كنتُ سأكون...*محمود لا يخون*(ح3)



كريمة مكي
2024 / 11 / 7

اشتدّ بنا الخوف ثلاثتنا و صار البيت مصدر رعب لا أمن و حين حاولت أن أُحكم غلق باب الشقة بأن شرعت في وضع طاولة الفطور خلفه، قال لي بصوت خفيض: أرجوك لا ترعبي الطُّفلة.
كان حبّه لابنتنا أقوى من كل حبّ و تصوّرتُ لوهلة أنه قد يقدم على الانتحار لألاّ تراه في هذه الحال و ربما ليتخلّص مرّة واحدة من هذا الوضع المرعب الذي وجد فيه نفسه و لم يحسب له حسابا هو الذي كنت أجده أعجوبة في الذكاء و خاصة في الحساب!
كنت أمرتُ ʺبيّةʺ أن تلزم غرفتها فالتزمت.
كانت، هي أيضا في أسوأ حالاتها و لحسن حظها بقي برفقتها على الفايسبوك صديقتين من معهدها ʺالإمام مسلمʺ بالمنزه.
كنت أدخل غرفتها و أحاول أن أخفف عنها من هول الكارثة و أوصيها كيف تتعامل مع ʺبوهاʺ بحذر فهو في شبه انهيار كامل.
كانت تبكي لحاله و لحالها...
كانت مصدومة كيف لم يرد عليها بعض أصحابها و كانوا يتوددون إليها من قبل بل إنّ فيهم من نشر صورا لرجال الرئيس داعيا لشنقهم و ليس فقط سجنهم...و كانت صورة والدها معهم...!
ما أثقل عليها و هي في هذه السن، أن تعرف حقيقة تلك المودّة السابقة التي عرّتها أمامها بقوّة ثورة الحقد المفاجئة.
قلت لها: لا تهتمي كثيرا و لا تنصدمي فهذا حال الناس دائما... دائما مع الواقف: إمّا مع صاحب السلطة أو مع أصحاب المال.
المهم ألا نسقط كما يتمنون لنا!! المهم أن نثبت و نسند بعضنا.
أبوك لم يسرق يا بيّة... و ها نحن نعيش في شقة صغيرة و برواتبنا لا غير فان وجدوا عندنا أموالا مسروقة فليأخذوها.
لم أكن أدري وقتها أنّ الرئيس أعطاه قطعة أرض على البحر قريبا من قصره في الحمامات و أنه ليبنيها حصل على قرض كبير من بنك عمومي بدون ضمانات...
لماذا أخفى عليّ ذلك؟؟؟
هل كان يبنيها لنا أم أضمرها لامرأة أخرى؟!
أتراه كان سيفعل ما فعل رئيسه يوم قبض على السلطة فأهدى قصر الحكم لليلى الطرابلسي و ليس لزوجته وقتها!!
لا...هذا لا يكون...محمود لا يمكن أن يخون...!
محمود لا يرى في النساء غيري...
أنا أكثر من يعرف هذا.
كل من عرفهن من قبل كان قبل الزواج بي.
محمود كان فقط مأخوذا بالسياسة و ها قد ذهبت السياسة و تأكّد أنّ الزوجة الصالحة هي من يبقى حين يغدر الباقون.
من يزوره اليوم في السجن غيري؟؟؟ من تتحمّل من أجله ما تتحمّل؟ من تغسل ثيابه و تحمل له القفة غيري؟ من تقوم الليل لتدعو ربّها حتى ينجيه من هذا الكرب؟
محمود يحبني و لكنّه يخفي حبّه دائما...أنا أعرف هذا و لذا أنا أحبّه أكثر من نفسي و أتمنى لو أدخل السجن مكانه و أهديه الحرية التي لا أتمنى له اليوم سواها!
و لكن لماذا لم يفكر أن يفرحني بالبيت المنتظر؟؟؟
لماذا أخفى عليّ أمر قطعة الأرض هذه؟؟؟
(يتبع)