / 16

هذه عبارة قالتها عالمة الاجتماع الفرنسية كريستين دتريز في احدى مؤلفاتها، وقد اختصرت واوجزت الكثير من الكلام حول واقع ما "يجب" ان تكون عليه المرأة "شكلا ومضمونا"، وهذه النظرة-الرغبة- ليست وليدة زمان او تاريخ محدد، انها تاريخ طويل من التراكمات التي "شيئت" المرأة وسلعتها.

في الواقع المعاش، نقرأ إعلانات تصدر من مكاتب او شركات او مولات او محلات لبيع العطور او صالونات تجميل او مقاه الخ.. هذه الإعلانات تطلب نساء ذات مواصفات محددة، هم لا يعلنون عن ذلك، لكن المقابلات التي تجري تكشف عن تلك الشروط؛ الكثير من تلك المواصفات لا توجد في النساء، لكن من الممكن "صناعتها"، فتضطر بعض النساء -لتلبية رغبة صاحب-ة الإعلان- لصناعة-تصميم- جسد جديد، موافق لتلك المواصفات او لبعضها، حتى تستطيع الدخول ل "سوق العمل".

"نظرة الرجل" بشكل عام لا تقتصر على "الرجل الرأسمالي" صاحب الشركات ووسائل الإنتاج، انما تسربت الى كل المجتمع، فانتشرت بين النساء ظاهرة "كره اجسادهن"، صارت تنظر الى جسدها كشكل "شاذ" او "غير ملائم"، فترسخ لدى البعض من النساء فهم ان "أجمل" الأجساد هو ذلك "المصنوع-المشيء-المزيف"، فصار "تقدير الذات" لديهن يقوم على ذلك التصميم.

على أساس هذه "النظرة-الرغبة" للرجل، قامت "شركات ومصانع التجميل"، انتشرت العيادات والبيوت التي تجري عمليات "صنع أجساد النساء"، فرغم انه لا توجد إحصائية رسمية بعدد العيادات والمراكز، بسبب الزيادة المتسارعة بإنشاء هذه العيادات والمراكز، بل ان الشرطة قامت بمداهمة بعض البيوت السكنية في عدد من مناطق بغداد، تجري فيها عمليات "تجميل".

"نظرة الرجل" ليست ثابتة او جامدة، انها أيضا تشهد تقلبات "شبقية"، فقد كان يثيره في يوم ما، وفي بدايات القرن العشرين "احمر الشفاه"، او رأى في المرأة النحيفة الشكل المثير لرغبته، ثم انتقل الى المرأة الممتلئة؛ وهكذا توالت انتقالات "نظرة-رغبة" الرجل بين فترة وأخرى من شكل جسد الى شكل جسد آخر، والمرأة في كل ذلك تلبي تلك "النظرة-الرغبة-التصميم".

لن تتوقف عملية "تصميم جسد المرأة" الا بتوقف انتقادها لجسدها، وذلك لا يكون الا بإيقاف عمليات "تسليعها" من قبل النظام الرأسمالي القائم على المفاهيم الذكورية، تكتب كارول كونيهان في نهاية كتابها "أنثروبولوجيا الطعام والجسد" ما يلي:

"نحن نتمكن من أن نعيش من خلال اجسادنا ونتجاوز قهرنا وتشيؤنا، اللذين أقامت الثقافة الابوية الرأسمالية مؤسساتهما، وهي الثقافة التي تستفيد من تدني منزلتنا، او قد نستخدم اجسادنا للتعبير عن قوتنا، وفرديتنا، وقدراتنا الإبداعية..... وإذا أردنا ان نفعل ذلك يجب علينا ان نستمر في نقد وتحدي الممارسات والايديولوجيات التي تحط من قدرنا وتسلبنا قدرتنا الذاتية على الفعل".

طارق فتحي