نَظْرة ذُكورية



عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
2024 / 8 / 29

وفق هذه النظرة، يتم تحميل المرأة المسؤولية عن غواية الرجل والتسبب في طرده من الفردوس الأعلى. وبالتالي، حُكم عليه وعليها وذريتهما إلى يوم الدين حياة المعاناة والشقاء في الدرك الأسفل، على الأرض الدنيا. أكثر من ذلك، أصبحت المرأة مرادفاً للدَنس والنجاسة التي تَنقُض الوضوء وتستوجب الاغتسال والتطهر بمجرد ملامستها. كان، ولا يزال، لهذه النظرة السائدة تجاه المرأة مضامين ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية في منتهى العمق والخطورة، تصب في مجملها في مصلحة الرجل ضد المرأة. حتى أمد ليس ببعيد، كانت هذه النظرة لا تزال السائدة والحاكمة في كل الدنيا. لكن قبل عدة مئات من السنين، بدأت قوتها تنحسر وتتراجع في أغلب بقاع الأرض باستثناء الناطقة بالعربية منها، حتى كادت تَبلغ الإنصاف والمساواة التامة بين الجنسين في عدد غير قليل من البلدان المتقدمة والنامية.

كيف مَلكت المرأة بزمام رُشْد الرجل إلى حد أن سحرته بهذا الشكل وتسببت في طرده من الجنة؟

بجسدها. نعم، جسدها. جسد المرأة فتنة، ليس فقط عورة ينبغي سترها.

في أي جزء بالتحديد من هذا الجسد تختبئ الفتنة؟

كُله. جسد المرأة كُله مثير للغريزة والفتنة. ليس فقط الساقين، الفخذين، المؤخرة أو الصدرين بل حتى أصابع القدمين واليدين وشعر الرأس. كله، كله عدا- ربما؟!- العينين.

من تكون هذه المرأة على وجه التحديد؟ أليست الأم، الابنة، الخالة، العمة، الجدة إناث أيضاً؟ هل لا تزال تشملهن الغواية كذلك؟

بالتأكيد غوايتهن ليست من نصيبك. لكنها بلا شك من نصيب رجل آخر، مثل أبوك تجاه أمك، وابنتك حين تبلغ تجاه ابن الحلال المنتظر، وكذلك الحال مع خالتك وعمتك وجدتك كل واحدة منهن قد أنفقت غوايتها في محلها وزمانها المناسب. في جميع الأحوال، الغواية كامنة في جسد الأنثى حتى وهي لا تزال في رحم أمها، في انتظار الزمان والمكان المناسبين حتى تنمو وتنضج غوايتها إلى أشدها. ثم تعاود الانزواء تدريجياً مع التقدم في العمر ودورة الحياة. باختصار، الأنثى لغوياً وجينياً مرادف الغواية. بل هي والغواية شيئاً واحداً والشيء نفسه.

لكن غواية لمن؟

الرجل بالتأكيد.

لماذا الرجل بالتحديد؟ لماذا لا يكون أي حيوان أو نبات أو جماد آخر؟

لأن المرأة من نوع الرجل. هي جنسه المقابل الذي بالتقائهما معاً يتحقق التكاثر وحفظ النوع وعمران الحياة.

هل أفهم من كلامك أن المرأة تقصد من وراء غوايتها للرجل بقاء النوع وحفظ الحياة والعمران؟ إذا كان، إذن المرأة تؤدي أعظم رسالة بشرية على الإطلاق. مع ذلك، دعني أسألك: ما دافع المرأة، وما تجنيه شخصياً لذاتها، من وراء غوايتها للرجل؟ لأنني لست من السذاجة لكي أصدق أن المرأة قد تكون معنية إطلاقاً بمصير البشرية وهي منشغلة بتعرية نفسها لغواية الرجل. لابد أن هناك مَغنم شخصي وآني ما يدفعها.

بالتأكيد. اللذة وإشباع شهوتها الجنسية. هذا هو المغنم الشخصي الآني، الذي تترتب عليه وتتراكم فوقه مغانم أخرى كثيرة حتى تصل دون أي قصد واعٍ منها إلى بقاء النوع والعمران.

جميل. إذن المرأة تُولد مزودة بغريزة جنسية. وعندما تنضج هذه الغريزة، تدفع المرأة حتى من دون وعي منها إلى محاولة إشباعها بطريقة أو بأخرى، تماماً مثل الجوع والعطش وغيرهما من الغرائز الطبيعية التي تدفع بصاحبها رغماً عنه إلى إشباعها وإلا فارق الحياة وهدد بقاء نوعه للخطر.

صحيح. كلامك صحيح تماماً.

إذا كان كلامي صحيح كما تقول، وأن غواية المرأة مردودة في نهاية الطريق إلى غريزة طبيعية لا ذنب لها فيها، وأن الغرض الأصيل من هذه الغريزة ومن غواية الرجل هو حفظ النوع وعمران الحياة، أين وجه الملامة على المرأة؟! هل يقع عليها حقاً، أم على من قد خلقها بهذه الطبيعة؟!

معك حق. المرأة غير ملومة في ذلك إطلاقاً. لكنها بالتأكيد ملومة في تصرفاتها الشخصية التي تُذكي من نيران هذه الغريزة الطبيعية، لتخرجها من حدود المقبول واللائق والحلال اجتماعياً إلى التبرج والشذوذ والإفساد.

معنى كلامك أن المرأة تملك المقدرة على التلاعب بالزيادة والنقصان في غريزة طبيعية ليست من صنعها، سواء التي لديها أو تلك لدى الرجل؟!

نعم. بالمظهر والايحاء اللفظي والجسدي والميوعة وغير ذلك من ألاعيب وحيل الأنثى.

ربما تكون على حق. لكن دعني أختم حديثنا الشيق بهذه الملاحظة.

- لو حُبست حريم جماعة ما كُلهن في بروج مُحصنة، لن يَعدم ذكور هذه الجماعة الوسيلة للوصول إليهن وإفراغ غرائزهم الطبيعية فيهن. وإذا لم يُفلح هؤلاء الذكور، لن تعدم هؤلاء الحريم أنفسهن الوسيلة للوصول إليهم والارتماء في أحضانهم وبين سيقانهم، ببساطة لكونهن مدفوعات بقوة الغريزة الطبيعية ذاتها التي تدفع الذكور وتحفظ بقاء النوع للاثنين معاً. وإذا لم يُفلح أي من الجنسين في مسعاه الغرائزي ذلك، هلكت الجماعة كلها وانقطع نسلها وذكراها للأبد.