|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
شفيق العبودي
!--a>
2024 / 12 / 30
خير ما يمكن البدء به في هذه المناسبة ما قاله أفلاطون وهو "أن القوانين وضعت للأشرار وليس للفضلاء"، مناسبة هذا القول هو تسريبات بعض المواد المتضمنة في مشروع "مدونة الأسرة" الجديدة والمثيرة للجدل، رغم أن النسخة النهائية لها لم تجهز بعد وتحتاج لمسار مِسْطَري حتى يتم إقرارها رسميا، لكن المثل يقول "لا دخان بدون نار" وبالتالي فالنقاش الذي أُثِير حاليا لم يأتي من فراغ، بل له مبرراته، رغم غياب النسخة النهائية لهذه المدونة، لكن ما يعاب على هذا النقاش في غالبيته هو انحرافه عن جوهر القضية والارتماء في مناقشة القشور، وهو للأسف يكشف عن طبيعة الوعي السائد في مجتمعنا الذي تغلب عليه السطحية والتفاهة، وفي نفس الوقت يكشف عن نظرة المجتمع بطرفيه الرجال والنساء لبعضهما البعض، والمصيبة في هذا الشأن هو عدم إدراك معاني الزواج العميقة لدى الغالبية العظمى. لهذا أود أن أُدْلِي هنا ببعض الملاحظات أعتقد أنها ضرورية وموجهة لأي نقاش في هذا الصدد وهي:
1 ــ الصراع في المجتمع بين من ينهب ويسرق خيرات البلاد ويستحوذ عليها لوحده، وبين من لا يملكون إلا الفقر والحرمان رغم دفعهم للضرائب ومساهمتهم في الإنتاج، وليس بين الرجل والمرأة، فمن الوهم أن نعتقد أن عدو الرجل هو المرأة وعدو المرأة هو الرجل، لأن الاستغلال الذي يتعرض له الرجل هو نفسه الذي تتعرض له المرأة وظروف العيش القاسية هي نفسها المسلطة على الطرفين.
2 ــ خلاص الرجل والمرأة من واقع الفقر والبؤس لن يتم على حساب أحد الطرفين، بقدر ما يجب أن يتم عبر تكاثف الجهود وتوحيدها لتوجيه السهام في اتجاهها الصحيح، أي تجاه الطبقة المسيطرة التي تَسْتَغِل وتُفَقِّر الجميع رجالا ونساء.
3 ــ الزواج مؤسسة مقدسة وقرار دخولها يجب أن يكون عن طيب خاطر ونابع من إرادة حرة وفيه سعي للاستقرار، كما أن هذه المؤسسة من المفروض أن تزول فيها الملكية الخاصة لتتحول إلى ملكية جماعية مشتركة بين جميع أفرادها، وبالتالي لا فضل لأحدهما على الآخر فيها، كما يجب أن تتوحد فيها الإرادات والذوات وتذوب في بوثقة الأسرة مُتَخلِّيَةً عن كل مطامح السيادة والسيطرة والتحكم، واستبدالها بالتعاون والتكامل والإندماج عوض الصراع، وتصبح مشتلا للتربية وغرس القيم النبيلة خاصة قيم التضحية والعطاء والمحبة، وكل من لم يصل بعد لهذه القناعة فهو غير مؤهل أصلا لتأسيس أسرة.
4 ــ الطلاق من المفروض أنه حالة/قرار استثنائية وليست هي القاعدة، لذلك كل من يسعى للزواج يجب أن يصب كل جهده على إنجاح هذه العلاقة عوض التفكير في فسخها وإلا ما الحاجة أصلا لإقامتها؟؟ وحتى لو حدث فعل الانفصال فهو حل، ولا يجب النظر إليه كمشكلة أو حالة وجب استغلالها لتصفية حسابات مكبوتة، خاصة إذا نتج عن علاقة الزواج أطفال أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم أبناء لأشخاص فاشلين في الحفاظ على ما خططوا لإقامته وصاروا معاقين على مستوى الوعي والقيم. وبالتالي لا يجب النظر لهذا الوضع (الطلاق) بمنطق الربح والخسارة، بل بمنطق الإنسان المُتَحَمِّل لمسؤوليته في عدم قدرته على إنجاح علاقة اختارها عن طيب خاطر، وهنا المسؤولية تقع على الطرفين وليس على أحدهما فقط.
5 ــ الأسرة بكل مكوناتها (أب، أم، أبناء) مسؤولية الدولة أولا وأخيرا، قبل أن تكون مسؤولية الأفراد، وبالتالي يجب توجيه الجهد في اتجاه الضغط والنضال ضد الدولة بمؤسساتها حتى تقوم بدورها الكامل في بناء الوعي أولا ثم في حفظ الحقوق وتوفير الشروط المادية والاجتماعية لصون كرامة الإنسان، الشئ الذي من شأنه تخليق الحياة الاجتماعية وإبعاد الفهم المادي الصرف عنها، قبل تفتيتها.
6 ــ إبعاد موضوع التشريع لمدونة أو قانون الأسرة عن المزايدات السياسية والدينية، وتركه لذوي الاختصاص دون نسيان مساهمة كل مكون من مكونات المجتمع في صياغة تعاقد حول الأمر.
7 ــ على كل من الرجل والمرأة أن يغيرا نظرتهما للآخر، على اعتبار أن كل ما يعانياه ماديا أو اجتماعيا ليس سببه الجنس/الطرف الآخر وإنما السبب هو غياب العدالة الاجتماعية وعدم توزيع الثروة بشكل عادل وإقامة مجتمع الحقوق والحريات، وبالتالي لا بديل عن وحدة الرجل والمرأة في معركة الكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية، أما السقوط في فخ الصراع الثنائي فذاك ما تريده الجهات المسيطرة وهم للإشارة ليسوا رجالا فقط، بل فيهم حتى النساء.
أخيرا لا تحرر للمجتمع إلا بتحرر المرأة والرجل معا.
العرائش 29 دجنبر 2024
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|