نفي الذكورة!



حسان الجودي
2024 / 10 / 20

يحب ذكورته البيولوجية، لكنه يرفض الذكورة الثقافية التي تجعله يشعر بأنه مُضطَهِد وقامع للمرأة، حتى وإن لم يكن يرغب في ذلك. إن امتلاكه للشَّعر على وجهه، وخشونة صوته، وصفات جسدية أخرى تجعل منه كيانًا يعتبره البعض تهديدًا، حتى لو لم تكن هذه نيته.
لا يحب المبالغات الفكرية أو العاطفية، لكنه يؤمن بأن فكرة “البراءة البيضاء” صحيحة إلى حد ما. هذه النظرية، التي طورتها جلوريا والدو، تستكشف كيف ينكر الأشخاص البيض دورهم في الهياكل العنصرية بينما يستفيدون من الامتيازات التي تمنحها لهم.
وفي كتابه الشهير “Masculinities” (الرجولات) الصادر عام 1995، يناقش كونيل كيف أن جميع الرجال، بغض النظر عن مواقفهم الشخصية، يستفيدون مما يسميه “العائد الوطني” (patriarchal dividend) - وهي المزايا التي يحصل عليها الرجال من الهيمنة الجماعية للرجال على النساء في المجتمع. وفقًا لكونيل، حتى الرجال الذين لا يتبنون بنشاط الأيديولوجيات الذكورية أو يعارضونها صراحة، لا يزالون يستفيدون من الامتيازات الممنوحة لهم في مجتمع أبوي. هذا يشبه إلى حد كبير فكرة “البراءة البيضاء” في سياق العرق.
****
إن وجود الرجل، بقوة عضلاته وشكله الظاهري، يُعتبر تلقائيًا رمزًا للهيمنة، حتى لو لم يكن يؤمن بذلك. وجود صفات ذكورية مثل العضلات البارزة أو الشعر الكثيف على الصدر يُفسر كإشارة للقوة والسيطرة، ما يجعل من الصعب على الرجال والنساء الهروب من قوالب اجتماعية محددة، حتى وإن كانت نواياهم الطيبة.
الأمر يشبه ما يواجهه الأشخاص ذوو البشرة البيضاء؛ مجرد امتلاك هذه الصفات يُفسر كإشارة غير مباشرة للهيمنة أو التمييز، حتى لو تم انكار هذا الدور أو تمت محاولة مقاومته. هكذا تضعنا السياسات الاجتماعية والثقافية في صراع داخلي، وتجعلنا نخوض جدالات لا تنتهي حول هوية لم نختَرها ولكنها تفرض علينا مواقف وأدوارًا اجتماعية غير مريحة.
***
يؤمن بأن المرأة قادرة على صنع المعجزات والإبداع بفضل طاقات استثنائية تمتلكها ، وأنها حالة ميثيولوجية لا يمكن التخفف أبداً من حمولاتها الرمزية الشعرية والروحية وأنها حالة واقعية جذورها تتشابك مع جذور التراب . لكنه يشعر بالإحباط حين تصبح ذكورته البيولوجية عائقًا أمام بناء علاقة متكافئة، وحين ترضخ المرأة بدورها لضغوط المجتمع، ويرضخ هو أيضًا رغم رفضه لهذه القيود.
في النهاية، كلاهما ضحية وصاحب مسؤولية نتيجة لأدوار اجتماعية وبيولوجية لم يختاراها. ومع كل هذه التناقضات، يحب أن يعتذر، سواء أخطأ أم لا . يحب الاعتذار عن وجوده القسري كذكر في عالم يستغل ذكورته لإدامة قمع المرأة واستمرار الظلم الاجتماعي. يعتذر بكل صدق عن دوره، ويقدم باقات من أزهار عباد الشمس لنساء حياته، الأم والأخت والزوجة والابنة والصديقة والزميلة ، كرمز لتقديره واحترامه النقي لهن.