عجلة التاريخ تدور أحيانا إلى الوراء



جيلاني الهمامي
2024 / 10 / 24

كان يفترض أن تحتفل نساء تونس، ورجالها أيضا، هذه السنة بذكرى الإعلان عن مجلة الأحوال الشخصية الذي تم اعتماده لهذا السبب عيدا وطنيا للمرأة، وهن في أوضاع أفضل من يوم 13 أوت 1957 تاريخ الإعلان عن المجلة. فمنذ ذلك اليوم طوت عجلة التاريخ أكثر من نصف قرن شهدت فيها تونس، تماما كما جرى في العالم قاطبة، تحولات كبرى وعميقة أثرت بشكل واضح في أوضاع النساء. وقد خاضت المرأة التونسية، في غضون ذلك، نضالات كثيرة ومتنوعة بغاية تعميق الإصلاحات التي جاءت بها المجلة منذ حوالي سبعين سنة هذا إلى جانب تفعيل رصيد المكتسبات التي تراكمت على النطاق العالمي طوال هذه المدة.
لذلك يفترض أن تكون أحوال المرأة التونسية اليوم أفضل من أي وقت مضى وهي التي تتمتع لا فقط بمكتسبات المجلة، على محدوديتها، وإنما أيضا بما جاء في جملة التشريعات الدولية (اتفاقية سيداو وما شابهها) والتشريعات المحلية (القانون عدد 58 المتعلق بالعنف ضد النساء). وما تحقق في باب نمط العيش والعلاقات بعد أن اندحرت الكثير من التقاليد البالية وباتت المرأة "تنعم" بعناصر تقدم جديدة قد تبدو اليوم غير ذات أهمية ولكنها تمثل نقلة جوهرية في النمط المجتمعي (الاختلاط والاندماج بسوق الشغل واقتحام الفضاء العام الخ...).
كان يفترض إذن أن تكون أوضاع اليوم أفضل من حالة الامس. ولسنا في حاجة للكثير من الخيال لنتوقع ما كان ينبغي ان يحصل من إضافات إيجابية في رصيد مكاسب المرأة والاسرة والمجتمع. فكان يفترض أن تتمتع المرأة اليوم بحق فعلي في الشغل وبأجر متساو حقا مع الرجل وبحقها في التواجد في مراكز القرار في الدولة والهياكل والمؤسسات وأن تمّحي تماما جميع مظاهر التمييز ضدها واشكال التحقير والحط من مكانتها وأن تتمتع في الاسرة بنفس حقوق الرجل في علاقة بشؤون الاسرة والبيت والأطفال والممتلكات وأن تتمتع بما يتمتع به الرجل في مجال الميراث، وفي كلمة أن تتمتع بالمساواة التامة والفعلية في الاسرة والشغل والمجتمع.
لكننا وللأسف لا نجد في واقع حياتنا اليوم تقريبا شيئا من هذا بل ما نلاحظه هو أن أوضاع النساء برغم الترسانة القانونية الدولية والمحلية، لم تتحسن إن لم نقل قد تراجعت عما كانت عليه مقارنة بفترات سابقة وخاصة ما كانت عليه في السنوات التي أعقبت الثورة.
مازالت المرأة في تونس تعاني من كثير من تقاليد وأفكار المجتمع الذكوري المحافظ والرجعي في عديد المجالات. ومازالت حتى اليوم عرضة لكل مظاهر التمييز والتحقير. ونحاول في هذا العدد من "مساواة" التي تعود للصدور بعد طول انقطاع رصد هذه الحقائق وتشخيص أوضاع المرأة الراهنة بدقة وتسليط الضوء على بعض الآفات القديمة/الجديدة المسلطة عليها. ونقدم في معرض الحديث عن المطالب رؤية جديدة بخصوص التعاطي مع مجلة الأحوال الشخصية، رؤية تنسجم مع طرحنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي (الطبقي) العام الذي نتبناه في تغيير أوضاع بلادنا، طرح الديمقراطية الشعبية.
ونرجو أن تسترعي هذه الرؤية اهتمام المناضلات وفعاليات النشاط النسوي وعموم المناضلين من أجل الديمقراطية والحرية والكرامة الوطنية والعدل والمساواة. ونحن على قناعة بأن نسف أسس التمييز والمساواة من قاعدته الاجتماعية هو المدخل لفسخة في مستوى الأفكار والاعتقادات والتقاليد. لأن الاكتفاء بالترقيعات والإصلاحات الجزئية فضلا عن أنها لا تقضي على التمييز المسلط على المرأة فإنها تشكل على الدوام مدخلا للارتدادات ومحاولات العودة الى الماضي المتخلف ودفع عجلة التاريخ للسير إلى الخلف.