ترند -الخلود-



نور فهمي
2024 / 8 / 2

نشر خبر عن ضبط إحدى المشاهير، وهى تمارس الجنس فى غرفة نومها الخاصة، ولينك مرفق، لتحميل الفيديو!!
هذا ما فعلته إحدى الفتيات الفقيرات فى مذيعة مشهورة، لتربح بعض الأموال من بضغ نقرات على زر!!
يقوم بها من يتلذذ بفضائح الآخرين، وتتسمم أخلاقه بمصائبهم!
ارتكبت حماقات، وشنت حملة ضد الإعلامية المعروفة، على مواقع التواصل الاجتماعى، تطالب بفصلها من القناة، بجانب التشهير بها والطعن فى خلقها وسلوكها!
هذه المذيعة المشهورة لديها ابنتان!! تصور شعور كل واحدة فيهن، ونفسيتها، وهن يتصفحن مواقع التواصل الاجتماعى، وتتكشف لهن كم البذاءات التى يتحدث بها الناس عن والدتهن، ويطعنون فى شرفها علنا!!
ناهيك عن زملائهن فى المدرسة، فقد بدأن فى معايرتهن بلون الملابس الداخلية لأمهن!
فهذا الذى نشر الفيديو لم يتسبب فقط فى تدمير إنسانة بل أسرة بأكملها، ستنشأ على كراهية هذا المجتمع ومعاداته!
واتحدى كل من يقرأ كلماتى الآن بأنه بدأ يشغل عقله بهوية تلك المذيعة، بل وورد على خاطره أيضا بعض الأسماء المعروفة!
وربما يذهب البعض الآخر للبحث عن تلك الفضيحة على جوجل أو اليوتيوب!!

مجرد تجارة رابحة فى مجتمع فاسد، مزدوج المعايير..
مجتمع منافق كبرى تجارته " صناعة الفضيحة، والترويج لها!
وهنا اتساءل: هل غرفة النوم_الملكية الخاصة للإنسان_، تحولت بين ليلة وضحاها إلى "ملكية عامة"؟؟
وإذا كان جوابك "لا"، فكيف تسمح لنفسك بأن ترى فضيحة إنسان وتدخل غرفته رغما عنه، وترى ما يكره أن تراه وتسمعه!!
يقول البعض أحيانا، كل ما يخجل المرء، ويخاف أن يطلع عليه الناس "خطيئة" ،
وسأناقشه بنفس منطقه الساذج:
ألا تخجل من أن يراك الناس تتبول؟!
_نعم
وهل التبول حرام أو عيب؟!
_لا
هل تخجل من أن يراك أحد تمارس الجنس مع زوجتك؟؟
_نعم بالطبع
وهل ممارسة الجنس مع الزوجة حرام أو عيب؟!
_لا
هل تخجل من أن يراك أحد تستحم؟
_بالتأكيد
وهل الاستحمام حرام أو عيب؟!
_لا

