تعديل قانون الأحوال الشخصية! لماذا؟ الإسلام السياسي والرعب من الثورة البروليتارية



مؤيد احمد
2024 / 10 / 4

تعديل قانون الأحوال الشخصية! لماذا؟

الإسلام السياسي والرعب من الثورة البروليتارية


منذ فترة وتيارات وأحزاب الإسلام السياسي الشيعي الحاكمة في العراق وتحديدا تلك المتحالفة والمتكتلة في "الاطار التنسيقي" منهمكة بكل قواها في إحياء مشروع القانون الجعفري الذي طرحه عبدالعزيز الحكيم عام 2004، والد رئيس تيار الحكمة الحالي، عمار الحكيم، وذلك في ثوب جديد وباسم مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية النافذ رقم 188الصادرعام 1959.
تمت القراءة الثانية لمشروع التعديل في البرلمان قبل أيام في 16 من شهر ايلول 2024 عبر صفقات واحابيل برلمانية متبعة في النظام السياسي ما بعد 2003، متجاهلة تماما الاحتجاجات الواسعة وموجة الاستياء والغضب الجماهيري ضده. وبذلك خطت هذه التيارات وحلفائها خطوة اخرى على مسار تنفيذ تعديل القانون، وبالتالي الاقدام على ارتكاب جريمة كبيرة بحق نساء وأطفال العراق.
ان الشخص الذي بادر نيابة عن "الاطار التنسيقي" بطرح المشروع هو برلماني اسمه (رائد المالكي) ذو تاريخ سيئ في الحياة السياسية الحديثة في العراق؛ وهو من اوساط قوى الثورة المضادة الإسلامية ممن عملوا على اجهاض اهداف انتفاضة أكتوبر 2019 والعبور على دماء اكثر من 800 منتفضة ومنتفض، قتلوا نتيجة قمع السلطات وميليشياتها، الى البرلمان الحالي تحت اسم "المستقلين".
هناك أسئلة وتساؤلات كثيرة تطرح بخصوص مشروع تعديل القانون منها: لماذا كل هذا الالحاح من قبل تيارات وأحزاب الإسلام السياسي وبالأخص "الاطار التنسيقي" على امرار هذا المشروع؟ ولماذا اليوم بالذات؟ وما هي مصالح هذه القوى في امرار هذا التعديل؟ في وقت تمر فيه البلاد والمنطقة بأزمة سياسية واجتماعية كبيرة.
ان احد الأجوبة الاكثر شيوعا هو ان قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 النافذ حاليا يشكل عُقدة أيديولوجية وسياسية بالنسبة لتيارات الإسلام السياسي الشيعي، فلا يمكنه كتيار سياسي حاكم في البلاد، ان يبقى ساكتا تجاهه، وذلك لان ابداله بالقانون الجعفري او تعديله سيعمق من استرقاق النساء والأطفال، والذي يشكل احد اهم اركان الإسلام السياسي لبسط سيطرته على الجماهير، ولترسيخ الطائفية التي هي الأخرى احد اركانه الذي يرتكز عليه.
ولربما تتم تكملة هذا الجواب من قبل البعض بالتأكيد على ان الغرض من المشروع هو تكتيك سياسي لإلهاء الناس وإبعاد انظارهم عن المشقات الاقتصادية والازمة الاجتماعية التي تعاني على اثرها معظم الجماهير، او قد يذهب آخرون الى القول بان الغرض من التعديل هو التلويح بسيف القانون الجعفري للتغطية على فضائح مالية جديدة مكشوفة من النهب والسرقات من قبل قوى الإسلام السياسي الحاكمة.
وقد تطول امثال هذه الأجوبة، التي هي موضوعية بالأساس، وتشير الى العداء الصارخ والراسخ للإسلاميين بالضد النساء، او تتناول الامتيازات التي سيوفرها امرار هذا التعديل لشرائح اجتماعية معينة، من داخل منظومة الملالي والفقهاء، وصف طويل من أصحاب المال الذين يحتاجون الى اشباع رغباتهم الجنسية، واطلاق أيديهم للزواج من الثانية والثالثة والرابعة وغيرها من الفضائح والجرائم بحق النساء. وأخيرا وليس آخرا، هناك حديث عن ان طرح مشروع التعديل مرتبط بمصالح انتخابية للأحزاب الإسلامية في كسب الأصوات الرجعية والمحافظة داخل اوساط الجماهير.
