سَلَطة وسُلطة



رحمة يوسف يونس
2024 / 10 / 19

أمي تقليدية، ترفض الخروج عما اعتادت عليه في كثير من جوانب الحياة، الملبس وترتيب الأثاث وأسلوب التربية والأفكار وخاصة الطبخ، أذكر أننا كنا معتادين منذ الصغر على طريقة السَلَطة التي تصنعها أمي، والتي تتكون من الخيار والطمامة والكرافس، مع الملح والليمون، حين صرت في مرحلة الإعدادية تعلمت طرائق جديدة للسلطة، مثلًا إضافة الباذنجان والفليفلة والبصل والكاتشب وغيره من النكهات، رفضت أمي السلطة الدخيلة هذه، وبعد محاولات عدة تمكنت من صنعها، أذكر أنها كانت لا تأكلها، وتنظر الي بريبة على خيانتي لسَلطتها! وكذلك الأمر مع البيتزا، بعد محاولات (وتواسيل) وافقت على صنعها بشروط، وهي: أن تكون باللحم المثروم حصرًا (لا بيتزا دجاج ولا خضار) والجبنة محرمة، يعني باختصار البيتزا بداية دخولها إلى بيتنا كانت عبارة عن لحم بعجين مطور نوعًا ما.
حين صرت ربة بيت كان لي مساحة من الحرية في الطبخ، فأخذت ما يعجبني من طبخ أمي ومن طبخ أم زوجي وما أضفته من لمسات من اختراعي أو ما يعجبني من النت، وما ألبيه لأولادي حسب رغباتهم وميولهم في الأكل. في النهاية السُفرة التي أقدمها لأولادي تختلف عن السفرة التي كانت تقدمها أمي لنا والتي اعتدت عليها أكثر من عشرين سنة.
التطور والتغيير أسلوب حياتي وفي كل شيء، ما دام لا يتعارض مع مبادئي ولا أؤذي به أحدًا، اعتدت على التغيير، ولا بد من الاعتياد عليه، لذا لم أتذمر ولم أنزعج من التحديث الأخير لماسنجر، بل حين سمعت بوجود تحديث سعدت وأنا من قمت بتحديثه ولم أنتظر أن يتحدث تلقائيًا.
نعذر آباءنا الذين عاشوا في زمن كان للواقع سُلطته عليهم، فكانت الخيارات التي يقدمونها لنا محدودة كسَلَطة أمي، ونعذر أنفسنا في زمن له سُلطته، زمن التطور السريع والتنوع الواسع، فصرنا نصنع سَلَطات عدة وكل سَلَطة بمحتويات مختلفة، ونقدم أصنافًا عدة من الطعام في سفرة واحدة، كل ذلك من أجل ألا تنفلت سُلطتنا على أبنائنا ولا نقيدهم ونقمعهم في زمن لا يجدي فيه معهم ذلك.