ملايين من الأسئلة تبدأ ب"هل"!
وتنتهى بلماذا!! وكيف!!
فلماذا يسمح المرء لنفسه، بالاطلاع على خصوصية أخيه، ثم التنمر عليه وسبه والطعن فى شرفه وأخلاقه؟!
كيف ينقر على رابط كتب عليه" فضيحة فلان؟!"
ألا تعد هذه وحدها جريمة تستحق العقاب من "الإله"!
ألا تعد انتهاك خصوصية الإنسان مفسدة؟!
ألا تعد من المحرمات؟!
هل يبيحها الدين الإسلامى أو المسيحى أو اليهودى أو أى دين؟!
هل تبيحها أدنى معايير الأخلاق والإنسانية؟!
الغريب أن من ينعتون هؤلاء بالانحلال، وانعدام الشرف، يحللون لأنفسهم مشاهدة "فيديو جنسى"..يحللون انتهاك الحرمات، وأجساد الغرباء العراة!!
وربما يتلذذون بإعادة مشاهدة الفيديو مرات ومرات!!
ثم يشاركون بتعليق "مجتمع منحل!!
ويقيمون قيامة الدنيا، ويشنون هجوما على أصحاب الفضيحة _أعداء الدين والفضيلة_
ترى من هو عدو الدين؟!
الفاعل أم المفعول به؟!
الجانى أم المجنى عليه؟!
أغلب من يدافعون عن الدين بإسم الدين، هم فى الأصل
"ألد أعدائه" ومن بسببهم يخرح الناس من ملتهم أفواجا أفواجا!!
كل من يحض على المنع والقتل و التشهير والمعاداة "بإسم الدين"،
ليس فقط عدوا للدين؛ بل عدوا لدودا للإله نفسه!!
تخيل (ابليس) وهو يدافع عن الأخلاق والعفة والشرف!!
شئ مضحك ومثير للغثيان والقرف!!
من يتلذذ بمصائب الآخرين، ويريد أن يبرر لنفسه الفشل والخمول والاتكال، سيهلل فرحا بهده الفضائح، مدعيا بأن الناجحين، فاسدين قيميا وأخلاقيا..
حيلة نفسية دفاعية بالطبع!
وقبل أن تذهب لتبحث عن الفضيحة ..دعنى أخبرك بأن هذه المذيعة مجرد "بطلة" لمسلسل تركى يدعى(الطموح الأعمى)
هذا العمل لا يحاكى واقعنا فى المجتمعات الشرقية فقط، بل يحلله نفسيا وفلسفيا..
يحلل أهواء الناس وأطماعهم،
فكيف يمكن لفتاة تشعر دائما بالتجاهل والنكران أن تدمر حياة إنسانة بهذه الوحشية..
فتاة فقيرة ..لا يفقه أهلها عن المرأة سوى زواجها وإنجابها وخدمتها فى البيوت!
تتأثر هذه الصغيرة، بمذيعة مشهورة ومحبوبة وتتابع برنامجها بشغف، حتى تتمكن من الوصول إلى القناة التى تعمل فيها بالغش وتبدأ بالتدريب.
الملفت أنها لا تفعل أى نشاط صحافى أو إعلامى..بل مهمتها الأولى أن تفسد علاقات الآخرين ببعضهم البعض، عن طريق الوشاية، وتساعد على طرد أغلبهم حتى تتمكن من أن تحصل على وظيفة ثابتة فى القناة،
تشعر بأنها "نكرة" أمام مثلها الأعلى، لا يراها أحد ولا يلتفت إليها..
وكانت تعلق بينها وبين نفسها بأنه لو سقط قلما من هذه الإعلامية المشهورة، سيتسابق الجالسين فى إحضاره لها فورا؛ لأنها مهمة!
أما لو التقطت هى أنفاسها الأخيرة فلن يلتفت إليها أحد!!
"عقدة أزلية" لديها، فتقارن بين حياتها ومجتمعها ومحيطها، وبين هذا المجتمع الارستقراطى الذى تتمنى أن تكون واحدة من أفراده!!
وعند فشلها فى الوصول، وخوفها من الطرد، تقرر أن تشن هجوما وإدعاءات ضد المذيعة عبر حسابات مزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة (تويتر)، فيتداولها العامة ويشاركون كلماتها، ويزيد عدد المتابعين والمؤيدين!!
استخدم المسلسل التعبير الدارج (مثلما يطير الغراب!)
"Kuş uçuşu: as the crow flies"
كما ترجمت بالانجليزية على منصة (نتفليكس)
وهو تعبير دارج يدل على الطريق المستقيم والسريع فى الوصول!
وترجمتها الأدبية أو الدرامية:
(الطموح الأعمى)
فقد استخدمت البطلة الشابة؛ أحقر الطرق وأشدها قذارة وسفالة، ولكنها فى الوقت ذاته، الأقصر والأسرع وصولا على الإطلاق!!
فى مجتمع يتغذى على النفاق وكراهية الآخرين وازدواجية المعايير؛ سيشتهر التافه وتنتشر فيه الفضائح بسرعة البرق، فتسود الكراهية محيطه، ويصبح بذلك أساس الوصول : عدائية وبغض وفساد ووقيعة!!
وأساس النجاح والشهرة السريعة فى مجتمع منحط هى ثلاثية معروفة ومضمونة: التفاهة+الفساد+الفضيحة!
ثم جملة:
"مبارك..تم ترقيتك"!!
الإعلامية التى احترمت مهنتها وقيمها، ظلت تكافح على مر السنين، وكانت معرضة لأن تفقد حياتها فى (افغانسان) لتغطية حدث مهم؛ فهى مخلصة لعملها..مجتهدة.. دؤوبة..تحرص على إيصال الحقيقة للناس كما هى"مجردة".
حققت نجاحا مدويا ..وأحبها الناس فى المقابل، ووثقوا فى نواياها وقدراتها الاحترافية!
أما هذه الصغيرة التافهة؛ فوصلت سريعا بدناءة وسوء أخلاقها.. ولكنها سقطت سريعا مثلما يسقط "الغراب"!!
وفى أحد المواجهات اللافتة بينهما
حاولت إغاظة الإعلامية المشهورة بتساؤل ساخر:
"هل قرأت التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعى؟!
_كانت تشير إلى الإهانات الموجهة لها عبر تويتر_
لتخبرها المذيعة المشهورة بمنتهى الحكمة والثبات الانفعالى:
"لا يقول الناس دوما ما يشعرون به، أو يفكرون فيه حقا..
︎إنهم يقولون ما "يريدون" قوله، ووسائل التواصل الاجتماعى، ليست "استثناء".
مما يعنى أن ما يقال وينتشر لا يدل بالضرورة على مكنون صاحبه وما يدور بعقله،
بل ما يريد أن "يظهره" للناس ..
ومثما يقول (جبران خليل جبران):