لا شك، ان كل جواب من هذه الأجوبة له مبرره الموضوعي، ويعبر في الحقيقة عن وجه من أوجه هذه السياسة والمساعي لتعديل القانون، ولكن الواقع هو ان هذه الأجوبة لا تذهب ابعد من دائرة أيديولوجيا الإسلام السياسي وسياساته التكتيكية وآليات ترسيخ حكمه كتيار، حيث تظل في البنيان الفوقي دون الوصول الى الجوهر والأساس المادي الاقتصادي-الاجتماعي، وبالتالي الاستراتيجي لهذه السياسة؛ أي تبقى دون تشخيص ونقد للمصالح الطبقية الرأسمالية والاستراتيجية السياسية الطبقية البرجوازية التي تمثلها هذه السياسة وتقف ورائها.
ان حصر النقد في فلك السياسة والايديولوجيا والممارسات والتكتيكات السياسية لتيارات الإسلام السياسي الحاكمة التي تحمل ايديولوجيا إسلامية طائفية، والدوران في اطار هذه المفاهيم والتصورات وآليات إعادة انتاج سيطرة هذه التيارات، بدون ربطه بالأساس المادي الطبقي واعطائه مضمون ومحتوى سياسي طبقي بروليتاري واثرائه بهما، يجعل النقد محصورا في اطار النقد البرجوازي الليبرالي-العلماني والمدني، ونقد النسوية الليبرالية لهذه السياسة. وهذا ما يحول دون تبني رؤية سياسية وفكرية بروليتارية واضحة، ودون تجسيد النقد الاشتراكي البروليتاري تجاه ما تطرحها البرجوازية الحاكمة من سياسات واستراتيجيات، وبالتالي سيشارك في اضعاف التصدي الثوري لهذه السياسة، وحتى اضعاف الحركة الحالية المعارضة بوجه تعديل القانون.

النقد الماركسي وموقع الإسلام السياسي الطبقي
ان اول متطلبات النقد الماركسي لهذه السياسة والهجمة العدائية للإسلامين بالضد من نساء وأطفال العراق هو ان يكون نقدا ماديا، وبالتالي، نقدا طبقيا، ومن موقع البروليتاريا والشغيلة والنساء المضطهدات. ان كشف جوهر وماهية هذه السياسة وهذا الإصرار على امرار مشروع التعديل يستلزم تبيان الأساس المادي الذي يملي على الإسلاميين طرح مثل هذا المشروع، وعلاقته بالنضال الطبقي ومآل الثورة البروليتارية الاشتراكية في العراق والمنطقة.
قد يبدو ذلك الاستنتاج غريبا و"اختزالية" اقتصادية -طبقية، وابتعادا عن جوهر الموضوع، الذي هو قمع المرأة والأطفال وترسيخ الطائفية من خلال اجراء هذا التعديل. وقد يُعتبر اغفالا "للواقع" الذي يعني بالنسبة للبعض ان "حكم الإسلاميين يعني حكمهم كإسلاميين"، وليس ِشيئا آخرا سوى ذلك. وهذا يعني وبالنسبة لهم ان الإسلاميين ليسوا سياسيي طبقة اجتماعية معينة التي هي البرجوازية، بل هم ايديولوجيون وسياسيون طائفيون وميليشياتيون متخلفون ورجعيون خارج الطبقات، وكأنهم معلقون في السماء خارج البيئة المادية الاقتصادية والاجتماعية التي نشأوا عليها ويديمون وجودهم ارتباطا بها.
