|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
هيفين عمر
!--a>
2024 / 12 / 1
في أروقة القصور العالية، بين ظلال الثروات المتراصة والكتب المجلدة بأناقة، هناك منازل يصفها المارة بالبذخ، قصور من زجاج يخطف الأبصار، نوافذها المطلة على سماء زرقاء تخفي ما لا يُرى. خلف هذه الجدران، يعيش رجل تعجز الكلمات عن الإحاطة بشخصيته المتناقضة. هو المثقف الذي يقتني أندر الكتب، رجل الأعمال الذي يجوب العالم ببدلة أنيقة تحمل علامة النخبة.طبيب يمسح الجراح بكلماتٍ معسولة ثم يطعن الأرواح في الظلام . هو المحسن الذي تلهج باسمه الألسن في الأوساط المخملية، ورائد القيم الإنسانية كما يبدو. كل من يراه يظنه تمثيلًا حيًا للفضيلة؛ لكنه في عمق ذاته، وحش يفترس أنقى الأرواح.وحش مغمس بشهوة لا تنطفئ ، ضحاياه نساء ضعيفات سقطن في براثنه وثقن بإنسانيته الزائفة ، الأرامل والمطلقات اللاتي سقطن تحت وطأة الفقر وأصبحنا بنظر المجتمع سلعة رخيصة ، العاملات اللاتي يسعين وراء لقمة العيش، الفتيات اللواتي لم يعرفن سوى البراءة .
كمنقذ من الغرق واقفٌ على حافة الطرقات وما أن يمد إليهم طوق النجاة ، تلتف على أعناقهم ف بأرواحهم يُزهدون
يتقن فن ارتداء الأقنعة، يتحدث بلغة العطاء التي تأسر القلوب، فتتهافت الأرواح الضعيفة تطلب من كرمه ما يحل أزماتها. يحمل في جيبه مفاتيح الفرص الموعودة، ويُحسن خلق الوهم لمن يحتاجون الأمل. من الخارج، هو ذلك الرجل الذي يصفه الناس بـ"الملاك في هيئة إنسان"، لكنه في أعماقه ذئب مفترس ينتظر لحظة افتراس فريسته. ضحاياه ليسوا أعداءً ولا منافسين، بل هم أولئك الذين فتحت برائتهم الباب لوحشيته.
بوجهه الأول، يبدع في لعب دور الإنسان المتحضر. يختار كلماته بعناية، يتحدث عن الأخلاق كأنه وُلد ليكون مرشدًا لها. يستثمر ثرواته في الأعمال الخيرية، ويبني صورته فوق آلام الناس. هو نموذج الإنسان الذي يرغب الجميع في الاقتراب منه، نموذج يُظهر أن الثراء قد يكون مقرونًا بالفضيلة.
لكن، عندما تتبدد الأضواء ويُغلق باب مكتبه أو غرفته الفاخرة، ينقلب المشهد. يتجرد من القناع، ويتحول إلى طاغية لشهواته. هو سيد المكر والخداع، يتلاعب بالوعود، يُشعل الأمل في قلب من يقف أمامه ليجعله أسيراً. وحشية مغلفة بالنعومة، استغلال يمرر تحت عباءة المساعدة، وسلوك يتخذ من السلطة والنفوذ أدوات لإشباع نزواته.
ضحاياه هم الأضعف: من لا سند لهم ولا ملجئ . الأرواح التي يجرّها اليأس إلى طرق موحشة، فتسير نحو نوره الوهمي دون أن تدرك أن هذا النور يقودها إلى الهاوية. يُقنعهم أنه الحامي، في حين أنه الجلاد. يسرق منهم الكرامة باسم الكرم، ويقتل برائتهم بابتسامة زائفة.
هذا الرجل لا يعمل في عزلة، بل يصنع حوله دائرة من "المصدقين". أولئك الذين يدافعون عن قناعه دون أن يدركوا الوجه الآخر، أو ربما يفضلون التغاضي عنه لمصالحهم. وهكذا، تستمر المأساة. تظل صرخات الضحايا مكتومة، تائهة في ظلمات نفوذه، محبوسة في خوفهم من سلطته، عاجزة عن كسر الجدار الذي بناه حول نفسه.
لكن، مهما بدا هذا الحصن قويًا، فإن الحقيقة تملك مفاتيح لا تُكسر. ومهما ارتفعت الأصوات المسبحة بحمده، فإن صوت الضحايا يظل يتردد في أروقة السماء.
أيها الوحش في عباءة الفضيلة، لا تنسى أن العدل ليس مرهونًا بما تملكه من مال أو نفوذ. لا تنسى أن الزمن لا يرحم، وأن قلاعك ستنهار تحت ثقل الذنوب التي صنعتها. لا تنسى أن من تبتسم لهم اليوم سيقفون غدًا في صفوف الشهود، يكشفون حقيقتك أمام الملأ.
سيأتي اليوم الذي تنقلب فيه الأدوار. سيجد الوحش نفسه مجردًا من القناع، عاريًا أمام العدالة، عالقًا في مرآة ذاته. ستطارده نظرات الضحايا التي لطالما حاول أن يتجاهلها، وسيجد أن سلطته قد سُلبت، وأنه لم يعد أكثر من رمز للعار.
عندها، لن تُجدي الاعتذارات ولا الهروب. لن يفتح لك التاريخ صفحاته البيضاء، ولن يمحو الناس آثار أفعالك. ستبقى وصمة، درسا مريرا لكل من يفكر في استغلال القوة والسلطة لالتهام من وثقوا به.
فليحذر كل من يرتدي قناع الفضيلة بينما يخفي تحت جلده وحشًا
أيها الرجل الذي يرتدي قناع الفضيلة ويُخفي تحته وجه الوحشية، اعلم أن الأرض قد تغفر زلات الظاهر، لكنها تأبى أن تسامح من أمعن في تمزيق أرواح الأبرياء. سيأتي يوم تسقط فيه الأقنعة، يوم يصبح فيه نفوذك عاجزًا أمام الحقيقة التي تهرب منها. يومها، لن تجد من يمد يده لينقذك، ولن تحجب عنك القصور المنيعة صوت الضحايا وهم يطالبون بالعدالة
لا أحد يفلت إلى الأبد. وجهك الحقيقي سيظهر، والخزي الذي طالما نجحت في تجنبه سيلاحقك كظل في منتصف النهار.
لن يكون لك من مفر، ولن تجد مكانًا تُخفي فيه وجهك القبيح.
لأن سقوط القناع ليس مسألة " إن، بل مسألة " متى.
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|