زواج القاصرات في القانون العراقي: خرق لحقوق المرأة بتشجيع من الأحزاب الإسلامية



مصطفى جمال علي
2024 / 8 / 12

مقدمة

زواج القاصرات قضية معقدة في العراق تعكس صراعات ثقافية وقانونية بين حقوق الإنسان والتقاليد الدينية والاجتماعية. على الرغم من أن الدستور العراقي يكفل حقوق المرأة ويحظر جميع أشكال التمييز، إلا أن زواج القاصرات يظل أحد أبرز الانتهاكات التي تتعرض لها الفتيات، وغالباً ما يتم تبريره أو حتى تشجيعه من قبل بعض الأحزاب الإسلامية. هذا الزواج لا ينتهك حقوق الفتيات في النمو والتعليم فحسب، بل يعكس أيضًا استغلالًا سياسيًا واجتماعيًا من قبل القوى التي تسعى إلى فرض رؤى دينية على حساب حقوق المرأة.

السياق القانوني لزواج القاصرات في العراق

القانون العراقي، من خلال قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، يحدد سن الزواج عند 18 عامًا، لكنه يحتوي على استثناءات تسمح بتزويج الفتيات اللاتي يبلغن 15 عامًا بموافقة ولي الأمر والقاضي. هذه الثغرة القانونية تُستغل بشكل واسع في المجتمعات التقليدية، حيث يفضل البعض تزويج بناتهم في سن مبكرة. المشكلة تتفاقم عندما تتحول هذه الاستثناءات إلى قاعدة بفضل تأثير الأحزاب الإسلامية التي تدفع باتجاه إعادة تفسير القوانين بما يتماشى مع رؤيتها الدينية.

خرق حقوق المرأة من قبل الأحزاب الإسلامية

تلعب الأحزاب الإسلامية دورًا محوريًا في دعم وترويج زواج القاصرات في العراق، حيث تسعى هذه الأحزاب إلى تعزيز القوانين التي تعكس رؤيتها الدينية. في كثير من الأحيان، تُستغل المنابر السياسية والدينية لتبرير زواج الفتيات القاصرات، مستندة إلى تفسير خاص للشريعة الإسلامية. هذا التدخل المباشر في تشريع القوانين يشكل تحديًا كبيرًا للجهود الرامية إلى حماية حقوق المرأة، ويضعف من قدرة الدولة على تنفيذ الالتزامات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

هذه الأحزاب غالبًا ما ترفض المبادرات التي تسعى إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية لإلغاء الاستثناءات المتعلقة بزواج القاصرات. بحجة الحفاظ على "القيم الدينية والتقاليد"، يتم تجاهل الحقوق الأساسية للفتيات في التعليم والنمو السليم، وهو ما يتعارض مع الدستور العراقي نفسه، الذي يضمن المساواة ويحظر التمييز ضد المرأة.

الانتهاكات الحقوقية الناتجة عن زواج القاصرات

زواج القاصرات يشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، حيث يحرم الفتيات من حقوقهن الأساسية في التعليم والصحة والنمو النفسي والجسدي. الفتيات اللاتي يُجبرن على الزواج في سن مبكرة يواجهن تحديات عديدة، منها العنف الأسري، والحرمان من التعليم، وصعوبات صحية مرتبطة بالحمل المبكر. هذا الزواج لا يؤثر فقط على الفتيات أنفسهن، بل يمتد تأثيره إلى المجتمع ككل، حيث يعزز دورة الفقر والجهل، ويحد من فرص التنمية.

من منظور حقوق الإنسان، يُعتبر زواج القاصرات انتهاكًا للعديد من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها العراق، مثل اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW). هذه الاتفاقيات تدعو إلى حماية الفتيات من الزواج المبكر وتؤكد على حقهن في التعليم والحماية من العنف. ومع ذلك، فإن الأحزاب الإسلامية التي تهيمن على السياسة العراقية غالبًا ما تتجاهل هذه الالتزامات، مفضلة الحفاظ على سلطتها وتأثيرها الاجتماعي.
التأثيرات الاجتماعية والثقافية

زواج القاصرات لا يعزز فقط من الفقر والجهل، بل يساهم أيضًا في تقويض مكانة المرأة في المجتمع. الفتيات اللواتي يتزوجن في سن مبكرة يفقدن الفرصة لبناء مستقبل مستقل ويصبحن معتمدات على أزواجهن اقتصاديًا واجتماعيًا. هذا الاعتماد يعزز من قوة السيطرة الذكورية ويجعل من الصعب على النساء المطالبة بحقوقهن أو تحسين أوضاعهن المعيشية.

