حرّاس السر!!



عبله عبدالرحمن
2024 / 8 / 8

حين ترددنا بين ان نسأل او لا نسأل فقدنا اثر الرواية وحقنا بالمعرفة، وبقي حالنا على ما هو عليه لا نعرف من الحقيقة الا عنوانها او ما هو مسكوت عنه. ولكن ما دمنا اعضاء فاعلين في ما يخفى علينا، سيبقى ما غاب عنا ارث يطاردنا. ما كان يضير اهلنا لو انهم قالوا الحقيقة كما هي دون اي احساس بالخوف من ان يعرف الجميع ما نخفي عنهم وهم يشاطروننا السر ويعرفون بالقدر الذي نعرفه. بمرور الوقت نكون قد تعبنا واضعنا سبب واهمية السر مع من ذهبوا. لكننا نصاب بالحيرة حين يأتي من يسأل ويذكرك بما نسيت، تعيد المشهد بينك وبين نفسك وتتذكر حراس السر ولماذا انكروا الحقيقة مع ان معظم المحيطين يعرفون بها. ما اقوله الان قد لا يكون مقبولا ولكن لحظة الحقيقة لا ابد ان تأتي فبدلا من الاجابة عنها باستحياء اقولها بالعلن نعم كانت جدتي درزية!. اضحك الان وانا ارى خالي مصدوما وهو يستمع لما اقوله تأكيدا لما سمعه من احدهم من ان جدتي كانت من الطائفة الدرزية. الموقف السياسي لابد ان يدخل في حياتنا العادية ربما عملية الهجوم الصاروخي على مجدل شمس والتي يعيش فيها عرب دروز في الجولان السوري احيا سر جدتي وطائفتها واعاد سيرتها الى الحياة من بعد الموت. وبما ان جدتي قد عادت للحياة فأنني اتذكرها بما سمعته عنها وبما رسخ في ذاكرة الطفولة، كانت جدتي مشهورة بوسواس النظافة اذ لا يمكن لاحد ان يدخل غرفتها الا وهي متأكدة من ملابسه واطرافه العلوية والسفلية نظيفة تماما، على ان يكون الدخول والخروج بإذن منها، اتذكر هندامها النظيف وخرقة الرأس البيضاء وتحت منها قمطة ملونة يغلب عليها اللون الاخضر. دوما استعيد صوت ملاعقنا نحن الاحفاد داخل صينية الومنيوم دائرية مليئة بشوربة العدس وهي تشرف على سكب العدس حتى يبقى المزيج بالطعم الذي ترضى عنه حتى اخر لقمة بالصينية. وفي موسم البطيخ لا انسى جملتها بيضو! تقصد ان لا نترك حز البطيخ الا وقد وصلنا الى بياضه. لم يكن هناك تواصل بين جدتي وطائفتها ولا ادري من المسؤول عن تلك القطيعة، اكان منها او من طائفتها. ما اعرفه انها تزوجت بعمر صغير، كما هو حال معظم النساء في ذلك الوقت حقوقهن كانت في ما يفرض عليهن داخل بيوت ازواجهن بعيدا عن اسرهن بالنسب اذ تمشي امورهن بحال من لا حول له ولا قوة. الحقيقة حين نستعيد حياة الجدات نصاب بالدهشة من قوة ما صنعن وتحملن وصبرن، وتجاوزن ظروفا قاسية، بخيار وحيد: اما بيتهن او قبرهن. لذلك سمحن لطفرة المرح ان تسكن وجوههن من اجل اولادهن واحفادهن فيما بعد.
لا ادري ماذا سيكون رأي حراس السر الان وقد مات الواحد منهم تلو الاخر وهم يظنون ان سرهم في بئر والحقيقة غير ذلك تماما. اكتب عن جدتي اخلاصا لتاريخها وثناء على صنيعها واجلالا لذكراها. ورحم الله شهداء مجدل شمس وشهداء غزة وفلسطين وجنوب لبنان، شهداء الطوفان: ذلك الطوفان الذي كان طوفانا طهرنا من شرور انفسنا.