|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
خليل إبراهيم كاظم الحمداني
!--a>
2024 / 11 / 15
(1) مقدمة:
- يشهد العالم العربي، برغم التقدم الملحوظ في بعض المجالات، استمرارًا مُقلقًا للعنف ضد المرأة، وخاصةً ضد نساء الأقليات والفئات المستضعفة. يتجاوز هذا العنف مجرد أعمال فردية، بل يُمثل انعكاسًا لِهَشاشةٍ متقاطعةٍ تتشابك فيها عوامل اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية. يُسهم هذا الترابط المعقد في خلق بيئة مُهيئةٍ لاستمرار العنف والتهميش، وتُزيد من صعوبة الوصول إلى حلولٍ فعالة. هذا البحث يُقدم منظورًا تحليليًا مُعاصرًا لتجربة هذه الفئات المُستَهدَفة، من خلال استكشاف البُنى الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تؤدي إلى استمرار العنف والتهميش. يتناول البحث حالاتٍ مُحددة مثل النساء من الأقليات العرقية واللغوية والدينية، النساء ذوات الإعاقة، النساء اللاجئات والنازحات، النساء المنحدرات من أصل إفريقي، النساء العاملات في الخدمة المنزلية، والنساء الريفيات. يُسعى البحث من خلال هذا التحليل العميق إلى كشف آليات استمرار العنف والتهميش، مُقدمًا إطارًا نظريًا مُمكنًا للوقاية والعلاج. سيتم اتباع منهج تحليلي وصفي، مستخدمًا أدوات التحليل النقدي والنوعي لِدراسة هذه الظاهرة المعقدة في سياق المنطقة العربية. تهدف هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على هذه الفئات التي تعاني من تداخلات متعددة من العنف، وتسعى إلى ربط هذا العنف بأسباب اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية.
(2) إطار نظري :
- مفهوم العنف الهيكلي والتداخلات ونظرية التقاطع الاجتماعي
أ) مفهوم العنف الهيكلي والتداخلات
- يعد مفهوم العنف الهيكلي أو العنف البنيوي إطارًا يتجاوز الفهم التقليدي للعنف كأفعال فردية أو جسدية بحتة، ليشمل النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي تنتج عنه ظروف تدفع الفئات المهمشة للعيش تحت ضغوط تمييزية مستدامة. العنف الهيكلي ليس عنفًا ظاهرًا يمارسه فرد تجاه آخر؛ بل هو عنف متجذر في المؤسسات والهياكل الاجتماعية التي تخلق قيودًا وفرصًا متفاوتة للمجموعات المختلفة، حسب الهوية والطبقة والنوع الاجتماعي. وتُعد النساء المهمشات أكثر الفئات عرضة للعنف الهيكلي، إذ يقعن ضحايا للتمييز الاجتماعي والاقتصادي، فضلًا عن محدودية فرص الوصول إلى الموارد والخدمات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية والأمن الوظيفي.
- يمتد هذا النوع من العنف ليشمل أيضًا العنف المؤسسي، وهو الذي تمارسه المؤسسات العامة والخاصة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فعلى سبيل المثال، تساهم القوانين التمييزية أو السياسات العامة في إقصاء الفئات المستضعفة. ولتوضيح كيفية تأثير العنف الهيكلي على النساء المهمشات، يمكن النظر إلى النساء ذوات الإعاقة اللواتي غالبًا ما يجدن أنفسهن غير قادرات على الوصول إلى الخدمات الأساسية، أو اللاجئات اللواتي يفتقرن إلى الحماية القانونية الكافية ويواجهن ظروفًا معيشية قاسية تعيق قدرتهن على الوصول إلى حياة كريمة.
- التداخل بين النوع الاجتماعي والمكانة الاجتماعية يعزز من حجم العنف الهيكلي الذي تتعرض له النساء المهمشات، وذلك لأنهن يعشن في تقاطع عدة هويات تزيد من تهميشهن. النساء من الأقليات الدينية أو العرقية، مثلًا، لا يُواجهن التمييز فقط لأنهن نساء، بل لأنهن ينتمين أيضًا إلى مجموعات ثقافية أو عرقية مستضعفة، مما يجعلهن عرضة لمستويات مضاعفة من العنف، سواء من أفراد المجتمع أو من النظام القانوني والمؤسسي. لذلك، فإن فهم العنف ضد النساء المهمشات يتطلب مقاربة شمولية تراعي هذا التداخل، وتحلل العلاقة بين النوع الاجتماعي والمكانة الاجتماعية على نحو معقد يعكس الواقع المتداخل لحياة هؤلاء النساء.
ب) نظرية التقاطع الاجتماعي
- ظهرت نظرية التقاطع الاجتماعي كإطار تحليلي يتناول كيفية تداخل العوامل الاجتماعية المختلفة، مثل العرق، والطبقة، والنوع الاجتماعي، والهوية الدينية، في خلق تجارب فريدة ومعقدة من التمييز والعنف. وقد تمت صياغة هذه النظرية في الأصل من قبل العالمة كيمبرلي كرينشو في سياق نضال النساء السود في الولايات المتحدة، حيث سعت إلى إبراز أن التمييز لا يتم على أساس عامل واحد (كالنوع الاجتماعي أو العرق فقط)، بل من خلال تقاطع عدة عوامل تخلق تجارب فريدة لكل مجموعة.
- تعتمد هذه النظرية على تحليل التجارب المركبة للعنف والتمييز، إذ تتعرض النساء من الأقليات العرقية والدينية، على سبيل المثال، لعنف يتجاوز مجرد كونه عنفًا قائمًا على النوع الاجتماعي؛ فهو عنف يعكس تفاعل عدة عوامل تمييزية تتعلق بانتماءاتهن العرقية والاجتماعية والدينية. ويتمثل العنف هنا في صور متعددة، منها العنف الجسدي، والاستغلال الاقتصادي، والتحرش، والإقصاء الاجتماعي.
- نظرية التقاطع الاجتماعي، كما طرحتها كيمبرلي كرينشو في مقالها "استكشاف الهامش: التقاطعية، سياسات الهوية والعنف ضد النساء الملونات"، تُعنى بدراسة كيفية تفاعل أبعاد الهوية المختلفة (مثل الجنس، العرق، والطبقة) بشكل متداخل يؤثر في تجارب الأفراد المعقدة. كرينشو تشير إلى أن الهويات المتعددة للفرد تتداخل بطرق تتسبب بتجارب تمييزية لا يمكن فهمها من خلال بعد واحد فقط من الهوية، كالجنس أو العرق وحدهما.