ان قليلا من التمعن يبين عدم صحة هذه الانطباعات الخاطئة ويبين ان السياسي الإسلامي هو سياسي إسلامي لكونه هو وقبل كل شيء سياسي برجوازي، وليس العكس، وهو المدافع عن راس المال والملكية الرأسمالية، ويدخل الساحة السياسية بوصفه كذلك، أي بوصفه مدافعا عن المُلكية الرأسمالية وأركانها "الدينية" و"الأخلاقية" ومتطلباتها القمعية بوجه الطبقة المضطَهدة.
واذا اردنا توضيح كل ذلك بشكل اوسع، نقول ان تيارات الإسلام السياسي باتت تدخل الحياة السياسية للمجتمعات المعاصرة لكونها تؤدي مهمة سياسية طبقية رأسمالية، او بعبارة أخرى، انها تيارات برجوازية ذات مهمة خاصة؛ وهي الحفاظ على الرأسمالية والمصالح العامة لراس المال، أي المصالح العامة للبرجوازية كطبقة بوجه البروليتاريا والاشتراكية. وهذا تماما عكس الاعتقاد الذي يصور الإسلام السياسي وكأنه تيار سياسي أيديولوجي إسلامي صرف يديم حياته خارج الطبقات، أي الاعتقاد الذي يغض النظر عن واقع كون مصالح راس المال العامة، وضرورة الحفاظ على الرأسمالية وحمايتها بوجه الثورة الاشتراكية، في عهد الرأسمالية الامبريالية المعاصرة المتأزمة والمليئة بالتناقضات، هي التي جعلت ولاتزال تجعل هذه التيارات الإسلامية تحتل مكانا في قلب النظام الرأسمالي العالمي، والصراع الطبقي العالمي بين العمل ورأس المال.
وبناء على ذلك، فان تيار الإسلام السياسي انطلق الى عالم السياسة والصراع الطبقي وهو وليد نوعي، وذو مهمة طبقية برجوازية عامة مكلفة نفسها بها وهي؛ تمثيل المصالح السياسية العامة لراس المال بوجه الطبقة العاملة، والفئات المحرومة من الملكية، ونضالها الاشتراكي، أي تأدية دوره المرتبط بالاستراتيجية السياسية العامة للبرجوازية في الصراع الطبقي داخل المجتمعات، وليس مجرد تأدية دوره كممثل لمصالح كتلة معينة من البرجوازية. وهذا بدوره يؤدي بنا الى الاستنتاج بان تيار الإسلام السياسي لم يكسب الطابع الطبقي البرجوازي لنفسه، كحركة وكتيار، من خلال عملية تراكمية تدريجية تحول فيها قادة احزابه وناشطيه وممثليه، في السلطة كانوا او خارجها، الى فئة برجوازية كي يلعبون هذا الدور السياسي الاستراتيجي الطبقي البرجوازي، بل اتسم بهذا الطابع منذ نشأته.
ومن الضروري هنا التمييز بين الإسلام السياسي كحركة اجتماعية وتيار سياسي برجوازي وكائن نوعي، وبين المادة الإنسانية والبيئة الاجتماعية والسياسية والثقافية والتقاليد والسنن الرجعية والعقائد الدينية والمذهبية والطائفية الموجودة في مجتمع ما وبلد ما، والتي تساعد على نمو هذا التيار وترعرعه في احضانها. ان الوجود النوعي للإسلام السياسي والقيام بدوره في الحفاظ على النظام الرأسمالي لا يعني انفصاله عن البيئة التي نمى فيها ، انما، على العكس من ذلك، يعني انماء ارتباطه بهذه البيئة وإعادة انتاجها على مستوى اعلى واكثر اتساعا ودمارا من ذي قبل. وهذا ما نراه ونلمسه تجريبيا في عالم اليوم؛ في أي مكان وصلته ايدي الإسلام السياسي واستولت على السلطة فيه.
