|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
سلام نورس
!--a>
2024 / 11 / 6
يقول البعض، او الكثيرون، عند الحديث عن التخلف الثقافي والاجتماعی والعلمي المخيف الذي يعيشه المجتمع العربي لقرون وعقود، ان العرب والمسلمين "لديهم مشكلة". لكن قبل أن أٌروي (بضم الالف) عطش فضولكم بحل لغز عنوان هذه السطور والدخول في صلب الموضوع، دعوني اشير باختصار الى اسباب تدرج وصعود رموز وشخصيات بعض الجاليات والشرائح الاثنية في المجتمعات الغربية الحاضنة كالجالية اليهودية مثلا والتي هي في الحقيقة لم تعد جالية بالمعنى الدقيق للكلمة بل من صلب المجتمع منذ زمن بعيد.
يهود أميركا على مدى عقود طويلة ينفذون في دائرة صنع القرار الاميركي بهدوء وبلا اضواء عبر التجارة والبزنس والاعلام والفن وصناعة الافلام وما الى ذلك. بل ويغيروا اسمائهم الى اسماء انكلوساكسونية في اميركا وبريطانيا تتناسب مع ثقافة المجتمع الذي يعيشون فيه وهو شي في مكانه تماما بل هو احد الاسباب الهامة التي استطاعت فيه اسرائيل عبرهم (اللوبي) التفوق على العرب في كل المجالات. على عكس العرب والمسلمين الذين حين يلجأون او يهاجرون الى بلاد "الكفار" يزدادون تعصبا وتشددا واكثر اظهارا واجهارا بدينهم وثقافتهم فينعزلون عن المجتمع الحاضن ويعيشون حياة موازية منفصلة عن بيئتهم فيصبحون مجرد كيانات منغلقة على نفسها عديمي الفعالية و التاثير!
طلعت علينا قبل ايام سيدة مقيمة في الولايات المتحدة من اصول عربية مصرية يقال انها فنانة معتزلة تحجبت منذ سنوات، طلعت في عيد "الهالوين" داعية جيرانها للماكولات والحلوى، لكن للاسباب الخطأ. تركت هذه السيدة رسالة على باب منزلها في احدى الولايات الاميركية وجهتها لجيرانها المحتفلين بهذه المناسبة، تقول: "أنا آسفة للغاية، لكننا لا نحتفل بعيد الهالوين، لكن سأفتح منزلي خصيصاً لكم غداً الجمعة، من الساعة 5 إلى 7 مساء، مع فطائر مصنوعة في البيت وحلوى الشوكولاتة". وتابعت: "زيارتكم تعني الكثير بالنسبة لي، وبينما لا أستطيع تقديم أي حلويات للهالوين اليوم (الخميس)، فأنا متحمسة لمشاركة شيء مميز معكم غداً". قد يقول البعض كان ذلك التفاتة طيبة منها. لا، ليس كذلك. فلا داعي لتنغيص احتفالهم بالمناسبة بتقديم حلوى في اليوم التالي ل "الهالوين" وليس في ليلتها!. كان الاجدر بها ان تصمت ولن يلومها احد. بالمناسبة ليس كل الناس في اميركا او بريطانيا وايرلندا يتحتفلون بهذه المناسبة.