على سبيل المثال، تناولت كرينشو حالات النساء الملونات اللواتي يعانين من العنف المنزلي، حيث وجدت أنهن يتعرضن لقهر متعدد الأبعاد بسبب كونهن نساء وملونات في مجتمع يهمّشهن ويضعهن في مواجهة تحديات مثل العنصرية والأبوية والفقر. هذا التداخل يخلق ظروفًا تزيد من صعوبة وصولهن إلى الموارد أو الدعم اللازم للتغلب على العنف.
تشير كرينشو إلى أن السياسات النسوية والحركات المناهضة للعنصرية غالبًا ما تتجاهل تلك التقاطعات، حيث ينصبّ تركيز النسوية التقليدية على تجارب النساء البيض، بينما تتعامل الحركات المناهضة للعنصرية مع قضايا الرجال الملونين. وبهذا، تهُمش النساء الملونات في كلا السياقين. تطالب كرينشو بمقاربة شاملة تضع في الاعتبار هذه التعقيدات لتوفير استجابات أكثر فعالية للنساء اللواتي يعشن في ظروف متعددة الأبعاد من التمييز.
ج) تطبيق منهجية التقاطع الاجتماعي على العنف ضد النساء المهمشات
- يتطلب تطبيق نظرية التقاطع الاجتماعي على دراسة العنف ضد النساء المهمشات تحليل أعمق للطرق التي تؤدي بها تداخلات الهويات إلى خلق تجارب فريدة من التهميش. وفي السياق العربي، يمكن لهذه المنهجية أن تكشف عن كيف يُفاقم التمييز العرقي، والاختلافات الطبقية، والقيود الثقافية من العنف ضد النساء من الفئات المستضعفة، مثل النساء الريفيات أو النساء العاملات في الخدمة المنزلية.
على سبيل المثال:
أ) النساء العاملات في الخدمة المنزلية: يعانين من التقاطع بين التمييز الطبقي، نظرًا لانتمائهن غالبًا إلى طبقات اجتماعية واقتصادية متدنية، وبين التمييز القائم على النوع الاجتماعي. إن تواجدهن في بيئات العمل المنزلية الخاصة يجعلهن عرضة للاستغلال وسوء المعاملة، وقد تزداد حالتهن سوءًا بسبب غياب الحماية القانونية الكافية.
ب) النساء اللاجئات والنازحات: تتعرض هؤلاء النساء للعنف القائم على تداخل هوياتهن كنساء بلا جنسية ثابتة أو حقوق قانونية، وكنازحات يواجهن تحديات اجتماعية واقتصادية جمة. فهن لا يواجهن فقط خطر التحرش أو العنف الجسدي، بل أيضًا صعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والعمل.
ج) النساء من أصل أفريقي أو من الأقليات العرقية: يعانين من التقاطع بين التمييز العنصري والتمييز الجنسي. ويشمل هذا التمييز الاستبعاد الاجتماعي، وصعوبة الوصول إلى وظائف كريمة، وتعرضهن للعنف في الفضاء العام أو في أماكن العمل، بالإضافة إلى التهميش الثقافي الذي يجعل من تجاربهن اليومية انعكاسًا للعنف البنيوي.
- يؤدي هذا الإطار النظري إلى بناء تحليل شامل لا يكتفي بوصف الأنماط التقليدية للعنف، بل يكشف عن البنى العميقة التي تستهدف النساء المهمشات، وكيفية تداخل العوامل المتعددة في إدامة هذا العنف. يساعد هذا الفهم في تسليط الضوء على الحاجة إلى مقاربات شاملة للتصدي للعنف، تتجاوز الحلول الجزئية أو غير المتكاملة، وتدفع نحو سياسات أكثر عدلاً ومراعاة للفئات المهمشة.
- في إطار تناول مفهوم العنف الهيكلي وتداخلاته، يمكن النظر إلى أشكال العنف المتعددة التي تواجهها النساء المهمشات في المنطقة العربية عبر سياقات محددة، مما يساعد على فهم أعمق لتأثير العوامل المؤسسية والاجتماعية المتشابكة على حياة هؤلاء النساء. يعزز هذا التحليل من أهمية تطبيق نظرية التقاطع الاجتماعي، ليشمل العوامل المتعلقة بالصحة، والعمل، والتمييز الثقافي، والصراعات وغيرها من السياقات المؤثرة. وفي ظل غياب إطار قانوني شامل لمكافحة العنف، ووجود ثقافة ذكورية مسيطرة، تغيب أو تتأثر الحماية المؤسسية للنساء بشكل سلبي.
1. العنف المتعلق بالصحة الجنسية والإنجابية والممارسات التقليدية الضارة
- العنف المرتبط بالصحة الجنسية والإنجابية يعد من أكثر أشكال العنف الهيكلي تأثيرًا على النساء، حيث تُحرم العديد منهن من حقوقهن الأساسية المتعلقة بالصحة والرفاهية. في العديد من المجتمعات العربية، تواجه النساء تحديات كبيرة في الوصول إلى الخدمات الصحية المناسبة أو اتخاذ قراراتهن المتعلقة بالصحة الإنجابية. كما تعاني النساء من الممارسات التقليدية الضارة مثل الزواج المبكر وختان الإناث، وهي ممارسات تُؤسس لها الأعراف الثقافية والمجتمعية، مما يجعلها جزءًا من العنف البنيوي المتجذر.
2. العنف المنزلي
- يعد العنف المنزلي من أكثر أشكال العنف انتشارًا واستمرارية في المجتمعات العربية، وقد يكون ممارسًا من قبل الزوج أو أحد أفراد الأسرة الآخرين. ونظرًا لغياب التشريعات الفعالة، تتعامل العديد من البلدان العربية مع هذا النوع من العنف بطريقة ضيقة ومحدودة، حيث يتم التركيز على معالجة العنف المنزلي فقط دون معالجة أنواع أخرى من العنف الهيكلي التي تساهم في ترسيخه. كما تلعب العوامل الثقافية والذكورية دورًا كبيرًا في إدامة هذا النوع من العنف، إذ يُعتبر شأنًا أسريًا لا ينبغي التدخل فيه، مما يمنع الضحايا من الوصول إلى العدالة أو طلب الحماية.
3. العنف في العمل، والعمل القسري، والاتجار
- في بيئات العمل، تتعرض النساء للعنف المرتبط بالجنس مثل التحرش الجنسي وسوء المعاملة، كما أن العاملات في الخدمة المنزلية يعانين من ظروف عمل قاسية، واستغلال، وعنف جسدي. في بعض الحالات، قد يكون عملهن ضمن العمل القسري أو حالات الاتجار، حيث يُستغلن كعمالة رخيصة. وتُظهر النساء اللواتي يعملن في بيئات غير رسمية أو في ظروف عمل قسرية تجارب فريدة للعنف ناتجة عن تقاطع العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تجعلهن أكثر عرضة للاستغلال والتمييز.
