العراقيات وعزلة يرغبن بها



وسن خليل محمد
2024 / 8 / 1

في الوقت الذي تصارع فيه النساء بنبذ التوجهات الذكورية المجتمعية واحتلالهم المساحات على جميع الاصعدة, ومع كل المحاولات لتجميع الجهود في بناء جدار الحماية الذاتية ووضع اطر الدفاع عن الرأي الانثوي من خلال منظمات ومؤسسات مستقلة او ذات دعم حكومي تدعم المرأة تحت مصطلح (التمكين), التمكين من المشاركة في فرض الوجود وخلق شخصيات قادرة على الخوض في المجالات الحياتية المختلفة والواسعة المدى والصدى, لا زالت المرأة العراقية غائبة عن التواجد, وبعبارة اخرى, هي غائبة عن ارض الواقع الفعلي, هي تشارك نفسها الافكاروالحلم باختفاء معاناة الانحياز نحو الحائط وتجنب ملاقاة نقطة الصد المجتمعي, في الوقت ذاته هي لاتبذل ادنى جهد كي تنطق بفكرة واحدة تجاه معاناتها, وان حاولت, لن تبلغ الحد العام لتكتمل مسيرة ابداء الرأي في مجموعات مغلقة على مواقع التواصل الاجتماعي, حيث ان طرح الرأي على الصفحات الشخصية لازال في طور النمو البطئ جدا, ان لم يمحى قبل ان يبلغ النمو,بالاحاطة انني وفي هذا المقال لن ابتعد عن ارض الواقع بأقل المسافات, حيث تخشى النساء في العراق الاباحة في كتابة اسمها الصريح ووضع صورتها الشخصية خوفا من عبارات يتلقفها الرجال في ادراج الرسائل الخاصة, (المسجات) بمصطلح الميديا, اضافة القيد الاساسي (العائلة) ونوعية التعتيم السائد في البيوت العراقية, والحديث المدجج بعبارات الخشية والعيب والحرام والمثالية الانثوية.
تمكين بلا امكانية
تُعرض على مواقع التواصل الاجتماعي العشرات من المؤتمرات والندوات والورش عن تمكين المرأة وتوجه الدعوات للمشاركة فيها تبدأ بدعوات خاصة لشخصيات نسائية نافذة في المجتمع, تليها الدعوة العامة للنساء الراغبات بالتمكين ولكن, من النادر ان اجد تمكينا موجه, هل هو تمكين اقتصادي ام مجتمعي ام يجمع الاثنين؟ بأعتبار ان التمكين السياسي لن يجلب عدد مشاركات يفي حق اجور التصوير الفوتوغرافي للموضوع, تتحاشى العراقيات السياسة, عالم الغيب هذا والخطر والخط الاحمر! ابراهيم (26 عاما) من محافظة البصرة, محافظة تمتلك عددا كافيا من النساء ليكون لهن رأي محترم وليشكل نوعية من الاتجاه الواضح المعالم على اقل تقدير, يصف تغييب المرأة لنفسها بأنها تبحث عن الاستفادة النوعية على حد تعبيره, البحث عن عمل ربما او العائد المادي الذي يستحق الانشغال به عوضا عن الانشغال بالرأي العام! ماعداه لن يحرك فيها دافع المشاركة والتمكين مجتمعيا.
على سبيل الصدفة حضرت شخصيا لورش الكترونية اقامتها غرفة تجارة بغداد بتمويل ومشاركة البنك الدولي محورها التمكين المادي! على مدى ايام وانا استمع للقائمات على الورش, والسؤال المستفز يراودني, ما معنى تمكين المراة والمراة المشاركة في الورشة تسأل عن معنى كلمة جيميل ورابط مشاركة! اشترك في هذه الورشة نحو 100 امرأة من اغلب المحافظات العراقية, لم تفلح واحدة منهم في طرح سؤال عن جدوى الورشة, بل اشتركن في سؤال واحد (كم سيدفع لنا لقاء المشاركة؟)
المجموعات الخاصة (الكروبات)