بالطبع ان قول هذه السيدة انها لا تحتفل ب "الهالوين" (وهو من حقها بالطبع) نابع من معتقد و دوافع دينية. وهو ينم عن تعصب وتزمت في العقيدة التي لا نلمسها سوى لدى الاسلاميين والمسلمين المتشددين الذين يملأون بلاد "الكفر" هذه الايام. لكن هالوين بل حتى عيد كريسمس اصلا ليستا مناسبات دينية بالمعنى الضيق والدقيق للكلمة. قد تكون بالظاهر لهما جذور دينية مسيحية لكن في الحقيقة هي مناسبات اجتماعية ثقافية لا علاقة لها بالدين كما هو رمضان مثلا للمسلمين. فعدم الاشتراك او التهنئة بها لا معنى له ويعبر عن تعصب في غير مكانه. بالمناسبة هالوين يرمز ايضا للاحتفال بيوم الانتقال من الخريف الى الشتاء ويحتفل به الصغار والكبار للتسلية ليس الا . فما المشكلة في هذا؟
قد يرى البعض ان هذه مجرد قضية بسيطة عابرة لا تستحق الاهتمام. ليس بالضبط. اذ هي تعبر في الحقيقة عن "المشكلة" لدى العرب والمسلمين التي اشرنا اليها سابقا. فهي تعبر عن الخلل في العقلية الضيقة وسلوكهم الغريب واصرارهم على عدم الاندماج في المجتمعات الغربية ومشاركتها افراحها واحزانها. وهذا هو احد الاسباب التي يجعلهم يتخلفون عن غيرهم من الاثنيات والجاليات الاخرى في المناصب والمواقع العامة، متقوقعين داخل فقاعاتهم الاجتماعية بعيدا عن البيئة الاجتماعية ل "الوطن" الذي جاءوا للعيش فيه. وهذا ما يقودنا الى قصة المرأة البريطانية السوداء.
قبل ايام جرى انتخاب كيمي بادينوك، وهي سيدة سوداء بريطانية من اصل نايجيري، زعيمة لحزب المحافظين وربما رئيسة وزراء بعد اربعة اعوام في الانتخابات المقبلة في حال ظلت زعيمة للحزب. لو كانت هذي السيدة تنحو نفس منحى العرب والمسلمين في تمنعها من الانتماء لبريطانيا الوطن لما كانت قادرة على ان تصبح حتى سكرتيرة في مكتب بسيط في اي دائرة حكومية، ناهيك عن رئيسة احد اكبر الحزبين الرئيسيين في البلاد. ليس لان القانون لايسمح لها بذلك او ان هناك تمييزا ضدها. كلا ، لكن لانها بهذا المنطق ستظهر مدى تعصبها ورفضها لقيم وثقافة المجتمع الذي تنتمي اليه.
وفي الحديث عن تحجب العربيات في الغرب وامتناعهن عن المشاركة في المناسبات الاجتماعية وحقوق المرأة وحرية اللباس، نشير هنا الى قصة المرأة او الفتاة الايرانية التي شغلت الاعلام الايراني وغيره في الداخل والخارج على مدى اليومين الاخيرين. غالبية النساء الايرانيات ما قبل وبعد حراك "مرأة حياة حرية"، على خلفية مقتل جينا مهسا اميني على يد قوات الامن الايرانية قبل اكثر من عامين بسبب عدم ارتدائها "الحجاب المناسب"، يؤكدن بان عدم ارتداء الحجاب هو خيار وحق طبيعي للمراة كما يكون ارتداؤه حقا وخيارا بالقدر نفسه لمن تختار ان ترتديه.
قد يكون اجحافا القول ان غالبية النساء العربيات والمسلمات في الشرق الاوسط وفي اوروبا واميركا، يُجبَرن على ارتداء الحجاب و"التديّن" من قبل اسرهن او ازواجهن. فهناك العديد منهن يتدين ويتحجبن عن ايمان و قناعات شخصية. لكن صحيح ايضا في نفس الوقت ان كثير من هؤلاء يفعلن ذلك اما اكراها او تشجيعا او تلقينا من ازواجهن او اسرهن. ولو كانت هذه الظاهرة موجودة في المجتمع العربي، باعتباره مجتمعا ذكوريا شوفينيا (الذكورية الشوفينية) في غالبيته، لكنها غير حاضرة في المجتمع الايراني باعتباره اكثر انفتاحا و"ليبرالية" اجتماعيا من المجتمعات العربية، وان الغالبية المطلقة للنساء الايرانيات يرفضن الحجاب الالزامي بحسب استطلاعات غير رسمية. والسؤال هو لماذا "تتبرج" المرأة الايرانية في ايران وخارجها وتخلع الحجاب حالما تقلع الطائرة من المطارات الايرانية وتناضل وتخاطر بحياتها وتضحي بدمها من اجل حقها في اختيار لباسها وزيها، بينما تصر العربيات على عكس ذلك! وهذا موضوع منفصل والاجابة على هذا السؤال يتطلب دراسة منفصلة.