كما وان اضطلاعه بدوره الحامي لراس المال والنظام السياسي البرجوازي الامبريالي، نلمسه بشكل تجريبي ونراه في دعم البرجوازية الامبريالية العالمية لهذا التيار وتحالفها معه كأحزاب وانظمة وكتقاليد سياسية نيو فاشية جاهزة لإداء هذا الدور الرجعي المضاد للثورة. ان دعم الامبريالية الغربية لـ "الخميني" والاسلامين بوجه الثورة في ايران عام 1979، ودعم "المجاهدين" والقاعدة وطالبان في أفغانستان، ومن ثم داعش والقوى الأخرى الإرهابية لتنفيذ سياساتها، شواهد بينة على هذا الدور الذي يلعبه الإسلام السياسي.
بالإضافة الى ذلك، فان تحالف الامبريالية العالمية، ليست الغربية فقط، مع التيارات الحاكمة للإسلام السياسي والقوميين الإسلاميين في جملة من البلدان، واندماج الأخيرة معها، وعشرات الأمثلة من تقوية هذا القوة الرجعية لتحقيق سياسات الامبريالية في بلدان الشرق الأوسط والعالم العربي هي الأخرى شواهد قاطعة على هذا الارتباط العضوي والاستراتيجي السياسي للإسلام السياسي بالبرجوازية العالمية ومصالح راس المال وحمايته. وأخيرا، فان تحالف أمريكا والامبريالية الغربية مع تيارات الإسلام السياسي الشيعي في العراق، لا بل وحتى إرساء النظام السياسي الاسلامي الطائفي والقومي في البلاد بعد حربها على العراق واحتلالها له عام 2003، تجسيد لهذا الارتباط العضوي والاستراتيجي بين الطرفين.
وهذا يصل بنا الى نقطة أخرى وموضوع آخر متصل، وهو ان الموقع الذي تحتله والدور الذي تلعبه تيارات الإسلام السياسي، في ميدان الصراع الطبقي داخل المجتمعات، يتحددان ويتبلوران ضمن نفس ميادين هذا الصراع ومساره وديناميكيته، وبالتالي يتحددان من خلال الموقع البرجوازي المدافع عن الرأسمالية الذي تتخذه هذه التيارات ودورها في هذا الميدان بالذات كإحدى بدائل البرجوازية بوجه الثورة الاشتراكية، أي كبديل على مستوى النظام السياسي والايديولوجي الفاعل بوجه البروليتاريا وثورتها الاشتراكية. وهذا ينطبق على جميع أنماط الإسلام السياسي بأجنحته المختلفة وتياراته الإرهابية والنيو فاشية المتنوعة، والتيارات الإسلامية الشيعية والسنية "الرسمية" الحاكمة و"المعارضة"، المعترف بها من قبل النظام الدولي البرجوازي.
ان الانشغال بتفاصيل تصنيف القاعدة الاجتماعية لهذه التيارات الاسلامية واجنحتها المختلفة، وتعداد تشكيلة هذه القاعدة من الطبقات والفئات الاجتماعية المؤلفة منها وتصنيفها على نمط ماوتسي تونغ واليسار الشعبوي ليس بالمنهج الماركسي في التحليل، ولا يصل بالشيوعي الثوري الى تحديد المحتوى السياسي والسمة الأساسية للإسلام السياسي ودوره السياسي الاستراتيجي بوجه البروليتاريا وثورتها التحررية. المطلوب بالدرجة الأساس بالنسبة للشيوعي تحديد موقع الإسلام السياسي الطبقي في اطار كلية الصراع الطبقي والنضال بين الطبقات الدائر حول مصير المجتمع السياسي، وتبني الخط الاستراتيجي الطبقي البروليتاري والاشتراكي بوجه هذه التيارات. ان بحث وتحليل تفاصيل القاعدة الجماهيرية للإسلام السياسي ضرورية من اجل تبني التكتيك السياسي الثوري المشخص الصحيح والمؤثر من قبل الشيوعيين الثوريين من اجل مواجهة هذه التيارات الإسلامية محليا كان او إقليميا، وهذا من اجل نشر الوعي السياسي البروليتاري الطبقي المستقل داخل أوساط جماهير الشغيلة والكادحين، التي تشكل أكثرية هذه القاعدة الاجتماعية، والنضال من اجل خلاصها من اوهامها بهذه التيارات، وبهدف كسب الاستقلال الطبقي السياسي والتنظيمي البروليتاري. لنتناول مثال القاعدة الاجتماعية لجناحين من اجنحة تيار الإسلام السياسي الشيعي في العراق وهما التيار الصدري و" الاطار التنسيقي" ولربما يساعدنا على توضيح المسألة.
