قضايا ملحة امام الحركة النسوية



رانية عبيد احمد
2024 / 10 / 16

التحية لنساء العالم في معركتهن المستمرة ضد التمييز.....
التحية للمرأة السودانية وهي تسير في طريق النضال والثورة والتغيير.....

رغم السنوات الطِوال من نِضال النساء حول العالم من اجل مجتمع العدالة والحقوق، ولكن مازالت الطريق طويلة وشاقة لإرساء هذا المجتمع ومازالت المعوقات ماثلة. ولكن في المقابل أصبحت الحركة النسوية أكثر صلابة وتماسكاً ويمكن ان نقول ذات وضوح نظري أفضل رغم تعثر الخطوات العملية. في السنوات الأخيرة ومع الاغلاق بسبب الجائحة والازمه الاقتصادية الحادة التي تعاني منها اغلب دول العالم، نلاحظ التراجع الكبير في قضايا الحقوق وتصاعد اليمين واليمين المتطرف كما نشهدهُ في ديمقراطيات راسخة مثل إيطاليا، والسويد، وفرنسا وغيرها. ان هذا الوضع الجديد يلقى بظلاله القاتمة على أوضاع النساء حول العالم وهذا يتمظهر في عدد من الأشكال منها على سبيل المثال وليس الحصر أولا تصاعد العنف ضد النساء بمعدلات غير مسبوقة ثانيا الاثار السالبة للضائقة الاقتصادية التي تؤثر بشكل أكبر على النساء وذلك لحقيقة ان النساء هن الافقر حول العالم ثالثا تصاعد حركة اليمين المتطرف، بل ووصوله للسلطة في بعض الدول أدى وسيؤدى بالضرورة لتراجع في حقوق النساء والأقليات. هذه الأوضاع تطرح العديد من التحديات امام الحركة النسوية والمدافعين عن الحقوق والطامحين لمجتمع العدالة.
الحركات النسوية رغم الاختلافات الواضحة بينها الا انها تتفق على وضح حد للتمييز ضد النساء المبنى على النوع. وبعد سنوات عدة من النضال استطاعت النساء حول العالم الوصول لعدد من الحقوق، ولكن في ظل أوضاع الازمات يتم التراجع والتملص من هذه الحقوق وذلك بالأساس لان بنيه المجتمع مازالت ذكورية بامتياز. هذه الأوضاع تفرض على الحركات النسوية ضرورات عدة أولا العمل الجاد من اجل ترسيخ وتوطيد بنيه مجتمع العدالة النابذ للتمييز بكل اشكاله ثانيا ضرورة خلق تكتيكات وبرامج لمقاومة حركة اليمين المتصاعد وأخيرا لابد من التعاون والتحالف بين كل المجموعات التي تعمل من اجل الحقوق والعدالة، وذلك للأهداف المشتركة وإمكانية تحقيقها بالتعاون والتعاضد.
اظن ان المهمة الأهم والاعقد على عاتق المدافعين عن حقوق النساء هي فهم وتحليل بنبه المجتمع الذكوري. من دراستنا للتاريخ نعلم ان المجتمع الذكوري رسخ اركانه منذ ملايين السنين واستطاع خلال هذه السنوات الطويلة تشكيل بنية متماسكة من التصورات والمفاهيم والقيم. لابد أولا من تصنيف وتحليل هذه البني والتصورات من خلال معرفة منابعها واصولها وتحليل تمظهراتها في مجتمعاتنا اليوم، ثانيا لابد من العمل على ربط هذه التصورات بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تدعم وتعزز بقاءها وتمكينها (وذلك بالتأكيد للعمل الجاد على هدمها مستقبلا). ولدراسة فاحصة لأي ظاهرة لابد من تتبع تاريخ نشوؤها وازدهارها وهنا لابد من الربط بين تشكل المجتمع الذكوري وارتباطه القوى بتغير البنى الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات وتحول المجتمع من المجتمع الأمومي المشاعى الى المجتمع الذكوري ومجتمع الملكية الفردية. كما لابد من الربط بين هذا التطور التاريخي والواقع المعاش الذي ما زالت الذكورية مسيطرة عليه. وذلك بالأساس لارتباطها بمصالح فئات وجماعات محددة ساهمت وستسهم في بقاء هذه المفاهيم.
لكل قضية حتى ولو كانت عادلة أعداء وما أكثر أعداء حركة تحرر المرأة. تاريخيا واجهت الحركة المدافعة عن حقوق النساء العديد من التحديات ومن أهمها الجماعات التي حاربت وتحارب كل اشكال الوعي والتحرر المجتمعي. الجماعات ضيقة الأفق التي تسكن اقبية الماضي عازلة نفسها عن حركة التقدم الانسانية ككل واهمها حركة التقدم الحقوقية التي تساوى بين كل البشر بغض النظر عن النوع والدين والجنس والهوية الثقافية. هذه الجماعات يزداد نشاطها في أوقات الازمات وتستخدم قضايا النساء وقضايا الأقليات كمتنفس ووسيلة للهروب من مواجهة اشكالاتها الأساسية. هذه الجماعات لابد من تفكيك خطابها ومواجهتها بوضوح نظري كامل. لابد من تعريه ضعفها وهروبها من مناقشة قضاياها كما لابد من التصدي الجاد لحملاتها المتصاعدة.
عندما تصاعد المد الحقوقي في السينات والسبعينات من القرن المنصرم كانت أولى دعائمه هي التعاون والتعاضد بين الحركات المختلفة. الان يمكن ان نلاحظ مدى الانقسام والتشظي الذي تعاني منه هذه الحركات. فكل مجموعة تحصر نفسها تماما للدفاع عن قضيتها ولا تنظر للإشكالات بنظرة عامة تحدد مواقع الخلل وتعمل على حلها. هذا الواقع أدى لان تكون كل مجموعه معزولة تماما وتحارب لوحدها بالتالي وبالتأكيد انتصاراتها ستكون اقل. لابد ان يتحالف كل المدافعين عن مجتمعات حرة عادلة ديمقراطية مع بعضهم البعض ليس فقط للتنسيق، بل لخلق رؤية موحدة للتغيير واليات لخلق هذا التغيير.
أخيرا طريق التغيير طريق طويل ووعر ملئ بالعقبات ولا يسير في حالة تصاعد دائما فقد يمر ببعض النكسات هنا وهنا. ولكن طالما هنالك العديد من الرجال والنساء المؤمنين بمجتمع يتساوى فيه الجميع، مجتمع ينعم فيه كل ابناءه بالحرية والعدالة والمساواة فانهم بالضرورة قادرون على شق الصخر لخلق هذا المجتمع. المعركة طويلة، ولكننا لا نستطيع الاستلقاء اثناء المعركة.