|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
كريمة مكي
!--a>
2024 / 12 / 4
بعد أن حكيت لكم عن بشائر الإصلاح الذي عاينته منذ مدّة في الإدارة التونسية، تراجعت اليوم في استبشاري خطوة إلى الوراء...!
اليوم أكتب لأحكي لكم عن خيبة أملي فيما أراه نكوص عن تطبيق أهم مبادئ الثورة التونسية الإنسانية: مبدأ الحفاظ على كرامة التونسيين و التونسيات و سأركّز هنا على كرامة التونسيات السجينات و اعذروني، أيا رجال، فالمرأة لها خصوصيات و حرمة جسدية و رقة نفسية لا يجوز أن تهان معها بهذا الشكل الذي نسمع و نقرأ عنه في هذه الأيام.
لقد سمعت سجينة سابقة اسمها رحمة، يبدو أنها سُجنت لأسباب نقابية، و هي تتحدث بصدق و عمق و بأسى بالغ عن الإهانات التي لحقتها في فترتي الإيقاف و السجن.
كان مما قالت، بوجهها المكشوف، أن السجّانة تتعمد إهانة السجينة أمام الجميع فتتأفف من رائحتها بصوت عال و تدعوها لتنظيف جسدها... في حين أنّ الأمر ليس بيدها فإدارة السجن تمنع عنهن الصابون و فرشاة و معجون الأسنان و كل وسائل النظافة التي تحتاجها المرأة خاصة.
حكت أيضا عما تعرضت له شابة في الخامسة و العشرين في السجن من قسوة و تنمر إلى أن وضعت حدا لحياتها بفولارة!!
هذا قليل حزين من كثير أحزن و أحزن... قالته رحمة بشجاعة من تألم حتى تعلّم من درس السنين.
أيضا ما كتبته أخت المحامية سنية الدهماني هذا الأسبوع كان أكثر من مؤلم بل و في غاية الإيلام.
لقد حكت عما تلاقيه أختها من برد السجن القارص في ظل عدم السماح لها بغطاء إضافي أو معطف أو حتى جوارب خاصة جلبتها لها عائلها لأنها تعاني من مشكل صحي خطير في ساقيها.
إلى جانب ما حكته أختها من انعدام الحميمية لدرجة مريعة فبيوت الراحة في السجن بلا حواجز و بلا... أبواب! و كل أدوات النظافة اللازمة لأي امرأة، و إن كانت في السجن و إن كان ما كان جرمها، عندنا في سجن النساء في تونس ممنوعة!
هي أساليب موغلة في إهانة و تحقير روح الإنسان و بخاصة المرأة التي ما قامت حضارة راقية إلا و النساء فيها محترمات مبجلات مكرّمات و تونس التي تتعافى إدارتها شيئا فشيئا يجب أن يشمل التعافي فيها إدارة السجن و أعوانه حتى لا يكون السجن مكانا يمارس فيه الأعوان العدائية الفجّة و التحقير و الاستهزاء بالسجينات.
يكفي السجن أنه سالب للحرية و هذه لوحدها مصيبة عظمى.
لرئيس تونس الصالح، لو يسمعني، أريد أن أقول أن الإصلاح الإداري الذي انطلقتم فيه بخطى مباركة، يبدو لي كأنه خائف من دخول السجن و بخاصة سجن النساء... فأذنوا لهم، رجاءا، ليفتحوا له الباب لعله يبعث الأمل في نفوس كل المتألمين و المتألمات لإهدار كرامة المساجين و بخاصة السجينات.
إن السجن المُرّ الذي لا يقبله الإنسان الحر يمكن أيضا أن يكون مدرسة عظيمة لكل من دخله، لذلك يَحسُن بالقائمين عليه أن يرتدوا زي المعلم الحازم و يتعلموا من رسالة المعلّم الخالدة ليُخرجوا أجيالا تتعلم من خطاياها فتصلح من نفسها و تعود لمجتمعها أنقى و أصلح.
و يبقى أجمل مثال صادفته في هذا الخصوص هو تجربة ذلك المواطن الكويتي الرائع الذي دخل لمعتقل غوانتناموا المرعب ليخرج منه مليئا بالحكمة و التبصر حتى أنه قال لمحاوره أن هذه التجربة لم تكن في حياته عبثا فقد كان فيها مغزى عظيم و لقد تعلّم في غوانتنامو ما لم يتعلمه قط في حياته السابقة أو حتى الحالية و قد عاد بعد لحياة الاستهلاك و الرفاهية.
و أعلم أن أكثر المساجين لا يحبون الاعتراف بأخطائهم فيظلون يدّعون البراءة حتى و إن كانت تُهمهم ثابتة و عليها ألف دليل، و لكن ما لا يعرفه الكثيرين هو أنّ من يدخل السجن و هو بريء من التهمة الموجهة إليه في قضيّة بعينها فإنه يكون قد دخله لجريمة أو خطيئة أخرى هو وحده يعرفها و إن أهملها القضاء من قبل و نجا هو بجلده...أو تصوّر أنه منها قد نجا!!
عندما يقتنع كل مسجون بهذا القاعدة، التي لا يؤمن بها عادة إلا أقل القليل، فإنّه سيندم أنه لم يراعي القانون في كل تصرفاته و سيكون أكثر تقبّلا لحالة السّجن التي في العادة لا تُقبل لأنها ضدّ أهم حق من حقوق البشر ألا وهي الحرية.
إن ثورة تونس الراقية التي بدأ يعود لها بريقها اليوم قد قامت من أجل الحرية و الكرامة فمن فَقَدَ حريته بإرادته، لا يليق أبدا بتونس الإنسانية أن تُفقده كرامته بغير إرادته.
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|