4. العنف المجتمعي وتجاوزات المسؤولين عن إنفاذ القوانين
- تعاني النساء من العنف المجتمعي الذي يمارسه الأفراد في الفضاء العام، كالتحرش الجنسي والاعتداءت اللفظية والجسدية. ويمتد هذا العنف أيضًا ليشمل تجاوزات من قبل المسؤولين عن إنفاذ القانون، مثل استخدام القوة المفرطة، والتحقيقات العنيفة، والاعتقال التعسفي. ويعتبر هذا النوع من العنف جزءًا من العنف الهيكلي الذي يتمكن من خلاله النظام من السيطرة والتهميش.
5. العنف في حالات الصراع وما بعد الصراع والطوارئ
- تعاني النساء في حالات الصراع وما بعده من عنف متزايد وتهميش، حيث يكنَّ عرضة للاغتصاب، والاعتداء، والاستغلال الجنسي، إضافة إلى الظروف القاسية في مخيمات اللجوء والنزوح. يشير هذا السياق إلى كيف تؤدي الصراعات والطوارئ إلى تفاقم العنف ضد النساء، خاصةً في ظل غياب المؤسسات القادرة على الحماية، وتفشي الفوضى والانهيار المؤسسي.
خلاصة: التحديات في المنطقة العربية
- في المنطقة العربية، تفتقر السياسات إلى إطار قانوني فعال وشامل لمناهضة العنف، حيث تركز القوانين غالبًا على العنف (الأسري) وتترك أنواع العنف الأخرى دون معالجة فعالة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الثقافة الذكورية والعوامل الاجتماعية التقليدية تعزز العنف وتحد من قدرات النساء في الوصول إلى العدالة. ويساهم غياب المؤسسات المعنية بمكافحة التمييز واستقبال الشكاوى في تأكيد هذا التهميش، مما يجعل هذه السياقات الخاصة للعنف أداة لتسليط الضوء على الحاجة لإصلاحات قانونية ومؤسسية تضمن حقوق النساء وتحميهن من كافة أشكال العنف المتعددة.
- وفي هذا الإطار نرى انه من المفيد تناول بعض الحالات كأمثلة وكما وردت في تقارير المقررة الخاصة المعنية بمسألة العنف ضد المرأة والفتاة وأسبابه وعواقبه
، يمكن الاستفادة من التقارير الصادرة عن المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء وأسبابه وعواقبه، التي قدمت نماذج واقعية تتناول التحديات التي تواجه النساء في هذه الفئات. وفيما يلي عرض تفصيلي لأمثلة حول هذه القضايا وسبل تناولها في البحث:
1. العنف ضد النساء فيما يتعلق بقضايا الجنسية
1.1.1.1 انعدام الجنسية وآثاره على النساء
- ذكرت المقررة الخاصة حالات متعددة تُظهر كيف يؤدي انعدام الجنسية إلى تفاقم تعرض النساء للعنف. فعلى سبيل المثال، تبرز التقارير حالات النساء في بلدان مختلفة مثل ميانمار ودول الخليج، حيث يتم حرمان النساء من الجنسية بسبب العرق أو الزواج المختلط، مما يعيقهن عن الحصول على الوثائق الرسمية الضرورية. هذا الحرمان من الوثائق يعرقل حصولهن على الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأساسية، ويعرضهن لعنف متعدد الأبعاد، مثل الاستغلال والاتجار بالبشر.
1.1.1.2 قوانين الجنسية التمييزية
- تواجه النساء في بعض البلدان قوانين جنسية تمييزية تمنعهن من نقل جنسيتهن إلى أطفالهن أو الاحتفاظ بها بعد الزواج من أجنبي. أشارت المقررة الخاصة إلى أن قوانين الجنسية في عدد من البلدان، مثل لبنان والأردن، تمنع النساء من منح الجنسية لأطفالهن، مما يؤدي إلى تبعية الأطفال والأمهات لمواقف قانونية هشة. تُظهر هذه الحالات أن هؤلاء النساء وأطفالهن يكونون عرضة للتمييز والعنف بشكل أكبر، إذ يفقدون الحماية القانونية الكاملة، مما يعرضهم للاستغلال والإهمال.
1.1.1.3 العنف المبني على الهوية القانونية
- تتحدث التقارير عن أن النساء عديمات الجنسية في بعض المناطق، مثل الروهينغا في ميانمار، يتعرضن للعنف الجنسي والاستغلال أثناء محاولات الفرار أو الترحيل، بسبب افتقارهن للحماية القانونية. وتشير المقررة إلى أن عدم الاعتراف القانوني بالنساء عديمات الجنسية يجعل من الصعب مساءلة مرتكبي العنف ضدهن أو حتى توفير حماية قانونية فعّالة لهن، مما يفاقم معاناتهن.
2. العنف ضد نساء الشعوب الأصلية
2.1. العنف العنصري ضد نساء الشعوب الأصلية
- تناولت المقررة الخاصة أوضاع النساء من الشعوب الأصلية في دول مثل كندا وأستراليا وأمريكا اللاتينية، حيث تتعرض النساء لممارسات عنصرية تشمل العنف الجسدي والجنسي، خاصة من قِبَل موظفي الدولة أو القوات الأمنية. في كندا، على سبيل المثال، تم الإبلاغ عن تعرض نساء من الشعوب الأصلية للعنف الجنسي على أيدي الشرطة، وغالباً ما تُهمل قضاياهن ولا تُحظى بالاهتمام المطلوب من السلطات، مما يزيد من مستويات الإفلات من العقاب.
2.2. العنف في سياق فقدان الأرض والتهجير القسري
- أشارت المقررة الخاصة إلى تعرض نساء الشعوب الأصلية في بلدان مثل البرازيل للمضايقات والعنف نتيجة لممارسات تتعلق بالتهجير القسري. فقد تضررت العديد من نساء المجتمعات الأصلية بسبب مشاريع استخراج الموارد التي تؤدي إلى تهجيرهن من أراضيهن، مما يجعلهن عرضة للاستغلال الاقتصادي والجسدي، بالإضافة إلى تقويض استقلاليتهن الثقافية والمعيشية.
2.3. العنف الاقتصادي والاجتماعي
- تناولت المقررة الخاصة أيضاً العنف الاقتصادي ضد النساء من الشعوب الأصلية، حيث يتم استغلالهن في أعمال غير مستقرة أو غير مدفوعة الأجر، خصوصاً في المناطق الريفية. تتعرض نساء الشعوب الأصلية لأشكال متنوعة من التمييز في مكان العمل، بما في ذلك عدم تكافؤ الأجور والتوظيف القسري. على سبيل المثال، في كولومبيا، تضطر النساء من الشعوب الأصلية إلى الانخراط في أعمال زراعية قسرية، مما يجعلهن عرضة لانتهاكات جسدية وجنسية في غياب الحماية القانونية.
