عام من معاناتهن.. المرأة الفلسطينية تواجه حرب الإبادة



ليلى حسام
2024 / 10 / 13

ليلى حسام و سيمون الخليل

تمر علينا ذكرى انطلاق عملية “طوفان الأقصى” البطولية، وعام منذ بداية حرب الإبادة على غزة. ولا شك أن العنف القائم على النوع الاجتماعي كأداة للاستعمار الاستيطاني ليس استراتيجية جديدة؛ فالاستعمار الاستيطاني والنظام الأبوي عادة ما يسيران جنباً إلى جنب. وفي غزة تواجه النساء عذابًا ضعفًا وتظل معاناتهن مخفية في الأخبار المحلية والتقارير العالمية بالرغم من حدوث الحرب على مرأى ومسمع الجميع. فمهما كانت الأهوال التي يواجهها أي شعب جراء الحروب والصراعات فإن واقع القهر والألم دائمًا أشد وطأة على الفئات الأكثر اضطهادًا.

فقدان الكرامة الأساسية: ما بين الفوط الصحية والشامبو
وفي تقرير أصدرته هيئة الأمم المتحدة للمرأة، في نوفمبر 2023، تبين أن أكثر من 690 ألف امرأة وفتاة في غزة يعانين من الدورة الشهرية، ما يعني أن هؤلاء النساء شهدن 8.280 مليون دورة شهرية خلال العام الماضي من الإبادة الجماعية. و منذ نوفمبر والفوط الصحية، التي تعد ضرورة أساسية لأي امرأة، غير متاحة نهائيًا في غزة. وفي بداية الحرب لجأت النساء إلى أقراص منع الحمل لتأجيل الدورة الشهرية، ولكن سبب ذلك آلاماً لكثير منهن فاضطررن للتوقف عن تناولها.

ودفع النقص الكارثي السيدات إلى قص أقمشة من خيامهن وملابسهن واستخدامهن كبدائل للفوط الصحية خلال فترات الحيض. ولكن في ظل انهيار المنظومة الصحية وانعدام المياه النظيفة من شهور نتيجة الحصار المفروض على القطاع فإن المشاكل التي قد تصيب النساء حال استخدامهن هذه الاقمشة قد تصل إلى العقم والإصابة بسرطان عنق الرحم، مما قد يفقدهن حياتهن.

إن الأمر لا يقتصر على الفوط الصحية، فالحصار الصهيوني للقطاع يعني أن هناك القليل من الشامبو والصابون ومواد التنظيف المنزلية.

وبحسب الدكتور أحمد عمرو المختص في علم الأوبئة في جامعة القدس فإن انهيار عملية جمع النفايات ومعالجة مياه الصرف الصحي والازدحام مناطق النزوح مثل المدارس وارتفاع درجة الحرارة داخل الخيام والتعرق بين الأطفال ونقص المياه من العوامل التي أدت إلى تفشي الأمراض المعدية التي تزدهر في الازدحام والافتقار إلى النظافة، مثل الجرب والعدوى الفطرية والطفح الجلدي.

وفي محاولة منهن لدفع الأمراض الجلدية بعيدًا وعدم قدرتهن على العناية بأنفسهن اضطرت النساء والفتيات لقص أو حلق شعرهن، وهو ألم نفسي لا يجب الاستهزاء به خصوصًا في ظل هذه الحرب.

لقد انخفضت عمليات تسليم المساعدات الدولية – القليلة بالأساس – بشكل كبير منذ استيلاء العدو الصهيوني على معبر رفح الذي لم يلاقي ردعًا من الحكومة المصرية التي هي شريكة أساسية في حصار غزة.

معاناة المرأة الحامل
إذا كانت معظم النساء تعاني من نقص الفوط الصحية، فإن معاناة الحوامل تفوق ذلك بكثير. ورصدت بيانات الأمم المتحدة في ديسمبر 2023 أن هناك 50,000 امرأة حامل و68,000 مرضعة في غزة.

وأشارت وزارة الصحة في قطاع غزة في بيان، إلى أن “النساء يشكلن 49 في المئة من سكان القطاع، ومعظمهن في سن الإنجاب، وأن نحو خمسة آلاف سيدة يلدن شهرياً في ظروف قاسية وغير آمنة وغير صحية نتيجة القصف المتواصل والتشريد”.