ان التيار الصدري له قاعدة اجتماعية داخل البرجوازية الكبيرة والمتوسطة وبالدرجة الاساس داخل البرجوازية الصغيرة المتدهورة اقتصاديا والشغيلة والفقراء والمحرومين في المدن والأرياف. وبالمقابل، فان القوى المجتمعة في "الاطار التنسيقي" والتي تحكم البلاد حاليا هي من اكثر التيارات والاجنحة معزولة عن جماهير العمال والكادحين والمفقرين، وان معظم قاعدتها، عدا الفئات المفقرة المنتمية للأجهزة الأمنية والميلشيات الحزبية، مؤلفة من العناصر المتمكنة والبرجوازية الكبيرة الرجعية والعشائرية والزبائينية، ولكنها تحكم البلاد وتؤدي مهمتها الطبقية البرجوازية العامة كما كان الحال مع التيار الصدري اثناء تحكمه بزمام الأمور قبل هذه الدورة البرلمانية.
وعليه فان معرفة موقع ودور هذه التيارات السياسي والاجتماعي في ساحة الصراع الطبقي امر ممكن فقط عبر تحديد وتشخيص الموقع الطبقي لهذه التيارات واحزابها وقادتها وكوادرها وبرامجها في قلب نفس هذا الصراع الجاري بين البروليتاريا والبرجوازية، ومدى تمثيل هذه التيارات للمصالح العامة للبرجوازية كطبقة وللرأسمالية كنظام بوجه البروليتاريا الاشتراكية، وهذا يعني البحث عن دورها ووظيفتها في مواجهة الثورة الاشتراكية في كل بلد وعرقلة تطورها.
وهكذا، وكما اكدنا في أعلاه فانه من الخطأ الخلط بين القاعدة الجماهيرية البروليتارية لقسم من هذه التيارات وموقع هذه التيارات السياسي والخط السياسي لقادتها وبرنامجها السياسي والأيديولوجي الفاشي بالضد من الشيوعية وتحرر الانسان. ان من يبرر من أوساط اليسار، بمن فيهم قسم من اليسار في الغرب، للإسلام السياسي على أساس نفوذه الاجتماعي في أوساط الكادحين، انما يغض الطرف عن هذه الفاشية المشبعة بروح العداء للشيوعية ولتحرر الطبقة العاملة ولتحرر النساء من الاستعباد، ولا يليق هذا النوع من التبريرات سوى بالحركات القومية والليبرالية التي تتحدث لفظا عن الاشتراكية وتدافع فعلا عن كل ما هو رجعي لخدمة آفاقهم السياسية، وسياستهم القومية والإسلامية- القومية البرجوازية المنحازة للإسلام السياسي.
ان نقد السياسات البرجوازية الإسلامية بشكل منفصل عن دورها فيما يخص الاجهاز على الحركة السياسية البروليتارية المستقلة والشيوعية والثورة الاشتراكية، يبقى نقدا صوريا بعيدا عن الحقيقة، وفي التحليل الأخير، سيكون نقدا في اطار الأفق السياسي البرجوازي والنظرة البرجوازية وتياراتها القومية والليبرالية والعلمانية، للعالم.