"ليست حقيقة الانسان بما يظهره لك , بل بما لا يستطيع أن يظهره لك , لذلك إذا أردت أن تعرفه.. فلا تصغ إلى ما يقوله بل إلى ما لايقوله"


فمن الجائز أن يتحرق أحدهم شوقا للوصول إلى ما وصل إليه غيره، ولكنه يعلق مستهينا بهدفه ومدعيا سذاجته وتفاهته!
مثلما يفشل أحد الرجال فى الوصول إلى فتاة يريدها..وعندما ترفضه..يتنمر عليها أو يتهمها بسوء السلوك والسمعة!!
وأنت أيضا يمكن أن تحقق أعلى نسب مشاهدة لفيديو "تافه"، ينشر فضيحة فلان..أو علان..أو يتنمر بأريحية على خلق الله، سينتشر سريعا، ويحقق لك بعض الأرباح ثم سرعان ما يسقط وتسقط معه ..كالغراب!!
فلا تخدعنك أبدا عدد المشاهدات وحجم اللايكات والشير، لعنصر تافه، أو محتوى رث فاسد..لأنه سينتهى سريعا ويلقى به الناس فى مهملات الذاكرة ..سيتلاشى وكأنه لم يكن!
وسيبقى كل صالح نافع قيم للناس ما بقى من الزمان!
سيخلد اسمه التاريح والأزمان..وستحتذى به أجيال قادمة
وتحيا ذكراه فى عقول وقلوب العقلاء من بعده!
سيحقق ببطء وثبات (ترند) لا يصنعه سوى النادرين الملهمين على مر التاريخ
ترند اسمه "مجهول" لأصحاب وصاحبات المحتوى البذئ الرث؛
ووصفه "معلوم" لذوى القدرات الخاصة والإمكانيات الاستثنائية والنوايا الصادقة
ترند يدعى:
"ترند الخلود"