تمتنع النسوة العراقيات عن كتابة رأي او موضوع على صفحاتهن الشخصية في مواقع التواصل, بل تعدى الامر لتمنعها عن كتابة تعليق على منشور! لايحرك الكيبورد نحوها اي مشاعر, حتى ان كان المنشور عن مطربها المفضل! هي تفضل المجموعات النسائية الخاصة (كروبات الفيس بوك), تٌغريها العتمة والخصوصية, هي بذلك تتجنب الرفض ان قابلها في التعليق العام, او من الممكن انها تحفظ كرامتها ان توجب التعليق ردا يستوجب طرح معلومات اكثر تغيب عنها, فاتن من محافظة نينوى (24 عاما) تصف الجو العام للمحافظة بالمغلق والمحافظ, لذلك تعتقد بأن التغييب الارادي للمرأة بالخشية من الحكم عليها وهي تطرح وجهة نظرها حول حادثة ما, (حسب قولها) هي تلاقي الرفض والاستغراب من قبل العاملين في المكان الذي تعمل فيه ان اجهرت برأيها حول حادثة ما مجتمعية ام سياسية ام محلية جدا, بذلك هي تبرر لهن اللجوء للمجموعات الخاصة, حيث لا رقيب ولا رهيب, مروة (33 عاما) من محافظة الناصرية ترى بأن اكبر عائق تواجهه المرأة هو استهزاء الاقارب, الاعين الجاحظة وهي تراقب التعليق والاشارة وطرح رأي ما, الرعب من لقطة شاشة تتشارك مع باقي الاعين! تشترك فاتن ومروة في تفصيلة مختلفة كليا عن ما تم ذكره اعلاه من خلال الاختلاط بباقي النساء والاستماع لاحاديثهن, يشتركن في تفصيلة ان المراة تفضل الاحتفاظ بصورتها الانثوية على ان تٌتهم بتهكم ذكوري بالقوة والذكاء والثقافة البالغة, ذلك ان العثور على شريك مثالي افضل من رأي على منشورعام في صفحات التواصل الاجتماعي.. لعلها فكرة نمطية لكنها سياق طبيعي جدا بلا مبالغة.
بالمقابل نسب صفرية
الاحظ بتتابع مستمر الكمية العددية الهائلة للمشاركة الشبابية العامة على مواقع التواصل الاجتماعي, وتحديدا في متابعة الاحداث الجارية, رياضيا فنيا سياسيا.. الخ, مقابل اختفاء نسبي للمشاركات النسائية, مما لواجرينا استطلاعا ستكون النسبة ضئيلة بل صفرية وغير متكافئة, ترتفع النسبة تلقائيا في المجموعات الخاصة والمغلقة, حيدر (32 عاما) من بغداد , وهو شاب متفاعل باستمرار في مواقع التواصل وموظف في احدى دوائر الدولة, ان الحاجة مهمة جدا لوجود نساء قادرات على طرح افكارا من وجه نظرهن فيما يخص قضايا مجتمعية, يستغرب من صمتهن وهو يعي تماما من خلال متابعته بأنهن متفاعلات في مواضع تخص الانثى فقط (تجميل, بيجات, متابعة بلوكرات), اما حيدر حمادي (23 عاما), ينتقد الغياب والصمت النسائي ويعود بذاكرته للبيت الذي عاش فيها بدءا من والدته مرورا بنساء عايشوا سنوات نشأته, يصف الحالة قائلا, ان هناك عائق نفسي تعيشه المرأة تجاه التحديث, تحديث عقلها, تحديث خطابها, تجديد افكارها بما يتماشى مع التطور الزمني ويتساءل بتعجب, لما تكتم النسوة صوتهن وهن قادرات على الحديث حتى ولو ضمن الامكانيات المتاحة!



عبد الله (صاحب محتوى رياضي) يروي تجربة لفتاة حاولت الخوض في مجال الرياضة, كانت نهايتها بأن انهت محتواها وطمرت موهبتها تحت الحكم العام لتعليقات الشباب (انتِ شعرفج بالطوبة), لتستمر سلسلة التغييب القسري ليتحول فيما بعد الى تغيبا اراديا.

السهولة ابلغ من المعرفة
هكذا وبكل بساطة استطعن النساء فتح قوس الاختفاء الاارادي والدخول في منطق الحذر اولى من الاتهام وغلق الطرف الاخر من القوس, متناسية ان المرأة التي تقرا عنها وتتخذها كمثال لم تجعل منها حرة الكلمة والرأي والطموح وان من تقرأ اسمها على صفحات الكتب لم تخجل من قول كلمة حق لتشعر بذاتها اولا وانسانيتها قبل كل شئ, وان الجدات لازلن حكيمات وهن اميات يجهلن القراءة والكتابة لكن الوعي كان مصاحب لهن بقضايا الواقع المحيط بهن, حتى فرضن الحكمة بأقوالهن, استذكر قول احدى الجدات التي رافقتهن في طفولتي حين قالت لي "صيري قوية بيبي تعلمي لا تخافين" .