في ظل انهيار النظام الصحي في غزة، تلد النساء الحوامل في ظروف مروعة، حيث لا تتوفر المسكنات في الأسواق ولا مواد التخدير في ما تبقى من المستشفيات. في أولى شهور الحرب كانت تعمل المستشفيات بأدنى طاقتها، ولكنها أصبحت الآن شبه معطلة، حيث تم قصف العديد منها واستهداف أطبائها ومنع الوقود عن المدينة بأسرها فأصبح تشغيل المولدات أمرًا مستحيلًا، وانعدام الأدوية والمياه النظيفة للاعتناء بأي جريح لا سيما امرأة حامل.

وتجبر النساء إذًا على الولادة في خيامهن أو في مراكز صحية متهالكة، في غياب تام لأي رعاية طبية ملائمة، مما يعرض حياتهن وحياة مولودهن للخطر.

والجدير بالذكر أن من يصلن لمرحلة الولادة قلائل. فعشرات الآلاف من النساء الحوامل يعانين من الجوع الشديد بسبب الأزمة الغذائية المتصاعدة في غزة، بسبب سياسات التجويع المفروضة على غزة من قبل الاحتلال الصهيوني الغاصب. كما تعاني الأمهات من سوء التغذية، ما يحد من قدرتهن على إرضاع أطفالهن حديثي الولادة من خلال الرضاعة الطبيعية في ظل نقص حاد في البدائل الصناعية.

وفي تقرير نشرته منصة “درج”، يفصح رئيس قسم النساء والولادة داخل مجمع ناصر الطبي، الطبيب غسان مسلم أن “زيادة حالات الإجهاض بشكل مضاعف وغير مسبوق في قطاع غزة، لم تمر عليه منذ 10 سنوات، حيث تنتهي أجيال قبل أن تبدأ، وقسم النساء والولادة داخل المستشفى يتعامل مع 7 حالات إجهاض يومياً، في حين كانت قبل الحرب لا تتعدى حالة أو حالتين”. ويقول مسلم لـ”درج”: “بلغ عدد حالات الإجهاض في أغسطس/ آب من العام الماضي 35 حالة، في حين سجل شهر أغسطس/ آب لهذا العام وحده 127 حالة.”

ويكتب أبو شحمة إضافة إلى أن “معظم حالات الإجهاض، تصيب الحوامل اللواتي يشهدن القصف في أماكن سكنهن أو في أخرى قريبة، مما يسبب لهن نوبات هلع شديد، ويعرضهن لاستنشاق مواد سامة، وقد يحدث الإجهاض نتيجة النزوح الذي يُجبر الحامل على الركض في الشوارع أو المشي لمسافات طويلة مع حمل أمتعة، أو نتيجة العيش داخل الخيام تحت حرارة الشمس الشديدة.”

السجون الإسرائيلية: كابوس النساء الحي
النساء الفلسطينيات اللواتي يُعتقلن في السجون الإسرائيلية يعانين من انتهاكات مروعة. فالعدو الصهيوني يدافع عن حق الجنود في الاغتصاب واستخدامه كسلاح في الحرب. فقد طالب الساسة الصهاينة بحماية المغتصبين باسم الدفاع عن النفس ويروجون لهذه السياسة كأداة مشروعة للحرب. إن هذه الأداة لم تُستخدم مؤخراً في حرب الإبادة الجماعية على غزة فحسب، بل هي أداة يمارسها الكيان الصهيوني بحماس منذ النكبة في عام 1948 وطالما اختارت أن تخوض حروبها الدامية على أجساد النساء.

فقد وثق تقرير تابع ل”مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي” شهادات حية من أسيرات فلسطينيات عن الانتهاكات التي تعرضن لها في سجون الاحتلال. “أفادت الشهادات التي تم جمعها أن الأسيرات يتعرضن لضرب متكرر، فهناك أسيرات تحدثن عن ضربهن وتعرضهن للإيذاء بكل الأنواع والطرق، يضاف إلى ذلك الشتم بهدف الإهانة والإذلال اضافة الى الابتزاز الجنسي لبعض الأسيرات القاصرات من الداخل المحتل.”

وعلقت مسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني أماني سراحنة، “الى أن الجرائم التي نشهدها اليوم ليست بجديدة، حيث مارس الاحتلال كافة أنواع الجرائم بحق الأسرى والأسيرات على مدار عقود طويلة، حتى أصبحت نهجاً وسلوكاً دائماً، ومنها التنكيل والضرب والتفتيش العاري، مشيرة إلى أن الفارق الآن هو كثافة هذه الجرائم، وليس بشاعتها.”

