موقف الإسلاميين المغاربة من التعديلات المراد إجراؤها على مدونة الأسرة



أحمد رباص
2024 / 12 / 28

تولت هيئة استشارية، عينها الملك بالكامل، في شتنبر 2023، مسؤولية تطوير مشروع لإصلاح مدونة الاسرة. وتضم الهيئة إلى جانب وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، ومحمد عبد النباوي، نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء. وقد أضيفت إلى هذا الثلاثي الذي يجسد أعلى مستويات السلطة القضائية ثلاث شخصيات رسمية متساوية: وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة عواطف حيار، ورئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، والأمين العام للمجلس الأعلى للعلماء، الذي يمثل الإسلام الرسمي، محمد يوسف.
قدم وزير العدل يوم الثلاثاء الماضي أهم التعديلات المقترحة والمراد إجرارؤها على مدونة الأسرة. لكن هذه المقترحات، ذات الطبيعة الاستشارية البحتة، لا تزال بحاجة إلى المصادقة عليها من قبل القصر الملكي.
أما هيئات المجتمع المدني وجمعيات الدفاع عن حقوق المرأة والأحزاب السياسية، فقد ظلت بكل بساطة هي الغائب الأكبر، حتى لو ادعى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أنه تشاور معها على نطاق واسع.
بالنسبة إلى لتيارات الإسلامية، وخاصة حزب العدالة والتنمية، يعد إصلاح وضع المرأة وسيلة مهمة للتعبئة الأيديولوجية للناخبين الذين هجروه بقسوة في شتنببر 2021، مما أدى إلى تقليص وجوده في البرلمان إلى 13 نائبا. والحقيقة أن إخوان بنكيران يريدون تقديم أنفسهم كأوصياء على المعبد الديني في مواجهة أوروبا التي تهدد قيمها خصوصية وهوية المجتمع المغربي والدولة الإسلامية.
وهكذا، انتقد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، في خطاب ألقاه أمام إخوانه يوم 3 مارس 2024 ، قاىلا: "يريدون المساواة في الميراث والوصايا. ما هي الإرادة؟ إنها عملية توزيع أموالك بالوصية على من تريد: الابن، الابنة، الزوجة، الأخ، الأب، الأم، القطة، الكلب... هذا ما يوجد في أوروبا. كل هذا يأتي إلينا من أوروبا. ولأنها تأتي إلينا من أوروبا، انظر إلى ما يوجد في أوروبا. بينما أتحدث إليكم، هناك عاصفة شديدة تحيط بإرث جوني هاليداي، وبينما أتحدث إليكم، هناك عاصفة شديدة تحيط بإرث آلان ديلون لدرجة أنه لم يمت بعد. سنقضي حياتنا كلها في المحكمة إذا تم تمرير هذا الإصلاح".
وفي نفس الخطاب، دعا إخوانه إلى الاستعداد لتنظيم مسيرة وطنية تضم أكثر من مليون شخص.
وتتبنى الحركة الأخرى للإسلام السياسي، وهي جمعية العدل والإحسان ، خطابا أقل شعبوية من خلال التركيز بشكل أساسي على مركزية المرجعية الإسلامية. وبالنسبة لهذه الجمعية السياسية المحظورة، "يجب رفض" أي مشروع إصلاحي يتعارض مع هذا المىجعية .
انطلاقا من الإصلاح على أساس الإسلام، وإلى جانب هذين الاتجاهين - حيث تتشابك السياسة والدين كقضايا للسلطة - يدافع تيار ثالث عن إصلاح المدونة بالاعتماد على الإسلام. إحدى ممثلاته، التي حظيت بقدر كبير من الاهتمام الإعلامي، هي أسماء المرابط، وهي طبيبة وعالمة بيولوجيا. وبينما تتجنب الملك بعناية، فإنها تقدم نفسها كمسلمة لصالح "إصلاح من الداخل" للدين "منفتح على التطور المجتمعي"، حتى عندما يكون عدم المساواة بين الرجل والمرأة منصوصا عليه في نص قرآني مبين. ومن الواضح أن المثال الأكثر رمزية بالنسبة إلى لمرابط هو مسألة الميراث:
"تحظى أسرة واحدة من كل خمس أسرة بدعم مادي من النساء. إن مساهمتهن المالية على مستوى الأسرة مهمة جدا. وبما أن مبدأ التضامن متأصل في الأسرة المغربية، فإن المرأة، حتى عندما تكون متزوجة، تعتني في بعض الأحيان بأسرتها ووالديها. وفي ضوء هذه العناصر، لم يعد بإمكاننا أن نرفض رؤية الواقع، كما يحاول بعض المحافظين أن يفعلوا، الذين يتمسكون بمثل لا وجود لها في السياق الحالي".
من جانبه، انتقد الفقيه المقاصدي المغربي، أحمد الريسوني، التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة، معتبرا أنها تزيد من الضغط والتضييق على الرجل، وتدفع الشباب إلى العزوف عن الزواج، محذرا مما أسماه “الحل الهندوسي” في التعامل مع الزواج.
وقال أحمد الريسوني في تعليقه على التعديلات المرتقبة لمدونة الأسرة، إن الاختيارات الفقهية والقانونية تقع ضمن ما يسوغ فيه النظر والاجتهاد والتعديل،
لكن المشكلة تكمن في كون الاتجاه العام للاجتهاد الرسمي المعتمد يسير نحو التضييق والضغط على الرجل، قبل زواجه، وأثناء زواجه، وفيما بعد الطلاق وبعد الممات، وفق تعبيره.
واعتبر الريسوني أن المشكل الذي سيتفاقم جراء هذا التوجه، وسيرخي بمزيد من آثاره السلبية على الأسرة والمجتمع، وعلى المرأة بالدرجة الأولى، هو دفع الشباب إلى مزيد من العزوف عن الزواج، وإلى الخوف من الزواج.
وأشار إلى أن ذلك سيأتي في مقابل التسهيلات والإغراءات المريحة، المتاحة لحياة العزوبة و”العلاقات الحرة”، مضيفا: “نعم، ستجد المرأة أمامها مزيدا من الحقوق والمكاسب والصلاحيات، لكن وجود الزوج نفسه سيصبح عسيرا أكثر فأكثر”.
ويحسب الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فإن المجتمع المغربي قد يحتاج في النهاية إلى ما أسماه “الحل الهندوسي”، وهو أن المرأة تدفع للرجل مهرا كبيرا حتى يقبل الزواج.