لازالت المرأة الايرانية تخوض يوميا نضالا مريرا ضد قانون الحجاب الالزامي تحقق فيه انتصارات على النظام في هذا المجال. آهو دريائي، طالبة جامعية تدرس في كلية العلوم والابحاث العلمية في جامعة طهران. وترجمة اسمها الى العربية، والذي يعني ريم او غزال البحر، له دلالة ورمزية خاصة. اذ اعلنت هذه الشابة تمردها على النظام والقوانين المجحفة بحق المرأة بطريقة درامية و "صادمة" (للنظام) جعلته يهتز رعبا من تحديها له امام الملأ وفي وسط الحرم الجامعي والشارع. فعندما بادرت شرطة الاخلاق المسؤولة عن فرض الحجاب بتوبيخها وتعنيفها وأمروها بارتداء الحجاب ب "طريقة مناسبة"، رفضت قائلة انها حرة في اختيار طريقة لباسها. فضايقوها وحاولوا ارغامها جسديا بالقوة على تعديل حجابها. فسقط الحجاب من على رأسها وتمزق جزء من ثيابها. فما كان منها الا ان تفعل ما وصفته مواقع ايرانية في الخارج وشخصيات حقوقية ونسوية ايرانية بالعمل الشجاع المتمرد. ففي خطوة جريئة خلعت الفتاة بنطالها وقميصها ورمت بثيابها بغضب بوجه الشرطة امام انظار قوات الامن المرتبكة. وخرجت الى الشارع عارية بملابسها الداخلية. فلاحقوها محاولين الامساك بها. لكن قبل ان يتمكنوا من ذلل خلعت ملابسها الداخلية ايضا وتعرت بالكامل. حتى التف حولها عدد كبير من رجال الامن رجالا ونساء وقبضوا عليها بعنف والقوا بها في سيارة الشرطة التي كانت بانتظارها ونقلوها الى خارج المكان، قيل فيما بعد الى مستشفى "الامراض العقلية" بحسب مصادر النظام مدعين انها تعاني من "امراض نفسية"!!
ما قامت به آهو(ريم)، الفتاة الايرانية الجريئة، اثبت مرة اخرى عجز النظام عن مواجهة النساء الايرانيات المناضلات الشجاعات. وان النظام لم يعد قادرا على تطبيق قانون الحجاب الالزامي على المراة الايرانية. هكذا تتحدى النساء الايرانيات بشجاعة بشتى الطرق آلة القمع العسكرية والاجتماعية للنظام الاسلامي القمعي وولاية الفقيه رافضة الحجاب الالزامي، بينما "تختار" كثير من النساء العربيات في المجتمعات الغربية التحجب والتعصب الديني والمذهبي، بل ويرفضون المشاركة في اعيادها ومناسباتها الاجتماعية كالهالوين واعياد كريسمس!
أليس من غير المستغرب ان نرى العرب في اميركا وبريطانيا واوروبا عامة لا دورفاعل لهم في الحياة العامة ويعيشون في مجتمعاتهم المصغرة منفصلين عن المجتمع الاكبر الذي يؤمن لهم العيش ويحمي حقوقهم، مصرين على التمسك بدينهم وثقافتهم وقيمهم ولغتهم على حساب الاندماج الايجابي في مجتمعاتهم الحاضنة لهم. وما هو محزن اكثر هو انهم اختاروا ان يكونوا هكذا!!
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|