3. تحديات الوصول إلى العدالة
3.1. الحواجز القانونية والاجتماعية
- تشير التقارير إلى وجود حواجز عديدة تحول دون قدرة النساء في هاتين الفئتين على الوصول إلى العدالة. فبالنسبة للنساء عديمات الجنسية، مثل تلك الحالات في العديد من دول الشرق الأوسط، يعد نقص الوثائق الرسمية عائقاً أمام تقديم الشكاوى أو التمتع بالحقوق القانونية. كما أن نساء الشعوب الأصلية، مثل أولئك في المجتمعات الريفية النائية في أمريكا اللاتينية، يواجهن عراقيل لغوية وثقافية في التعامل مع السلطات القانونية، مما يجعل حصولهن على العدالة أمراً صعباً.
3.2. نقص الدعم المؤسسي
- تشير المقررة الخاصة إلى أن النساء في هذه الفئات غالباً ما يفتقرن إلى الدعم المؤسسي الكافي لحمايتهن. على سبيل المثال، تفتقر النساء من الشعوب الأصلية في أستراليا وكندا إلى موارد ودعم كافٍ من مؤسسات الدولة لمواجهة العنف أو التبليغ عنه، وغالباً ما تواجه شكاواهن نقصاً في التحقيقات الفعالة.
(3) تحليل تأثير العوامل الثقافية والسياسية على أشكال العنف
- يتطلب فهم العنف ضد النساء المهمشات تحليل العوامل الثقافية والسياسية التي تعيد إنتاج هذا العنف أو تعزز استمراره بطرق متشابكة ومعقدة. إن العادات الاجتماعية، والقوانين المحلية، والسياسات العامة، بالإضافة إلى التأثير الإعلامي، تخلق مجتمعة إطارًا هيكليًا يؤدي إلى تطبيع العنف ويؤثر سلبًا على فرص تحسين أوضاع النساء المستضعفات.
أ) التأثير المتبادل بين الثقافة والسياسة على أشكال العنف
- تتداخل العادات والتقاليد الاجتماعية مع القوانين والسياسات، مما يخلق بيئة مواتية لانتشار العنف ضد النساء بشكل مباشر أو غير مباشر. وفي السياق العربي، يظهر هذا التداخل بوضوح من خلال:
1) التقاليد والأعراف المحافظة: في كثير من المجتمعات العربية، تلعب العادات دورًا كبيرًا في تقييد المرأة وقمعها، حيث يتم تصوير المرأة على أنها بحاجة إلى الحماية من قبل الرجل، مما يؤدي إلى تبرير العنف الممارس ضدها تحت مسمى "الحماية" أو "الحفاظ على الشرف". يُسهم هذا الإطار الثقافي في جعل العنف ضد النساء، وخاصةً من الأقليات أو النساء ذوات الاحتياجات الخاصة، أمرًا مقبولًا بل ومرغوبًا في بعض الأحيان.
2) القوانين المحلية والقيود السياسية: تسهم بعض القوانين في تعزيز العنف ضد النساء من خلال الثغرات القانونية أو القوانين التي تدعم تسامحًا غير مباشر مع مرتكبي العنف. على سبيل المثال، تسمح بعض القوانين بالإفلات من العقوبة في حالة "جرائم الشرف"، مما يؤدي إلى تشجيع العنف الأسري وتبريره على أنه ضرورة اجتماعية لحماية العائلة والشرف. كما أن غياب التشريعات الفعالة التي تجرّم مختلف أشكال العنف الجنسي والأسري يعني أن النساء لن يحصلن على الحماية القانونية الكافية. هذا الأمر يشمل النساء المستضعفات، مثل النساء من الأقليات واللاجئات والنساء ذوات الإعاقة، حيث لا تتناول معظم القوانين المحلية احتياجاتهن الخاصة.
3) القيود السياسية وغياب الإرادة السياسية: يؤدي غياب الالتزام السياسي لمكافحة العنف ضد النساء إلى ترك الفئات المهمشة عرضة للعنف من دون مساعدة. إذ تبقى العديد من الدول العربية في حالة تراوح بسبب غياب الإرادة الحقيقية لوضع استراتيجيات شاملة تضمن الحماية، سواءً من خلال سن القوانين، أو تعزيز مشاركة المرأة، أو تطوير برامج توعوية تساهم في تقليص العنف.
ب) دور الإعلام وصورة المرأة
- يلعب الإعلام دورًا مزدوجًا في إما تكريس العنف ضد النساء أو في مناهضته، مما يعكس السياسات والتوجهات الثقافية السائدة. وفيما يلي تحليل نقدي لهذا الدور، مع أمثلة توضح كيفية تصوير النساء المستضعفات مثل الأقليات وذوات الإعاقة.
أ) تكريس القوالب النمطية وتعزيز التصورات السلبية: يتناول الإعلام في المنطقة العربية قضايا النساء غالبًا بطريقة تركز على الأدوار التقليدية، حيث تظهر المرأة كعنصر ثانوي أو خاضع، مما يُضعف تمثيل النساء الفاعلات ويكرس الصور النمطية السلبية. ويعد هذا التناول مضرًا بشكل خاص للنساء من الفئات المستضعفة، إذ يُظهرهن كضحايا دائمات، أو كأشخاص يحتاجون للإنقاذ والحماية، مما يساهم في تعميق التصورات الدونية تجاههن.
ب) التهميش الإعلامي للنساء من الأقليات وذوات الإعاقة: لا تولي وسائل الإعلام عادةً اهتمامًا كافيًا بتسليط الضوء على قضايا النساء من الفئات المستضعفة، كالأقليات العرقية أو الدينية، أو النساء ذوات الإعاقة، مما يؤدي إلى تغييب هذه الفئات عن الساحة الإعلامية. وهذا التهميش يزيد من حجم المعاناة والتمييز، إذ لا يُمنح لهن صوت للتعبير عن تجاربهن الفريدة مع العنف والتمييز. على سبيل المثال، نادرًا ما يتم تناول قضايا النساء العاملات في الخدمة المنزلية، مما يجعل العنف الذي يعانين منه غير مرئي لدى الجمهور.
ج) التناول النقدي ومناهضة العنف: على الرغم من أن أغلب وسائل الإعلام تسهم في تكريس الصور النمطية، إلا أن بعض وسائل الإعلام تسعى إلى التناول النقدي للعنف وتسليط الضوء على التجارب المتنوعة للنساء في المنطقة. تقدم بعض البرامج والمنصات الإعلامية قصصًا إيجابية أو مؤثرة حول كيفية تصدي بعض النساء للعنف أو محاولاتهن للتغلب على ظروفهن القاسية. يعتبر هذا التناول بداية جيدة في التصدي للتصورات السلبية، لكنه يظل محدودًا في غياب سياسات إعلامية عامة تدعم التمثيل العادل والمناهضة الفاعلة للعنف.
