المرأة وفك النزاعات



صلاح الجودر
2024 / 11 / 17

المجتمعات‭ ‬الآمنة‭ ‬المستقرة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تغلق‭ ‬أبواب‭ ‬الفتنة‭ ‬ونوافذ‭ ‬الخراب،‭ ‬وتسارع‭ ‬إلى‭ ‬المصالحة‭ ‬بين‭ ‬الإخوان‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬لذا‭ ‬نشاهد‭ ‬جمعيات‭ ‬المصالحة‭ ‬وفك‭ ‬النزاعات‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتحضرة،‭ ‬وهي‭ ‬مؤسسات‭ ‬أهلية،‭ ‬وذات‭ ‬قيمة‭ ‬كبيرة‭ ‬بالمجتمع.‭ ‬

والمجتمع‭ ‬المتحضر‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬أناس‭ ‬ذو‭ ‬طبيعة‭ ‬خاصة،‭ ‬وصفات‭ ‬مميزة،‭ ‬وإمكانات‭ ‬غير‭ ‬عادية،‭ ‬وذلك‭ ‬لفك‭ ‬النزاعات‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬بالحوار،‭ ‬والتفاوض‭ ‬والوساطة‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الصلح،‭ ‬ففك‭ ‬النزاع‭ ‬هو‭ ‬وسيلة‭ ‬لحل‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬دون‭ ‬الالتجاء‭ ‬إلى‭ ‬الجهات‭ ‬الرسمية،‭ ‬كالنزاع‭ ‬بين‭ ‬الزوجين‭ ‬والجيران‭ ‬وزملاء‭ ‬العمل،‭ ‬والملاك‭ ‬والمستأجرين،‭ ‬والتجارة‭ ‬وأصحاب‭ ‬الأعمال‭ ‬غيرهم‭.‬

وهناك‭ ‬قضايا‭ ‬تكون‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬زعزعة‭ ‬أمن‭ ‬المجتمع‭ ‬واستقراره،‭ ‬مثل‭ ‬الجوع‭ ‬والفقر‭ ‬والجهل‭ ‬والسكن‭ ‬والمعيشة‭ ‬والوظيفة،‭ ‬والاختلافات‭ ‬الدينية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والعرقية‭ ‬وغيرها،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬البعض‭ ‬منها‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬نشوب‭ ‬الحروب‭ ‬العالمية‭!.‬

وقد‭ ‬قدمت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬والبحوث‭ ‬طرقًا‭ ‬ووسائل‭ ‬لفك‭ ‬النزاعات،‭ ‬ومعالجة‭ ‬الإشكاليات‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬ومنها‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬الأطراف‭ ‬المتصارعة،‭ ‬وعدم‭ ‬التحيز‭ ‬لطرف‭ ‬على‭ ‬آخر،‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المصالحة‭ ‬العليا‭ ‬هي‭ ‬الصلح‭ ‬وعودة‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬نصابها‭.‬

ثم‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬المختلفة‭ ‬للأطراف،‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬حلول‭ ‬واختيارات‭ ‬مقبول‭ ‬ومقنعة‭ ‬وواقعية،‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬فصل‭ ‬الأشخاص‭ ‬عن‭ ‬أس‭ ‬المشكلة‭ ‬وجذورها،‭ ‬ثم‭ ‬تحليلها‭ ‬بكل‭ ‬أمانة‭ ‬وتجرد،‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬تحديد‭ ‬معيار‭ ‬توافقي،‭ ‬ويكون‭ ‬له‭ ‬مرجعيات‭ ‬للتصالح‭ ‬مثل‭ ‬القانون‭ ‬أو‭ ‬الشخص‭ ‬ذي‭ ‬المكانة‭ ‬والخبرة،‭ ‬فيبدأ‭ ‬بعقلية‭ ‬منفتحة،‭ ‬وقابلة‭ ‬للاستماع‭ ‬واستيعاب‭ ‬الأطراف‭ ‬جميعها،‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬هدوء‭ ‬أعصابه،‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬للغضب‭ ‬ان‭ ‬يتملكه‭ ‬أو‭ ‬يسيطر‭ ‬عليه،‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬حيادية‭ ‬تامة‭ ‬لمساعدة‭ ‬أطراف‭ ‬النزاع‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬الإشكالية‭.‬

ومن‭ ‬تقع‭ ‬عليه‭ ‬مسؤولية‭ ‬فك‭ ‬النزاعات‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬يتحلى‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬الصفات‭ ‬مثل‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس،‭ ‬والاحترام،‭ ‬والصراحة،‭ ‬والصدق،‭ ‬وضبط‭ ‬النفس،‭ ‬وحس‭ ‬الدعابة،‭ ‬والثقة‭ ‬بالآخرين،‭ ‬والصبر،‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭.‬

والمرأة‭ ‬المكرمة‭ ‬من‭ ‬ربي‭ ‬العالمين‭ ‬هي‭ ‬النصف‭ ‬الآخر‭ ‬بالمجتمع،‭ ‬مكانتها‭ ‬بأسرتها‭ ‬محفوظة‭ ‬ومقدرة،‭ ‬ولها‭ ‬أدوار‭ ‬بالمجتمع‭ ‬كبيرة،‭ ‬وقد‭ ‬تركت‭ ‬بصمات‭ ‬واضحة‭ ‬بصفحات‭ ‬التاريخ،‭ ‬وأثبتت‭ ‬قدرتها‭ ‬في‭ ‬تسوية‭ ‬النزاعات‭ ‬الأسرية‭ ‬والمجتمعية،‭ ‬فالأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬اعترفت‭ ‬في‭ ‬العام‭ �‭ ‬بأهمية‭ ‬دور‭ ‬المرأة‭ ‬وتأثيرها‭ ‬في‭ ‬فض‭ ‬النزاعات،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬إشراك‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬وبناء‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وتم‭ ‬دعم‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬المراقبين‭ ‬العسكريين‭ ‬والشرطة‭ ‬المدنية‭ ‬والإنسانية‭ ‬ومراقبي‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

وبالبحرين‭ ‬استطاعت‭ ‬المرأة‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المكاسب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬تمكينها‭ ‬وبناء‭ ‬قدراتها‭ ‬المعرفية‭ ‬والإدارية،‭ ‬وصقل‭ ‬مهاراتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدورات‭ ‬والخبرات‭ ‬والتجارب،‭ ‬وانخراطها‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬التطوعية‭ ‬والمجتمعية،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بالمجتمع‭ ‬نخبة‭ ‬نسوية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬فض‭ ‬النزاعات،‭ ‬وقد‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬لجلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعلم‭ ‬في‭ ‬العام‭ �‭.‬