|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
نساء الانتفاضة
!--a>
2024 / 11 / 20
العمل المنزلي يشمل مجموعة واسعة من المهام الأساسية التي تضمن استمرارية الحياة اليومية، مثل الطهي، التنظيف، ورعاية الأطفال. ورغم الأهمية الجوهرية لهذا النوع من العمل، فإنه غالباً ما يُعتبر غير مرئي وغير مقدر بالشكل الكافي، وبالتأكيد غير مدفوع الثمن. هذه الوضعية تثير تساؤلات جوهرية حول القيمة الاقتصادية والاجتماعية للعمل المنزلي، وخاصة في ضوء النقاشات النسوية التي تطالب بإعادة تقييم هذا العمل والتعرف على دوره في تعزيز التمييز بين الجنسين.
العمل المنزلي: القيمة الاقتصادية والاجتماعية🔺
في دول الشرق الأوسط مثل مصر، الأردن، فلسطين، سوريا، العراق، واليمن، يُعد العمل المنزلي جزءاً كبيراً من الحياة اليومية للنساء، خاصة في المناطق الريفية. تعمل النساء لساعات طويلة في الزراعة ورعاية الأسرة، وغالباً ما يكون هذا العمل غير مدفوع أو مدفوع بأجر ضئيل جداً. في مصر على سبيل المثال، تشكل النساء الريفيات جزءاً كبيراً من القوى العاملة في الزراعة، حيث يعملن في ظروف اقتصادية صعبة مع أجور منخفضة للغاية وعدم استقرار مالي. هذه الساعات الطويلة من العمل غير مدفوع الأجر تسهم في زيادة العبء الاقتصادي على النساء وتمنعهن من المشاركة الفعالة في الأنشطة الاقتصادية الأخرى.
تأثير العمل المنزلي على اقتصاد الدول🔺
تشير الدراسات الحديثة إلى أن العمل المنزلي غير المدفوع يسهم بشكل كبير في الاقتصاد الوطني، إلا أنه لا يُعترف به رسمياً في حسابات الناتج المحلي الإجمالي. في دول الشرق الأوسط مثل مصر والأردن، يمكن أن يساهم العمل المنزلي غير المدفوع بنسبة تصل إلى 30% من الناتج المحلي الإجمالي إذا تم احتسابه. في الولايات المتحدة، يُقدر أن العمل المنزلي غير المدفوع يولد قيمة اقتصادية تبلغ حوالي 1.5 تريليون دولار سنوياً، بينما في أوروبا، تُقدر القيمة بحوالي 1.9 تريليون يورو سنوياً. ورغم هذه الأرقام، فإن العمل المنزلي لا يزال غير معترف به بالشكل الرسمي في الحسابات الاقتصادية، مما يترك تأثيراً سلبياً على تقدير مساهمة النساء في الاقتصاد.
آراء نسوية حول قيمة العمل المنزلي🔺
أدركت العديد من الكاتبات النسويات الأهمية الحيوية للعمل المنزلي ودوره في استدامة التمييز بين الجنسين. جيرمين غرير، في كتابها “المرأة المخصية” (The Female Eunuch)، ترى أن العمل المنزلي يُستخدم كأداة للحفاظ على التبعية الاقتصادية للنساء، حيث يتم إخفاء القيمة الاقتصادية لهذا العمل عن طريق عدم التعويض المالي عنه. من ناحية أخرى، تناقش سيمون دي بوفوار في كتابها “الجنس الآخر” (The Second Sex) كيف أن العمل المنزلي يُبقي النساء محصورات في أدوار تقليدية، مما يعزز من تبعيتهن الاقتصادية والاجتماعية للرجال.
كتاب “من قام بطهي عشاء آدم سميث؟” للكاتبة كاترين ماركال يسلط الضوء على كيف تم تجاهل قيمة العمل المنزلي تاريخياً في الفكر الاقتصادي. ماركال تشير إلى أن آدم سميث، أحد أبرز رواد الاقتصاد الحديث، لم يعطِ أهمية للعمل المنزلي رغم أهميته الأساسية لبقاء المجتمعات واستمراريتها. هذا التجاهل يعكس نظرة اقتصادية تاريخية لا تعترف بقيمة العمل المنزلي ضمن إطار الاقتصاد الرسمي، مما ترك أثراً سلبياً في تقدير العمل المنزلي كعمل منتج.
توضح ماركال أن العمل المنزلي تم تصنيفه في إطار الرعاية غير المدفوعة والعاطفة الطبيعية للنساء، مما أدى إلى تجاهله كلياً كعمل اقتصادي يتطلب الاعتراف والتقدير. وتجادل بأن هذا التصنيف ينطوي على نوع من الابتزاز الاجتماعي، حيث يُعتبر العمل المنزلي بمثابة “التزام عاطفي” للنساء، وليس عملاً يستحق التعويض المالي. هذه النظرة تعزز من فكرة أن النساء مجبرات على أداء هذا العمل دون مقابل، مما يُعمق من فجوة التفاوت بين الجنسين.
🔺التهميش التاريخي للعمل المنزلي وأثره المستمر
على مر التاريخ، أهملت المجتمعات بشكل عام قيمة العمل المنزلي رغم دوره المحوري في الحفاظ على بنية الأسرة والمجتمع. ويرجع هذا التجاهل إلى التصور التقليدي الذي ينظر إلى العمل المنزلي كواجب طبيعي للنساء، مما يقلل من قيمته في نظر المجتمع ويحد من الاعتراف بمساهمات النساء الاقتصادية الحقيقية. الكاتبات النسويات أوضحن كيف ساهم هذا التهميش في بناء هياكل اقتصادية واجتماعية غير عادلة، حيث تظل النساء مكبلات بأدوار تقليدية تمنعهن من تحقيق الاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية.