ان سياسة تيارات الإسلام السياسي الشيعي في العراق في فرض المزيد من الاسترقاق على النساء والأطفال، عبر تعديل قانون الأحوال الشخصية، ذات صلة مباشرة بشل الطاقة الثورية للبروليتاريا في العراق، وشق صفوفها عبر قوانين الدولة واستخدام كامل قوتها القانونية في تعميق وتوسيع هذه التفرقة والشقاق في صفوفها على أساس التمييز والاضطهاد وفقا للجنس الموجودان اصلا بين صفوف هذه الطبقة، وإعادة انتاجها بشكل اكثر شمولا وفتكا، بحيث يجعلان هذه الطبقة تعاني من وطأتهما لعقود من الزمن، اذا لم تستطع رميهما بنضالها الثوري الى مزبلة التاريخ. ان توسيع رقعة الطائفية على صعيد المجتمع، والمزيد من تمزيق النسيج الاجتماعي والمدني لسكان البلاد، اثر امرار هذا التعديل سيصبحان من النتائج المؤكدة لهذه الاستراتيجية السياسية الرجعية لضرب الحركة العمالية والاشتراكية وعرقلة تنامي ابعاد الازمة الثورية في البلاد.
اليوم وبعد اكثر من عشرين عاما على ادامة العملية السياسية والنظام الإسلامي والقومي الحاكم في العراق، فان هذه التيارات، ورغم كونها تشكل فئة برجوازية من مجموع الطبقة البرجوازية في العراق، وكتلة سياسية برلمانية ذات ميليشيات، والتي أسست نفسها من خلال الفساد المالي والإداري ونهب ثروات المجتمع، كفئة برجوازية كبيرة، الا انها ومن حيث الوظيفة الاجتماعية والطبقية التي تؤديها، تمثل المصالح العامة للبرجوازية ومصالح حركة راس المال في العراق.
اذا اخذنا بنظر الاعتبار الاختلاف في الظروف والعهد والزمان، ينطبق عليهم ما قاله ماركس بحق "المصرفيين" و"الملكيين والشرعيين" و"الجمهوريين البرجوازيين" في كتابه "النضال الطبقي في فرنسا بين عامي 1848- 1850"، كيف انهم كانوا "فئة" برجوازية و"كتلة برلمانية" ولكنهم من خلال سعيهم لتأسيس "الجمهورية البرجوازية" أي "شكل الدولة" الذي يتطابق مع "المصالح الطبقية العامة للبرجوازية"، انجزوا هذه "المهمة الطبقية العامة للبرجوازية". فمع تطبيق قانون الأحوال الشخصية تحقق هذه الفئة البرجوازية الكبيرة ما تحتاجه حركة راس المال والبرجوازية في بلد عاصف بالأزمات المركبة، من سياسة رجعية، لسد الطريق امام تنامي الحركة البروليتارية الاشتراكية والنسوية الماركسية، وهذه هي المهمة السياسية التي يؤديها الإسلام السياسي الشيعي، بمن فيهم البرلماني رائد المالكي حينما يقدمون على ارتكاب الجرائم بحق النساء والأطفال في العراق.

تيارات الإسلام السياسي ورأسمالية
مندمجة باضطراد بالسوق العالمية
لم تعد تيارات الإسلام السياسي الشيعي في العراق، بعد عشرين عاما من الحكم ، تشكل مجرد ميليشيات وأحزاب وقوى سياسية ذات أيديولوجيا دينية وطائفية ضعيفة اقتصاديا، انما اصبحت قوى اقتصادية ضخمة ومؤثرة. وهي تتحكم بميزانية الدولة الهائلة، وتتفرد بالحصة الأكبر من الفساد ونهب مداخيل الدولة وثروات المجتمع، كما وتتفرد بحصتها الرئيسة من مشاريع الدولة الاقتصادية والخدمية والعسكرية والمشاريع الاستراتيجية للدولة ومشاريع "العتبات "وغيرها.
هذا، ويرتبط ويحيط بهذه القوى، وكجزء عضوي منها، صف عريض وطويل من الرأسماليين الكبار والصغار وشبكة أخطبوطيه من راس المال الاحادي في المجتمع، مستفيدة من القدرة الاقتصادية للحكام الإسلاميين. وهذه الأحزاب والتيارات الحاكمة وما يحيط بها من الرأسماليين، تشكل فئة برجوازية كبيرة نهابة وفاسدة محتكرة لقسم كبير من النشاط الاقتصادي الحيوي، ليس هذا فحسب، بل وان احزابها متمتعة بصلاحية تبني وتنفيذ السياسات العامة للدولة، بما فيها تلك التي تعكس المصالح العامة لحركة راس المال، وبالأخص السياسات الرجعية المناهضة للعمال والنساء والشبيبة الثورية.
