عن المرأة في ريف العراق



نساء الانتفاضة
2024 / 10 / 24

ألفت الدكتورة اللبنانية "سوسان جرجس" كتابا في الحقل الأنثروبولوجي، تناولت فيه "المرأة الريفية وواقع تملكها لجسدها"، واختارت بقعة من لبنان "سهل عكار"، وقد بحثت بشكل تفصيلي حياة المرأة في هذا السهل، متتبعة كل تفاصيل حياة النساء هناك، خصوصا وان مجتمع سهل عكار هو مجتمع زراعي بطريركي، أي أنه مجتمع ذكوري خالص، وقد خلصت الدكتورة سوسان في بحثها الرصين هذا الى "ان المرأة كما الرجل بجسديهما وهويتهما وكل المنظومة العلائقية التي يقيمانها، انما هما نتاج بنية سوسيو-ثقافية قد صاغتهما"، مؤكدة ان هذه المحاولة "أولية لكسر جدار الصمت حول اكثر المواضيع قدسية في المجتمعات البطريركية، والريفية منها خاصة".

يفتقر العراق لمثل دراسات كهذه، مع ان الاحصائيات الأخيرة تشير الى ان هناك ما يقارب الستة ملايين امرأة تسكن في ارياف العراق، ويمثل هذا الرقم نسبة كبيرة من عدد السكان، ورغم هذا العدد الكبير الا انه لا توجد اية دراسة او بحث تفصيلي عن واقع النساء في تلك الأرياف؛ صحيح جدا ان قضية بحث المرأة في ريف العراق تجد إشكالية كبرى، متمثلة بالنظرة الذكورية التامة، أي ان المرأة محاطة بتقاليد واعراف عشائرية ودينية تفرض عليها ان تكون سرا لا يمكن التعرف عليه؛ وقد يكون هذا احد اهم العوائق في بحث قضية المرأة الريفية.

ترتفع نسب الامية بشكل كبير بين أوساط النساء الريفيات، 27.3% من النساء لا تقرأ او تكتب، بينما لا تستطيع سوى 1.8% منهن اكمال دراستهن الى مراحل متقدمة، إضافة الى حرمان نسبة عالية جداً منهن من الحصول على فرصة عمل اذ تبلغ نسبة النساء الريفيات الناشطات اقتصادياً 8.6% فقط.
امام احصائيات كهذه فأن المشكلة تكون أكثر تعقيدا، فالأمية تعني زيادة جهل النساء بحقوقهن، وعدم تعليمهن هو فعل متعمد من قبل ذكور العائلة، فهو يحتاج اليها كأداة منتجة طيعة، لا يشغلها سوى الأرض المزروعة وحيوانات الحقل "ابقار، اغنام"، وأيضا يقع عليها تربية الأطفال، فالتعليم قد يفتح افاقا جديدة لها، وهو ما يعده ذكر العائلة سحب جزء من سلطته عليها.

ان الأوضاع الحياتية للمرأة الريفية هي الأكثر بؤسا، فهي لا تملك من حياتها أي شيء، فمثلا ان زواج الصغيرات ينتشر بشكل كبير في مجتمعات الأرياف، ما يعرض الكثير منهن الى امراض عديدة خصوصا عند الحمل والانجاب، وقد تؤدي الى الوفاة، فحسب بعض الاحصائيات فأن نسبة زواج الصغيرات ارتفع بشكل ملحوظ الى ان وصل 30%، وهي نسبة تزداد سنويا، خصوصا إذا تم تشريع قانون التعديلات على قانون الأحوال الشخصية، الذي يبيح الزواج من الصغيرات ذوات التسع سنين.

المشكلة الأخرى التي تواجه المرأة الريفية هي الانتهاكات الجسدية الخطيرة، فأن القوانين الذكورية تبيح ضرب المرأة بشكل عنيف، والشيء الأكثر عنفا وانتهاكا هي قضية "الختان"، فالإحصائيات "وزارة التخطيط 2018" اظهرت نسبة 8.3% من النساء الريفيات في عمر 15-49 تعرضن الى شكل من اشكال ختان الاناث، خصوصا في مدن إقليم كوردستان، فأن احصائيات الأمم المتحدة 2019 أظهرت ان ما يقارب ال 40% في عمر 15-49 من النساء تعرضن لعملية ختان، بعد ان قاربت ال 60% عام 2011.

ان هذا الواقع هو جزء صغير من صورة أكبر لحياة المرأة الريفية، وهو واقع مأساوي ومؤلم جدا، تحتاج المرأة الريفية الى لفت الأنظار اليها، وفضح ذلك الواقع ومحاولة تغييره، وهي ليست سهلة ولكنها غير مستحيلة، فهناك جزء كبير من النساء يتعرضن لأسوأ أنواع الانتهاكات والقمع، لهذا فأن الوقوف امام هذه القضية هو التزام انساني خالص.

طارق فتحي