في المجتمعات الريفية والمحافظات التي تسيطر عليها الأحزاب الإسلامية، يُنظر إلى زواج القاصرات كأمر عادي بل وحتى مرغوب فيه. الفقر والجهل يلعبان دورًا كبيرًا في دفع العائلات إلى تزويج بناتهن في سن مبكرة، حيث يُعتبر الزواج وسيلة لتخفيف العبء الاقتصادي عن الأسرة. هذا الوضع يتفاقم بسبب غياب الوعي بحقوق المرأة والتفسيرات الدينية المتشددة التي تروج لها الأحزاب الإسلامية.

الأطر القانونية الدولية والتزامات العراق

على الرغم من أن العراق قد صادق على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى حماية حقوق الطفل ومنع زواج القاصرات، إلا أن هذه الالتزامات غالبًا ما تُهمل أو تُعارض من قبل القوى السياسية والدينية. اتفاقية حقوق الطفل، التي تنص على أن سن الثامنة عشرة هو الحد الأدنى للزواج، تُعتبر من بين أهم الاتفاقيات التي التزم بها العراق، إلا أن التطبيق الفعلي لهذه الاتفاقية على المستوى الوطني يواجه عراقيل كبيرة.

الأحزاب الإسلامية في العراق غالبًا ما تعارض محاولات تعديل القوانين المحلية لتتوافق مع المعايير الدولية. هذه المعارضة ليست فقط دينية بل أيضًا سياسية، حيث تعتبر هذه الأحزاب أن أي تعديل في قوانين الأحوال الشخصية يشكل تهديدًا لنفوذها وتأثيرها الاجتماعي. بالتالي، تبقى الفتيات القاصرات ضحايا لهذا الصراع بين حقوق الإنسان والتفسيرات الدينية والسياسية.

الحلول المقترحة

لحل مشكلة زواج القاصرات في العراق، يجب اتخاذ خطوات جريئة على المستوى القانوني والاجتماعي. أولاً، يجب تعديل قانون الأحوال الشخصية لإلغاء جميع الاستثناءات التي تسمح بزواج الفتيات دون سن 18 عامًا. هذا التعديل يجب أن يكون مدعومًا بحملة توعية وطنية تهدف إلى تغيير العقليات التقليدية وتعزيز فهم أضرار زواج القاصرات.

ثانيًا، يجب على الحكومة العراقية تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية والمحلية التي تعمل على حماية حقوق المرأة. هذا التعاون يمكن أن يسهم في تقديم دعم اقتصادي واجتماعي للأسر الفقيرة، مما يحد من اللجوء إلى تزويج بناتهن في سن مبكرة. كما يجب تعزيز برامج التعليم للفتيات وتقديم حوافز للعائلات التي تحافظ على بناتهن في المدارس.

أخيرًا، يجب أن يكون هناك موقف حازم من المجتمع الدولي تجاه الأحزاب الإسلامية التي تعرقل جهود حماية حقوق المرأة. الضغط الدولي يمكن أن يسهم في دفع هذه الأحزاب إلى تغيير مواقفها أو على الأقل تقليل تأثيرها على التشريعات المتعلقة بحقوق المرأة.

خلاصة

زواج القاصرات في العراق هو انتهاك واضح لحقوق المرأة، يتم تبريره وتشجيعه من قبل الأحزاب الإسلامية التي تسعى إلى فرض رؤى دينية على حساب حقوق الإنسان. هذه الممارسة لا تؤدي فقط إلى حرمان الفتيات من حقوقهن الأساسية، بل تعزز أيضًا من دورة الفقر والجهل في المجتمع. لمعالجة هذه المشكلة، يجب اتخاذ خطوات قانونية واجتماعية فعالة لحماية حقوق الفتيات وتعزيز وعي المجتمع بأضرار زواج القاصرات. إن تحقيق هذا الهدف يتطلب جهودًا مشتركة من الحكومة والمجتمع الدولي والمنظمات غير الحكومية، إلى جانب مواجهة التأثير السلبي للأحزاب الإسلامية على حقوق المرأة في العراق.

### المصادر:

1. [قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لعام 1959](https://www.iraq-lg-law.org/ar/webcenter/portal/iraq/page30455/page31733/page31745) - موقع التشريعات العراقية.
2. [اتفاقية حقوق الطفل](https://www.unicef.org/arabic/crc) - الموقع الرسمي لليونيسف.
3. [اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)](https://www.un.org/womenwatch/daw/cedaw/) - الأمم المتحدة.
4. تقارير منظمات حقوق الإنسان مثل [هيومن رايتس ووتش](https://www.hrw.org/ar) و[منظمة العفو الدولية](https://www.amnesty.org/ar/).