بالإضافة الى ذلك، لم تعد هذه التيارات ومن خلال تحكمها بالدولة تتعامل مع رأسمالية العراق ما قبل الاحتلال الأمريكي للبلاد عام 2003، بل مع رأسمالية مضى عليها عشرين عاما من التطور والاندماج المتزايد بالسوق العالمية والرأسمالية العالمية، بحيث حصل تحول هيكلي ليس فقط في تأمين سيادة نمط الاقتصاد النيو ليبرالي عليها، من خلال السياسات الاقتصادية لنفس النظام السياسي الحاكم الذي تقوده هذه التيارات، وسياسات النظام وممارساته القمعية ضد الحركة العمالية وتنظيماتها النقابية ونضالاتها واحتجاجاتها الجماهيرية بوجه هذه السياسات الاقتصادية، بل وشهدت هذه الرأسمالية كذلك تحولا كبيرا في عمق ومديات اندماجها بحركة راس المال العالمي، وعواصف هذه الرأسمالية العالمية وازماتها الخانقة التي تعيشها وبالأخص منذ 2008. وعلى حد تعبير الكاتب الاكاديمي (يوسف بكر) "كان أحد الأهداف الرئيسية لغزو العراق هو دمج البلاد بشكل أكثر اكتمالاً في النظام الرأسمالي العالمي".*
وهكذا، فان الهدف من النظام السياسي الإسلامي والقومي المحاصصاتي الذي بنته أمريكا في العراق عام 2003 ، كان ولا يزال تثبيت النظام السياسي البرجوازي، الحامي للرأسمالية في العراق وبوصفها رأسمالية مندمجة اكثر فاكثر بالسوق العالمية، وفي قلب تطوراتها وتقلباتها وعواصفها وازماتها.
ان ازمة النظام الاقتصادية وعدم إمكانه حل معضلة البطالة والافقار وتدهور الخدمات وتدني مستوى معيشة العمال والموظفين، والعمال العاملين في قطاع العمالة الهشة، تحولت منذ سنوات طوال الى ازمة اجتماعية واسعة وشديدة. ان هذه الازمة الاجتماعية تعكس في الوقت ذاته ابعاد وعناصر الازمة الرأسمالية العالمية داخل العراق، وهي تعكس واقع الرأسمالية المعاصرة المعولمة الى اقصى الحدود، والتي تخلق الافقار والبطالة وتدهور الخدمات وازمة المعيشة والحرمان من السكن الاجتماعي بالنسبة لأوسع قطاعات الجماهير من جهة، وتراكم راس المال لدى اقلية قليلة باضطراد محليا واقليما وعالميا ن مع اندماج هذا الرأسمال المتراكم بشكل متزايد في شبكة أخطبوطيه عالمية، من جهة اخرى.
لذلك نرى اليوم تصاعد النضالات العمالية في مختلف قطاعات الدولة ومشاريعها ومؤسساتها، وتستمر بزخم اكبر حركة تعديل سلم الرواتب للموظفين والعمال التي تهدد ضمنيا الامتيازات الفئوية لأصحاب الدرجات العليا في النظام القائم، وهذه التطورات في النضال العمالي تشكل احدى علائم نمو الصراع الطبقي البروليتاري بشكلها الجنيني ضد راس المال والرأسمالية، وذلك على أرضية هذه التحولات الاقتصادية والاجتماعية المتعددة التي تشهدها الرأسمالية في العراق.
هذا وان الملايين من الشابات والشباب المعطلين عن العمل او من يحصل منهم على عمل هش غير مستقر وباجور قليلة، باتت تشكل جزءً كبيرا من البروليتاريا التي يتموج الاستياء والغضب في اوساطها، وتبحث عن فرصة لشن نضالها الثوري بوجه النظام الاقتصادي والسياسي القائم. وعليه، فان ازمة الرأسمالية في العراق هي ازمة الاستقطاب الطبقي وعدم وجود حل اقتصادي على أساس الرأسمالية ونمطها الاقتصادي النيو ليبرالي للخروج من الوضع القائم.

