وهم التفوق الذكوري : بين تأثير الموروث الثقافي وضرورة التغيير



محفوظ بجاوي
2024 / 12 / 12

إيمان الرجل بالتفوق على المرأة هو أحد الأوهام التي تعيق التطور الاجتماعي والنفسي، حيث يعتمد هذا الشعور على تصورات خاطئة مبنية على السيطرة والإقصاء بدلًا من الاعتراف بالمساواة بين الجنسين. إن هذا الإيمان الزائف يمثل تهديدًا مستمرًا للتوازن المجتمعي، لأنه يغذي فجوة كبيرة بين الجنسين تؤدي إلى استمرار دائرة من الجهل والتمييز.

من الناحية العلمية، لا يوجد دليل يثبت تفوق أحد الجنسين على الآخر. الدراسات الحديثة تؤكد أن الفروق بين الرجال والنساء في القدرات العقلية والإبداعية ليست ذات طابع جوهري، بل تتعلق بالتنشئة الاجتماعية والأدوار المفروضة من البيئة المحيطة. الاختلافات بين الجنسين في الأنماط الإدراكية أو القدرات البدنية لا تعد دليلاً على التفوق، بل تعكس تكاملًا طبيعيًا يساعد كلا الجنسين على التعاون لتحقيق الأهداف المشتركة. على سبيل المثال، الأبحاث المنشورة في الدوريات العلمية الرائدة تؤكد أن الدماغ البشري لا يصنف القدرات بناءً على الجنس، وإنما يتأقلم مع متطلبات الحياة والتحديات التي يواجهها الفرد.

اجتماعيًا، ثقافة التفوق الذكوري تترك آثارًا سلبية عميقة. المجتمعات التي تواصل تهميش المرأة تعاني من ضعف في النمو الاقتصادي والاجتماعي، كما أظهرت تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي أن تقليص الفجوة بين الجنسين يرتبط مباشرة بزيادة الناتج المحلي الإجمالي وتحسين جودة الحياة. عندما تُقصى المرأة من المشاركة الفاعلة في المجتمع، يخسر المجتمع نصف إمكاناته الإنتاجية والإبداعية.

شعور التفوق هذا لا يقتصر تأثيره على النساء، بل يلقي بظلاله على الرجال أيضًا. الرجل الذي يعتمد على السيطرة والإقصاء لإثبات قوته يعيش تحت ضغوط نفسية مستمرة، حيث يحاول الحفاظ على "هيبته" أمام المرأة. هذه النظرة الضيقة تحرمه من بناء علاقات صحية قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون. الأبحاث النفسية تشير إلى أن العلاقات المبنية على المساواة تحقق مستويات أعلى من الرضا والسعادة، وتقلل من مستويات التوتر النفسي مقارنة بالعلاقات المبنية على السيطرة.

لذلك، فإن التحرر من هذا الإيمان الزائل يتطلب وعيًا جديدًا يدرك القيمة الحقيقية لكل فرد بعيدًا عن التصنيفات الجندرية. التقدم لا يتحقق من خلال التنافس على أساس الجنس، بل من خلال التعاون القائم على الكفاءة والقدرة. الرجل الذي يتخلى عن وهم التفوق يفتح لنفسه آفاقًا أوسع لبناء مجتمع أكثر توازنًا، حيث يكون النجاح مشتركًا، والقيم الإنسانية مثل العدالة والاحترام هي التي تُرسي العلاقات.

إيمان التفوق على المرأة هو إيمان زائل، لأنه يعارض القيم الإنسانية الأساسية التي تضمن التقدم والازدهار. الطريق نحو مجتمع أكثر عدلًا يبدأ بتفكيك هذه الأوهام وبناء علاقات تقوم على الاحترام والتقدير، حيث لا يكون التفوق حكرًا على جنس دون آخر، بل امتيازًا نابعًا من الإنجازات والقدرات.