ماذا فعلتَ بنور الله يا بشار؟!



كريمة مكي
2024 / 12 / 10

الخائفين على سوريا اليوم أتفهمهم فالوضع خطير... لكنه ليس بأخطر من النظام الساقط الذي أطال المحنة السورية ل13 عاما فكان التقتيل و التفقير و التعذيب و التهجير و كان أن نال المرأة السورية خاصة ما نالها من انكسار و هوان هي المعروفة برفعة أخلاقها و حسن اعتناءها بنفسها و ببيتها و بعائلتها في كل تفاصيلها. و كم أحببناها في المسلسلات الاجتماعية فأحببنا حتى نميمتها اللاذعة مع جارة لها أو صديقة ضد جارة أخرى أو سلفة أو قريبة و كم استلطفنا حيلها البارعة المهضومة مع الزوج الشديد و الحماة القوية أو خاصة مع الضرة المُرّة.
نساء سوريا الخَلوقات الدافئات التي تقطر ألسنتهن كلاما حلوا طيبا، تشرّدن، بالملايين، بعد 2011 في كامل أصقاع الأرض و صرن بسبب النظام الممانع أحيانا متسوّلات!!
لقد كان قلبي يقطر دمعا و ألما على الشابات السوريات اللاتي كنت أراهن طيلة هذه السنين، يفترشن الأرصفة أو أمام الإشارات الضوئية هنا في تونس يبعن المناديل و هن محاطات بأكثر من طفل ورضيع و بلافتة مكتوب عليها: عائلة سورية تحتاج للمساعدة.
لطالما تحدّثت إليهن و سألت عن ظروفهن فيجبنني بتلك اللهجة الشامية المحبّبة إلى قلبي و بأدب كبير إلى اليوم لا أجده في غيرهنّ!!
لا أنسى أبدا طفلة في عمر العشر سنوات، كانت أمها جالسة على الرصيف و بيدها رضيع في ساحة باستور بالعاصمة في يوم ربيعي بارد.
و عندما توقفت بالإشارة الضوئية مدّت لي البنت كيس المناديل فأبهرتني بنور يشع منها يقذف في القلب شمسا تدفئ الروح و الوجدان.
كانت ترتدي فستانا طويلا من القماش المخملي الأخضر الغامق و كانت تضع على رأسها حجابا أسودا جعل وجهها الوضّاء يبدو كالقمر المنير في حلكة الليل.
سألتها عن اسمها و كانت الإشارة قد تحوّلت خضراء فحرّكت السيارة و قبل أن أنطلق رأيتها تقول: اسمي نور...نور الله.

ماذا فعلتَ بنور الله يا نظام خائن جبان و ماذا فعلتَ بأهل الشام حتى يتطاول عليهم الأنذال فيقول ذلك المواطن التركي الذي أطلق النار على طفل تركي، أزعجه لعبه في الشارع، مدافعا عن نفسه: ظننتُهُ ʺسوريًاʺ!!
أيّ نظام أبشع من نظام هذا الإبن و أبيه و قد أذاق السوريين مُرَّ القهر و التعذيب و المهانة و التشريد...
أهذا نظام يستحق أن يستمر؟؟؟
نعم...و يا للأسف!! مازال في العرب من يريد بقاءه على أساس أنه كان مقاوما لاسرائيل !!
متى كان مقاوما و كيف يا ترى كانت المقاومة؟!
لقد خجل لوحده من نفسه فأطلق على نفسه نظام الممانعة و كان الأجدر أن يقول أنه نظام الممايعة و المقايضة و انعدام الشرف و الحياء.
و اسألوا عنه تاريخ البطل السادات الذي تحاور مع العدو بوجه مكشوف من أجل صنع السلام.
كان السادات حريصا على السلام بعد الانتصار في الحرب لأنه كان حريصا على كرامة و رفاه شعبه و ليس رفاه طائفته الصغيرة و إرضاء ملالي الجيران.
أسألوا معاصري السادات و ستعلموا أنّه أسَرّ لأحدهم بالثمن الضخم الذي قبضه حافظ الأسد من اسرائيل مقابل التفريط في الجولان و قد تسلّمه وقتها نيابة عنه شقيقه المجرم الكبير رفعت الأسد!!
لا يليق اليوم بالخائن ابن الخائن الذي كان ألعوبة في يد محرّكيه إلاّ ذلك المنفى الثلجي في صقيع روسيا و زمهريرها الكاوي.
لقد استمعت لقائد المعارضة السيد الجولاني فوجدت رجلا رصينا أنضجته المحنة.
إني أراه عطية الله لسوريا الجريحة...
عن تلك المدينة السورية التي أهلكها قبل أربعين عاما حافظ الأسد، و دائما بأيدي أخيه رفعت القذرة، قال الجولاني عنها بعد أن فرّ جيش بشار منها: إنّ حماه تتطهّر اليوم من جراحها.
صدق فيما قال فمن يظن أن الجروح العميقة تلتئم بسرعة لا يعرف ما يفعل الجرح المنغلق على نفسه بقلب صاحبه: يظل يكوي و يئن و لا يهدأ و لا يطمئن إلى أن يحين وقت المحاسبة فإما القصاص و إما المسامحة و الغفران.
ذهب بشار إلى منفاه بلا محاسبة و لا مساءلة فليذهب ملتحفا برداء الخزي و العار و لتغلق صفحته الأليمة ليبدأ السوريين مرحلة البناء من أجل الصحة و التعليم و الأمن و السلام بعد أن مضت بهم مرحلة الحرب الكاذبة إلى طرق ملتوية و مسدودة.
قلبي مطمئن لمستقبل أرض الشام...
وجه ʺنور اللهʺ لم يفارقني طيلة كتابة هذا المقال...
المرأة السورية التي هُجّرت قسرا ستعود لأرضها و مع نساء الداخل الصامدات، هنّ من سيُعمّرن الديار بعد طول هذا الدمار.
قلبي اليوم يخبرني أن كل ما يحدث الآن هو لخير سوريا و كذلك... فلسطين!!
ليس لأن المتآمرين يفكرون في مصلحة أهل الأرض بل لأن سوريا تستحق و لأن فلسطين هي الحق.
و الحق، و إن طال الزمان، يبقى هو الحق.