اسقاط مشروع التعديل
مهمة نضالية بروليتارية آنية وملحة
ان البرجوازية عموما بما فيها البرجوازية الإسلامية والقومية الحاكمة تبحث في حالة الازمات عن الفرص الموجودة امامها من المخزون الرجعي من التقاليد والقيم السائدة في المجتمع، كي تنطلق منها لتنفيذ سياساتها المعادية للجماهير وذلك لإنقاذ النظام. ان القوميين يلجئون الى بث النعرات القومية والشقاق القومي، والاسلاميون كما هو الحال الان، يلجئون الى التشديد من اضطهاد النساء والاطفال. لقد اختار تيار الإسلام السياسي الحاكم هذا الطريق كونه هدف سهل التحقيق بسبب الثقافة الذكورية والتقاليد الدينية والعشائرية الرجعية السائدة في المجتمع، وبسبب توافق و تهاون معظم الأحزاب القومية والقومية الإسلامية الاخرى المشاركة في النظام معه في امرار التعديل.
ان امرار تعديل قانون الأحوال الشخصية 188 سيؤدي الى تشديد استرقاق النساء وسلب حقوقهن وحرياتهن وتحويلهن الى مواطنات من الدرجة الثانية والثالثة من حيث الإرث والمكانة الاجتماعية، ويوطد ويساعد على اتساع رقعة تزويج الطفلات، وغيرها من الممارسات المجحفة بحق النساء والأطفال. كما وسيفتح الأبواب على مصراعيها لفرض القانون الجعفري بما فيه تزويج الطفلات من عمر 9 سنوات وفرض الحجاب وغيرها من اشكال الاضطهاد واساليب القمع والتنكيل بالنساء والاطفال.
ان هذه الهجمة الشرسة التي تشنها البرجوازية الإسلامية على النساء، رسالة تهديد لنساء عموم العراق والمنطقة، وهذا يحدث في وقت تتصاعد فيه الاعتراضات العمالية باستمرار في العراق، وصدى حركة تعديل سلم الرواتب مع تطورها اللاحق سيصل، عاجلا ام آجلا، الى عمال المنطقة، في وقت تتنامى عناصر وضع ثوري في العراق. كما وان النظام الإيراني يواجه موجة غضب جماهيري عارم في الداخل. لذا، فان هذه الهجمة ليست عمل سياسي روتيني في وضع مستقر بالنسبة للبرجوازية الحاكمة في العراق، انما هي احدى الأدوات والسياسات المستخدمة في حقبة الازمة، وان الإصرار عليها ذو صلة وثيقة بهذه الازمة ومعاداة الثورة والشيوعية والنضال الطبقي البروليتاري الثوري.
ان سلب احدى مكتسبات البروليتاريا الاشتراكية والنسوية العالمية والحركة النسوية في العراق، من عموم نساء العراق، من خلال تعديل قانون 188، وبالرغم من كل نواقص هذا القانون، هو سياسة اجرامية وعدائية بالضد من النساء والأطفال مبعثها الخوف من الثورة بالدرجة الاساس.
ليس من مصلحة العمال والكادحين والشبيبة ان يسمحوا بإمرار تعديل القانون في الوقت الذي يستهدف شل نضالهم الطبقي الثوري نساء ورجالا. ان تقوية نضال النساء والبروليتاريا والشبيبة وجميع الاشتراكيين والتحررين وتوحيدها في نضال اجتماعي وسياسي واسع لإسقاط هذا المشروع مهمة آنية ملحة لا تقبل التأجيل. 26 أيلول 2024

*Baker, Yousef K. “GLOBAL CAPITALISM AND IRAQ: THE MAKING OF A NEOLIBERAL STATE.” International Review of Modern Sociology, vol. 40, no. 2, 2014, pp. 121–48. JSTOR, http://www.jstor.org/stable/43499905. Accessed 26 Sept. 2024.