ونشر موقع الجزيرة تقريرًا صحاقيًا في ديسمبر 2023 بعنوان “الاعتداء الجنسي.. سلوك إسرائيلي منهجي ضد الفلسطينيين” يوضح أن حالات الاعتداء الجنسي على الفلسطينيين/ات يعود إلى النكبة. وكتب الصحفي طارق حمود أن “تشير الحوادث المتكررة لحالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي التي يرتكبها جنود الاحتلال إلى كونها سلوكا ممنهجا، خاصة أن المعتدين عادة ما يفلتون من العقاب، أو يخضعون لعقوبات رمزية وخفيفة. فقد أعادت المحكمة الإسرائيلية ضابطا إسرائيليا إلى الجيش بعد فصله منه إثر إدانته باغتصاب فلسطينية خلال خدمته في الإدارة المدنية بين عامي 2013-2015. تمثل هذه الممارسات امتدادا لسياسة مزمنة من التمييز العنصري ونزع الصفة الإنسانية عن الضحايا، عبر العديد من التصريحات والتطبيقات القانونية. فقد خضع الجيش الإسرائيلي لتعاليم دينية تبيح له اغتصاب غير اليهوديات بحسب حاخام الجيش الكولونيل إيال كريم، الذي عينه وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان في عام 2016. وكانت مثل هذه التعاليم العنصرية قد أثارت جدلا في حينها، حيث كان الحاخام كريم قد قال “إن الجماع مع الإناث غير اليهوديات خطير للغاية، لكنه مباح خلال الحرب”.

ونقل المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في فبراير الماضي عدة شهادات جديدة “عن تعرض معتقلات فلسطينيات من قطاع غزة للعنف الجنسي والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية، من خلال التعرية والتحرش الجنسي والتهديد بالاغتصاب، خلال احتجازهن لمدد متفاوتة من قبل قوات الجيش الصهيوني.” وأفادوا أن “شهادات المعتقلات اللواتي أفرج عنهن مؤخرًا بعد أن أمضين مددًا مختلفة من الاعتقال [أفصحن عن] تعرضهن لممارسات قاسية تصل حد التعذيب، بما يشمل ضربهن بشكل وحشي، وتهديدهن بالاغتصاب حال عدم الانصياع لأوامر الضباط والإجبار على التجرد الكامل من ملابسهم والتفتيش العاري أمام جنود ذكور، وتوجيه ألفاظ نابية بحقهن، وتقييدهن وتعصيب أعينهن لفترات طويلة، واحتجازهن في أقفاص مفتوحة وسط أجواء شديدة البرودة، وحرمانهن من الطعام والأدوية والعلاج اللازم والمستلزمات النسائية، وتهديدهن بشكل متواصل بحرمانهن من رؤية أطفالهن، فضلا عن قيام قوات الاحتلال بنهب أموالهن وممتلكاتهن التي كانت بحوزتهن عند الاعتقال.”

الأرقام غير دقيقة: الواقع أسوأ بكثير
على الرغم من فظاعة الأرقام الواردة في تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية، إلا أن هذه الأرقام غير دقيقة والواقع على الأرض أشد قتامة. ويتعذر توثيق الجرائم والانتهاكات بشكل فعّال فالحصار المفروض يمنع دخول المراقبين الدوليين والصحفيين، ويعيق وصول المساعدات الإنسانية، وأعداد المفقودين تحت الأنقاض غير معلومة وكذلك عدد المخفيين قسريًا، مما يجعل من المستحيل الحصول على أرقام محدثة تعكس حجم الكارثة الفعلي.

من المهم أن نضع في الاعتبار أن هذه الأساليب والأهداف – من الإبادة الجماعية الإنجابية ضد النساء وأطفالهن، إلى استخدام الاعتداء الجنسي لإخضاع النساء والانتقام منهن – ليست أهدافًا أو آثارًا جانبية للحرب، وبلا شك أن تحرير فلسطين والنضال النسوي متشابكان وفي حالة الثورة الفلسطينية، لا يمكن فصلهما، فمن غير الممكن تحرير الفلسطينيات من النظام الأبوي دون هزيمة الصهيونية.