عدم الاعتراف بقيمة العمل المنزلي تاريخياً أدى إلى استمرار تأثيرات هذا التهميش حتى يومنا هذا، حيث تشكل النساء غالبية العاملين في العمل المنزلي غير المدفوع، مما يؤدي إلى تعزيز الفجوة الاقتصادية بين الجنسين وإبقاء النساء معتمدات اقتصادياً على الرجال.
🔺لماذا يجب أن يكون العمل المنزلي مقدراً ومدفوع الثمن؟
من منظور نسوي، يُعتبر تعويض العمل المنزلي مالياً خطوة أساسية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية. النساء يساهمن بشكل كبير في الاقتصاد من خلال العمل المنزلي، ولكن هذا الجهد لا يُعترف به بالشكل الكافي، مما يؤدي إلى تفاوتات اقتصادية واجتماعية كبيرة. الاعتراف بهذا العمل كجزء من الاقتصاد وإعطاؤه قيمة مالية يمكن أن يكون خطوة نحو تحرير النساء من القيود التقليدية وتحقيق المساواة.
بعض الدول بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات نحو تقدير العمل المنزلي، مثل سياسات دعم العائلات في الدول الإسكندنافية التي تقدم دعماً مالياً لرعاية الأطفال. ومع ذلك، لا يزال الطريق طويلاً لتحقيق الاعتراف الكامل بقيمة العمل المنزلي.
🔺الآثار الاجتماعية والاقتصادية لعدم تقدير العمل المنزلي
عدم تقدير العمل المنزلي يؤدي إلى تأثيرات سلبية متعددة على النساء، منها:
1.تقييد الفرص الاقتصادية: بما أن العمل المنزلي غير مدفوع، فإنه يمنع النساء من المشاركة في القوى العاملة المدفوعة الأجر، مما يحد من استقلاليتهن الاقتصادية.
2.تعزيز التبعية الاقتصادية: يؤدي عدم الاعتراف بالعمل المنزلي إلى اعتماد النساء على الرجال اقتصادياً، مما يعزز من استدامة التفاوتات الاقتصادية بين الجنسين.
3.تقليل قيمة العمل النسائي: عندما يُعتبر العمل المنزلي غير ذي قيمة اقتصادية، يتم تقليل أهمية العمل الذي تقوم به النساء بشكل عام، مما يؤثر على مكانتهن في المجتمع.
🔺التأثير النفسي لعدم تقدير العمل المنزلي
حسب كتاب “The Feminine Mystique”، تحدثت بيتي فريدان عن التأثير النفسي السلبي لعدم تقدير العمل المنزلي، وكيف أن الشعور بعدم الاعتراف يؤدي إلى نقص تقدير الذات لدى النساء وشعورهن بأن عملهن لا يستحق التقدير الاجتماعي. هذا الإهمال لا يقتصر على فقدان شعور المرأة بالإنجاز، بل يساهم في شعورها بالعزلة والانفصال عن المجتمع. وفقًا لما أوردته أيضًا منظمة العمل الدولية (ILO)، فإن نقص الاعتراف بالعمل المنزلي يؤدي إلى شعور النساء بالإرهاق النفسي والضغوط الناتجة عن عدم الاعتراف بجهودهن، مما يؤدي إلى تدني الصحة النفسية على المدى الطويل.
🔺العبء المزدوج: العمل داخل المنزل وخارجه
تناول كتاب “The Second Shift” للكاتبة أرلي راسل هوشيلد مسألة “العبء المزدوج”، حيث تواجه النساء اللواتي يعملن خارج المنزل أيضًا مسؤوليات العمل المنزلي، ما يضعهن تحت ضغط جسدي ونفسي كبير. وتعتقد الكثير من النساء أن التفرغ للعمل المنزلي قد يخفف من هذا العبء ويجلب لهن الراحة، بسبب الصورة النمطية بأن العمل المنزلي أقل إجهادًا وأنهن سيحصلن على دعم وتقدير داخل المنزل. لكن هذا الأمر يمكن أن يُعتبر تضليلاً، حيث وضحت هوشيلد أن عدم الاستقلال المالي للمرأة نتيجة الاعتماد الكامل على دخل الزوج يعزز من عدم المساواة ويحد من حرية المرأة في اختيار خيارات مستقلة في حياتها.
🔺الحلول المقترحة
تطرقت الكاتبات إلى عدة حلول لتقدير العمل المنزلي ودعم المرأة في تقليل العبء المزدوج. تقترح هوشيلد، على سبيل المثال، تعزيز المساواة بين الجنسين في الأعمال المنزلية وتشجيع الشراكة المتوازنة بين الأزواج في تحمل الأعباء المنزلية. كما يقترح الخبراء تبني سياسات داعمة، مثل نظام رعاية الأطفال المدعوم وتقديم الدعم المالي للأسر، كما هو مطبق في بعض الدول الإسكندنافية. تعتقد بيتي فريدان أن الحل يكمن في توعية المجتمع بقيمة العمل المنزلي وتعديل الصورة النمطية حول أدوار المرأة التقليدية، مما سيؤدي إلى تعزيز تقدير النساء للعمل المنزلي وتقديم تعويض مالي مناسب لهن.
الاستنتاج
الاعتراف بالعمل المنزلي كجزء من الاقتصاد الكلي وتقديره بالشكل المناسب هو خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية. العمل المنزلي ليس فقط ضرورة يومية، بل هو ركيزة أساسية لدعم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. لذا، يجب أن يكون مقدراً ومدفوع الثمن، بغض النظر عن الجنس الذي يقوم به. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نواصل الضغط من أجل سياسات تعترف بقيمة العمل المنزلي وتقدم التعويض المالي المناسب للجهد المبذول فيه.
دينا الأيوبي
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|