- الخلاصة: الحاجة إلى تحول ثقافي وسياسي : يتطلب الحد من العنف ضد النساء المستضعفات في المنطقة العربية تحولًا شاملاً على المستويين الثقافي والسياسي. إذ يجب على السياسات أن تتبنى قوانين وتشريعات تعالج كافة أشكال العنف الهيكلي بشكل عادل وشامل، مع التركيز على الحماية والتأهيل، وتوفير آليات شكاوى ميسرة ومستقلة. كما يتعين على وسائل الإعلام أن تقوم بدور فعال في إعادة تشكيل الصورة المجتمعية عن النساء المهمشات، من خلال تناول تجاربهن بعمق، ودعم تمثيلهن كأفراد فاعلين وأصحاب حقوق، وليس كضحايا صامتات أو أشخاص هامشيين.
(4) الاستراتيجيات الشعبية للمقاومة والبقاء
- في مواجهة العنف والتمييز، أبدعت النساء في ابتكار استراتيجيات مقاومة وتأقلم تعتمد على التجمعات المجتمعية والشبكات غير الرسمية التي تتيح لهن الدعم والتواصل والتعبير عن أنفسهن. تميزت هذه الاستراتيجيات بقدرتها على توفير بيئة حاضنة وآمنة، سواء في مجتمعات محلية أو مخيمات اللجوء، وبرزت من خلال تحالفات محلية وشراكات مع منظمات المجتمع المدني. وفيما يلي تفصيل لهذه الاستراتيجيات في سياقات وأطر زمنية ومكانية متنوعة عبر عدد من الدول:
أ) العراق (2014-2020): شبكات دعم النازحات
- أدى النزوح الكبير للعراقيين بعد سيطرة تنظيم داعش على عدة مناطق إلى زيادة الهشاشة والعنف ضد النساء، لا سيما في المناطق التي شهدت تركزًا لمخيمات النزوح، مثل نينوى والأنبار. في هذه البيئة القاسية، أنشأت النساء النازحات شبكات دعم غير رسمية ساعدت على بناء مجتمعات صغيرة تقدم الدعم العاطفي والنفسي وتوفر التدريب المهني للنساء اللاتي فقدن مصادر دخلهن أو تأثرن بالعنف الاقتصادي. دعمت هذه المبادرات منظمات مثل (منظمة النجدة الشعبية العراقية) و (جمعية نساء بغداد ) و(منظمة كير الدولية)، اللتين قدمتا التمويل والتدريب، ما ساعد على استدامة الشبكات وتمكين النساء من تعزيز استقرارهن النفسي والاقتصادي. لقد ساعدت هذه المبادرات في تهيئة فضاء آمن نسبيًا للنساء للتعبير عن همومهن ومواجهة تحديات العنف الأسري والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
ب) لبنان (2015-2022): مبادرات النساء اللاجئات في المخيمات
- مع تدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان، وبالتحديد في مخيمات البقاع والشمال، لعبت منظمات المجتمع المدني، مثل (جمعية كفى) و(المجلس الدنماركي للاجئين)، دورًا كبيرًا في دعم النساء اللاجئات. على مدى سنوات، تمكنت اللاجئات من تنظيم مجموعات دعم صغيرة ساعدت على تعزيز التماسك الاجتماعي بين النساء الناجيات من العنف وتوفير استشارات حول كيفية التعامل مع التحديات النفسية. وبرغم تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان الذي أدى إلى تراجع الدعم المقدم، إلا أن هذه الشبكات تركت أثرًا طويل الأمد في بناء الوعي بأهمية حماية المرأة وتعزيز قدرتها على مواجهة العنف في بيئة مليئة بالتحديات.
ج) اليمن (2016-الحاضر): الشبكات النسائية في مواجهة النزاعات
- في ظل الصراع اليمني المستمر، كان لنساء اليمن دور بارز في تشكيل شبكات دعم محلية في مدن مثل تعز وعدن، ساعدت على مواجهة العنف المجتمعي والعنف الأسري الذي ازداد مع تصاعد النزاع. برعاية منظمات مثل *أوكسفام* ومنظمة *هيومن أبيل*، قامت النساء بإنشاء شبكات تساعد في تقديم استشارات قانونية وخدمات طبية للنساء المعنفات، بالإضافة إلى تنظيم ورش توعية حول حقوق المرأة. تميزت هذه الشبكات بقدرتها على خلق دعم ملموس للنساء اللاتي يعانين من ظروف اقتصادية ونفسية صعبة، وتوفير فرص اقتصادية صغيرة تساعدهن على بناء استقلال اقتصادي نسبي.
د) المغرب (2018-2023): شبكات النساء في المناطق الريفية
- في الأقاليم الريفية بالمغرب، ظهرت شبكات مجتمعية نسائية تدعمها منظمات مثل *اتحاد العمل النسائي* و*منظمة التعاون الألماني (GIZ)*، حيث سعت إلى رفع وعي النساء بحقوقهن ومناهضة العنف الأسري. تعمل هذه الشبكات من خلال تقديم ورش تدريبية لتمكين النساء اقتصاديًا وتقديم الدعم النفسي للنساء المعرضات للعنف. وقد ساهمت هذه الشبكات في بناء مجتمع متماسك يعزز من استقرار النساء الريفيات، خاصة في المناطق النائية التي لا تتوفر فيها خدمات حماية رسمية. وتعد هذه المبادرات نموذجًا للدعم من القاعدة الشعبية الذي يستند إلى قيم التعاون والتضامن.
ه) فلسطين (2010-الحاضر): مجموعات الدعم في المخيمات
- في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، مثل مخيمي (عين الحلوة) و(شعفاط)، ظهرت شبكات مجتمعية نسائية بدعم من (الإغاثة الإسلامية) و(جمعية النجدة الاجتماعية). كانت هذه المبادرات تهدف إلى توفير بيئة دعم وتوجيه للنساء لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية، مع تنظيم ورش توعوية حول حقوق المرأة وتقديم استشارات قانونية للنساء اللاتي يعانين من العنف الأسري. وقد أصبحت هذه الشبكات جزءًا من الحياة اليومية للنساء في المخيمات، ما ساعد في تحسين أوضاعهن النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وساهم في بناء مجتمع نسائي مترابط يساعد في تحدي الصعوبات الكبيرة التي تفرضها الظروف السياسية والاجتماعية.
تحليل دور الاستراتيجيات الشعبية في مواجهة العنف
- تبرز هذه الأمثلة كيف ساهمت الشبكات المجتمعية النسائية في مواجهة تحديات العنف بمختلف أشكاله. على الرغم من أن هذه المبادرات جاءت استجابةً مباشرة للظروف المحلية، إلا أن دعم منظمات المجتمع المدني كان أساسيًا في تمويلها وتنظيمها. وتوضح هذه الحالات أن قدرة النساء على بناء شبكات دعم فعالة هي جزء حيوي من مقاومتهن للعنف، حيث توفر هذه الشبكات مساحة لهن للتواصل والتضامن ومشاركة الموارد. كما تبرز هذه الشبكات كمنصات أساسية لتعزيز الوعي المجتمعي حول قضايا العنف ضد المرأة، وتدعيم المهارات المهنية للنساء، مما يعزز استقلالهن ويزيد من قدرتهن على مواجهة التحديات المتعددة في بيئات تعاني من النزاعات والضغوط الاجتماعية.
(5) التجارب الدولية والدروس المستفادة
- تتيح التجارب الدولية في مواجهة العنف ضد الفئات المستضعفة دروسًا غنية للمنطقة العربية، حيث تُبرز تجارب بلدان عدة إجراءات وسياسات مبتكرة نجحت في حماية الأقليات والنساء ذوات الإعاقة والفئات الأخرى الأكثر عرضة للعنف. يقدم هذا القسم نماذج من هذه التجارب، كما يسلط الضوء على آليات مبتكرة أطلقتها منظمات دولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، لتعزيز الوقاية والتوعية حيال العنف ضد النساء والفئات المهمشة.
أ) أمثلة من بلدان أخرى: دروس في مواجهة العنف ضد الفئات المستضعفة
كندا – الشراكات المجتمعية لمكافحة العنف ضد السكان الأصليين
في كندا، تركزت الجهود على العنف ضد النساء من السكان الأصليين، حيث واجهت هذه الفئة تاريخًا طويلاً من العنف والتهميش. عبر تأسيس برامج مثل *الاستراتيجية الوطنية للحد من العنف ضد النساء والفتيات من السكان الأصليين*، أقامت الحكومة الكندية شراكات مع المنظمات المحلية وزعماء السكان الأصليين لوضع سياسات تراعي الاحتياجات الثقافية لهذه المجتمعات. تم تأسيس مراكز دعم وتوعية في المناطق التي يقطنها السكان الأصليون، وقدمت دورات تدريبية لموظفي إنفاذ القانون لزيادة فهمهم للتحديات الثقافية التي تواجهها هذه الفئة. يعتبر هذا النموذج درسًا مهمًا يمكن الاستفادة منه في المنطقة العربية، خاصة فيما يتعلق بخلق سياسات قائمة على ثقافة المجتمع المحلي وشراكات فعالة مع الجهات المجتمعية.
أستراليا – دعم النساء ذوات الإعاقة لمواجهة العنف الأسري
في أستراليا، تم تأسيس برامج خاصة لمساعدة النساء ذوات الإعاقة اللواتي يعانين من العنف الأسري، مثل *برنامج "وقف العنف ضد النساء والفتيات ذوات الإعاقة"*، الذي يهدف إلى توفير موارد متاحة وسهلة الوصول للأشخاص ذوي الإعاقة. ويعتمد البرنامج على التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني وجهات حكومية لتوفير مراكز إيواء مهيأة لاستقبال النساء ذوات الإعاقة وتقديم خدمات نفسية وصحية واجتماعية شاملة. من الدروس المستفادة هنا أهمية توفير موارد ومرافق تراعي ظروف النساء من هذه الفئة، مما يمكن تطبيقه في البلدان العربية عبر تجهيز مراكز آمنة وتدريب الكوادر المختصة على التعامل مع حالات النساء ذوات الإعاقة بفاعلية واحترام.
السويد – التمكين عبر الإعلام التفاعلي
تبنت السويد برنامجًا يهدف إلى زيادة الوعي المجتمعي حول العنف ضد النساء من الأقليات واللاجئات باستخدام وسائل الإعلام التفاعلي. ومن خلال حملات إعلامية متعددة اللغات عبر الإنترنت، أُطلقت رسائل توعية للمجتمعات المحلية حول حقوق النساء وأهمية مناهضة العنف، إلى جانب توفير منصات آمنة للنساء لتبادل تجاربهن والحصول على دعم قانوني ونفسي. هذه المبادرات توفر نموذجًا للمنطقة العربية للاستفادة من الإعلام الرقمي متعدد اللغات في رفع الوعي وتغيير الاتجاهات المجتمعية حول العنف.
ب) آليات دولية مبتكرة
1. برامج الوقاية من العنف والتوعية الاجتماعية من الأمم المتحدة
تعمل الأمم المتحدة على إطلاق برامج شاملة للوقاية من العنف ضد النساء والفئات المستضعفة حول العالم. من أبرز هذه المبادرات *برنامج الأمم المتحدة للوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي*، الذي يُنفذ في عدد من الدول عبر دعم جهود توعية المجتمع لتغيير المفاهيم السلبية حول النساء وتعزيز قيم المساواة. تعتمد هذه المبادرات على تدريب القادة المحليين وبناء شبكات مجتمعية تدعم الوقاية من العنف من خلال التوعية والتثقيف. يمكن تبني هذا النهج في البلدان العربية عبر تعزيز دور المجتمع المدني في تقديم التوعية المباشرة والتعاون مع القيادات المحلية للمساهمة في تغيير السلوكيات المجتمعية الضارة.
2. مراكز حقوق المرأة المتنقلة" التابعة للمنظمات الدولية
قامت منظمات مثل *التحالف العالمي للمرأة* بإنشاء مراكز متنقلة توفر خدمات التوعية والدعم القانوني والطبي للنساء في المناطق الريفية والنائية، حيث تنتشر في العديد من البلدان التي تعاني من نقص الخدمات. تستهدف هذه المراكز النساء في الأماكن التي يصعب الوصول إليها لتقديم الدعم القانوني والمشورة الطبية في مواجهة العنف أو التمييز. هذا النوع من المبادرات يمكن أن يكون ذا قيمة للمنطقة العربية، خصوصًا في الأقاليم الريفية أو المناطق التي تتواجد فيها تجمعات نازحين، حيث قد تواجه النساء صعوبة في الوصول إلى خدمات الدعم.
3. منصات الخط الساخن والمساعدة عن بُعد
العديد من الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة وألمانيا، تبنت فكرة الخطوط الساخنة التي توفر استشارات نفسية ودعمًا فوريًا للنساء المعرضات للعنف، مع الحفاظ على سرية المعلومات وحماية خصوصية المستخدمات. توفر هذه الخطوط الساخنة والمساعدة عبر الإنترنت قنوات آمنة للنساء لطلب المساعدة في الوقت المناسب دون خوف من العواقب الاجتماعية. يمكن أن يكون هذا النموذج فعّالًا في البلدان العربية من خلال إنشاء منصات هاتفية أو رقمية متعددة اللغات، تتعاون فيها المنظمات المحلية والدولية لضمان الوصول إلى النساء في المناطق المختلفة.
خاتمة: الدروس المستفادة وتطبيقها في المنطقة العربية
- تبرز هذه التجارب الدولية كيف يمكن بناء استراتيجيات مناهضة للعنف ضد النساء والفئات المستضعفة، عبر تبني سياسات تتفهم الخصوصيات الثقافية وتتعاون مع المجتمع المدني والقادة المحليين. من خلال اتباع نماذج مثل الشراكات المجتمعية، وتوفير دعم خاص للنساء ذوات الإعاقة، وتعزيز الإعلام التفاعلي، يمكن للمنطقة العربية الاستفادة من تجارب هذه الدول لمواجهة التحديات المتزايدة للعنف ضد الفئات المهمشة. كما تمثل آليات مثل الخطوط الساخنة والمراكز المتنقلة نموذجًا لتقديم الدعم في الأماكن النائية وتوسيع الوصول إلى النساء المحتاجات للمساعدة
(6) المساءلة وإصلاح السياسات
- يعتبر تعزيز المساءلة وإصلاح السياسات من الركائز الأساسية لحماية الفئات المستضعفة، إذ لا تكتفي هذه الإجراءات بمراجعة القوانين القائمة، بل تتطلب إعادة صياغة التشريعات وتبني أطر محاسبة مبتكرة تضمن تنفيذ هذه القوانين فعليًا، وتحقق حماية حقيقية للفئات المستهدفة. فيما يلي توضيح لكيفية تعزيز المساءلة عبر اقتراح آليات للضغط على المؤسسات المحلية والدولية، إلى جانب ضرورة إعادة تشكيل التشريعات بما يضمن حماية حقوق الفئات المهمشة.
أ) أطر محاسبة جديدة: الضغط على المؤسسات لحماية الفئات المستضعفة
1- إنشاء لجان متابعة مستقلة وفعّالة
يتطلب تعزيز المساءلة إنشاء لجان مستقلة تتمتع بسلطات واسعة لرصد أداء المؤسسات المحلية والدولية في حماية الفئات المستضعفة، وتعمل هذه اللجان على متابعة تنفيذ القوانين والسياسات وتقييم مدى ملاءمتها للتحديات الراهنة. يتمثل دور هذه اللجان في التحقيق في شكاوى الفئات المستضعفة حول التمييز أو عدم كفاية الحماية المقدمة، ثم تقديم توصيات وإجراءات ملزمة لضمان توفير الحماية المطلوبة. يمكن أن تعمل هذه اللجان كمؤسسات إشرافية تهدف إلى تحقيق الشفافية والنزاهة، وتقديم تقارير دورية للرأي العام حول مدى امتثال المؤسسات للقوانين.
2- إطلاق منصات رقمية للإبلاغ والمتابعة
تتيح المنصات الرقمية وسيلة فعّالة للأفراد للإبلاغ عن حالات العنف أو التمييز بشكل سري وآمن، مع توفير آليات لمتابعة الشكاوى وتحديث المشتكين حول الإجراءات المتخذة بشأن شكاواهم. تضمن هذه المنصات عدم تهاون المؤسسات المحلية أو الدولية في التعامل مع الحالات المعروضة عليها، مما يعزز من فعالية المحاسبة ويزيد من الثقة في قدرة المؤسسات على حماية الحقوق. كما تساعد هذه المنصات في جمع البيانات وتحليلها، مما يمكن الجهات المختصة من تحديد النقاط الأكثر إلحاحًا وإيجاد حلول مناسبة.
3- التعاون مع المنظمات الدولية لفرض ضغوط دولية
تستطيع منظمات المجتمع المدني في المنطقة العربية الاستفادة من التعاون مع منظمات دولية، مثل *هيومن رايتس ووتش* و*العفو الدولية*، لتسليط الضوء على القضايا المحلية وإبرازها على الساحة الدولية. ومن خلال رفع تقارير حول انتهاكات حقوق الفئات المستضعفة في المحافل الدولية، يمكن لهذه المنظمات ممارسة ضغوط على المؤسسات المحلية، بما في ذلك الحكومات، لتحسين سياساتها وممارساتها في حماية هذه الفئات. يمكن أيضًا الاستفادة من الاتفاقيات الدولية، مثل *اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة*، لإبراز الالتزامات الدولية للدول وتذكيرها بضرورة الامتثال لهذه الاتفاقيات.
4- تبني برامج تقييم أداء دوري للمؤسسات الحكومية وغير الحكومية
تعمل برامج التقييم الدوري على قياس مدى التزام المؤسسات بقوانين حماية الفئات المستضعفة، وتقييم دورها في الحد من العنف وتعزيز الوعي بحقوق الفئات الهشة. يتم نشر نتائج هذه التقييمات بشكل دوري لزيادة الشفافية وتشجيع المؤسسات على تحسين أدائها. هذا النوع من التقييم يخلق بيئة من التنافس الإيجابي بين المؤسسات لتحسين خدماتها، ويعزز ثقافة المحاسبة من خلال إشراك الرأي العام في مراقبة أدائها.
ب) إعادة تشكيل التشريعات: تعزيز الحقوق وتقديم حلول مبتكرة
1- تحليل الفجوات القانونية وإعادة صياغة القوانين
تتطلب عملية إعادة صياغة التشريعات تحليل الفجوات الحالية في القوانين التي قد لا توفر حماية شاملة للفئات المستضعفة، مثل النساء من ذوي الإعاقة أو الأقليات. ويمكن أن تركز عملية إعادة الصياغة على تحديث القوانين لتشمل نصوصًا تحد من الثغرات التي قد يستغلها البعض لتفادي المحاسبة، كالتنصيص على عقوبات واضحة لحالات التمييز أو العنف الأسري. كما يمكن إضافة مواد قانونية جديدة تستند إلى معايير حقوق الإنسان الدولية، مما يعزز قدرة الدول على تحقيق التزاماتها الدولية في حماية حقوق الفئات المهمشة.
2- تخصيص قوانين تعزز الحلول الابتكارية لدعم الفئات المستضعفة
يمكن تعزيز التشريعات عبر قوانين تقدم حلولًا غير تقليدية لمعالجة قضايا العنف والتمييز، مثل إنشاء برامج تعليمية في المدارس لتثقيف الجيل الناشئ حول قيم المساواة وعدم التمييز، وتنفيذ برامج تأهيلية لتدريب المؤسسات الحكومية على كيفية التعامل مع حالات التمييز. ويمكن أيضًا إدراج تشريعات تضمن حقوق النساء والفئات الأخرى في الحصول على دعم قانوني ونفسي مجاني عند التعرض لأي نوع من العنف، مما يعزز من قدرتها على مواجهة التحديات التي قد تتعرض لها.
3- إطلاق قوانين خاصة بالمناطق الريفية والنائية
في العديد من الدول العربية، لا تصل خدمات حماية حقوق الفئات المستضعفة إلى المناطق الريفية والنائية بنفس الكفاءة التي تتوفر بها في المدن. من هنا، يمكن أن تتبنى الدول قوانين تراعي الخصوصية الجغرافية لهذه المناطق، وتشمل توفير موارد قانونية ونفسية لمجتمعات المناطق النائية، إلى جانب إطلاق برامج تنموية تعزز من مشاركة المرأة والفئات الهشة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية. هذه التشريعات تهدف إلى تعزيز حماية الحقوق في جميع المناطق دون استثناء، وتوفير خدمات الحماية للجميع، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي.
4- إدماج آليات مساءلة داخل المؤسسات لتعزيز الحماية
تساهم إعادة صياغة التشريعات لإدماج آليات مساءلة داخل المؤسسات الحكومية والخاصة في ضمان التعامل الحازم مع قضايا العنف والتمييز، حيث يتم وضع إجراءات داخلية لتقديم الشكاوى ومتابعتها بجدية، وتحديد آليات تتيح للمتضررين تقديم شكاوى بشكل آمن دون خوف من العقوبات. يسهم هذا التوجه في تعزيز ثقافة المحاسبة والشفافية في المؤسسات، ويضمن التزامها بحماية الفئات المستضعفة من العنف.
- تبرز أهمية تعزيز المساءلة وإعادة تشكيل التشريعات لتحقيق حماية شاملة للفئات المستضعفة في المنطقة العربية، إذ لا يكفي تحديث القوانين فقط، بل يجب التأكد من فعاليتها ومدى قدرتها على تحقيق العدالة. من خلال تبني أطر محاسبة شفافة ومتطورة، وتعزيز التعاون مع المنظمات الدولية، وإعادة صياغة التشريعات بما يعزز الحقوق ويقدم حلولًا مبتكرة، يمكن تحقيق تقدم حقيقي نحو حماية الفئات المستضعفة وخلق بيئة قانونية تضمن لهم الحماية والكرامة.
(7) التوصيات العملية والطموحة
أ) توصيات مبنية على دراسات تجريبية
- تتطلب مواجهة العنف ضد النساء المهمشات والمستضعفات استناد التوصيات إلى دراسات تجريبية ومعرفة ميدانية تستمد من تجاربهن واحتياجاتهن الفعلية. بناءً على هذه الدراسات، يمكن تصميم توصيات قابلة للتنفيذ وفعّالة في الواقع، مثل إنشاء برامج دعم نفسي واجتماعي تلبي احتياجات الضحايا وتساهم في دمجهن بالمجتمع. كما يتطلب هذا المسار تعزيز الدعم للجهات المختصة التي تعمل على جمع البيانات وإجراء الدراسات الميدانية، مما يتيح فهمًا أعمق للقضايا الخاصة بكل مجموعة، ويُمكن صناع القرار من صياغة حلول فعّالة ومدروسة تتماشى مع واقع النساء ومطالبهن.
ب) خارطة طريق للسياسات: دور الحكومات والمجتمع المدني ووسائل الإعلام
- لتحقيق رؤية شاملة ومستدامة لكبح العنف ضد النساء والفئات المهمشة، لا بد من وضع خارطة طريق واضحة تنظم أدوار كافة الأطراف المعنية، بدءًا من الحكومات، مرورًا بالمجتمع المدني، وصولاً إلى وسائل الإعلام. يمكن لهذه الخارطة أن تتضمن خطوات رئيسية تلتزم بها الحكومة مثل توفير الدعم القانوني والمساعدة الاجتماعية، وتشجيع المجتمع المدني على تفعيل حملات توعوية وبرامج تدريبية موجهة لموظفي القطاعين العام والخاص حول كيفية التعامل مع النساء الناجيات من العنف. كما يمكن لوسائل الإعلام أن تلعب دورًا محوريًا من خلال إنتاج محتوى هادف يعزز الوعي العام بحقوق النساء ويروج لثقافة الاحترام والمساواة. ولكي تكون هذه الخارطة فعّالة، يجب أن تكون منهجيةً وشاملةً، تتضمن جداول زمنية واضحة، وموارد كافية، وأدوات تقييم مستمرة لضمان الاستدامة والالتزام الفعلي بالتنفيذ.
(8) الخاتمة: نحو تصور مستقبلي
أ) إعادة النظر في أدوار المجتمع والدولة: مسؤوليات جديدة لحماية النساء المهمشات
- يتطلب بناء مستقبل خالٍ من العنف تجاه النساء المهمشات إعادة النظر في الأدوار التقليدية للمجتمع والدولة، بحيث يتحمل كل منهما مسؤوليات جديدة وأكثر فاعلية في تقديم الحماية والدعم. وفي هذا السياق، يجب أن تكون الدولة ملتزمة بتوفير بيئة آمنة ومناهضة للعنف ضد النساء، من خلال توفير سياسات حماية وآليات إنفاذ حازمة وفعالة. كما يجب أن يكون للمجتمع دورٌ توعويٌّ نشط، حيث يُشجع الأفراد والمجتمعات المحلية على رفض العنف بكل أشكاله وتعزيز ثقافة الاحترام والمساواة. إن تحميل الدولة والمجتمع هذه المسؤوليات يمثل جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية طويلة المدى لتحقيق مجتمع خالٍ من العنف، يضمن حماية النساء ويعزز فرصهن للعيش بكرامة وحرية.
ب) الدعوة إلى سياسات إنسانية قائمة على حقوق الإنسان: رؤية لمستقبل خالٍ من العنف
- للوصول إلى مجتمع آمن ومستدام، لا بد من الدعوة إلى سياسات إنسانية قائمة على مبادئ حقوق الإنسان، تضمن للنساء المهمشات حقهن في العيش بكرامة وبدون عنف. تتطلب هذه السياسات التركيز على مفهوم الكرامة الإنسانية لكل امرأة، بعيدًا عن أي تمييز أو استغلال، وتوفير فرص متكافئة في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولتحقيق هذا الهدف، لا بد من تبني سياسات تُعنى بتغيير الثقافة المجتمعية السائدة، وتعزيز القوانين التي تحمي حقوق النساء، وضمان تنفيذها بفعالية. إن وجود مثل هذه السياسات سيشكل أساسًا قويًا لمجتمع يحترم حقوق النساء ويعزز المساواة ويضمن العدالة للجميع، ممهدًا الطريق نحو مستقبل يُقدر حياة النساء ويحترم حقوقهن.
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|