-القمع خلف ستار التحرر: معتقلات المنازل ومعاناة المرأة السعودية تحت حكم محمد بن سلمان-



إسلام حافظ
2025 / 1 / 19

في السنوات الأخيرة، حاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تقديم نفسه كإصلاحي من خلال إطلاق ما أطلق عليه "رؤية 2030"، التي تهدف إلى إعادة تشكيل الاقتصاد والمجتمع السعودي. من بين أبرز العناصر التي ركزت عليها هذه الرؤية كانت ما أُطلق عليه "تحرير المرأة". تشمل هذه الخطوات المزعومة السماح للمرأة بقيادة السيارة، حضور الفعاليات الرياضية، وبعض التعديلات الطفيفة على نظام ولاية الرجل. ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات لا تعدو كونها خطوات شكلية تُستخدم كأداة دعائية لتلميع صورة النظام أمام العالم، بينما تبقى النساء في السعودية يعشن في ظل نظام قمعي يرسخ التمييز ويستهدف الأصوات المطالبة بالتغيير.

رغم الإعلان عن بعض الإصلاحات، ما زالت قوانين ولاية الرجل قائمة وتُهيمن على حياة النساء بشكل كبير. بموجب هذه القوانين، تحتاج المرأة إلى إذن ولي أمرها لاتخاذ قرارات حيوية تتعلق بحياتها اليومية، بما في ذلك السفر، الزواج، العمل، وحتى بعض الإجراءات الطبية. وحتى الإصلاحات التي أُعلن عنها، مثل السماح للنساء بالسفر دون إذن ولي الأمر، غالبًا ما تُطبق بشكل غير مكتمل أو تُستخدم ضد الناشطات كوسيلة لمزيد من التضييق. لا تزال النساء السعوديات، خاصة اللواتي يطالبن بحقوقهن، يواجهن عقوبات قاسية تتراوح بين السجن، التعذيب، المضايقات العائلية، وصولًا إلى الإقامة الجبرية بعد الإفراج عنهن.

إحدى أبرز أشكال القمع التي تواجهها النساء الناشطات في السعودية هي ما يُعرف بـ"معتقلات المنازل"، حيث تُجبر الناشطات اللواتي تم الإفراج عنهن من السجون على الإقامة الجبرية في منازلهن تحت رقابة مشددة تمنعهن من السفر أو التواصل بحرية. هذا النوع من العقاب يمنح النظام وسيلة لمواصلة قمع الناشطات دون إثارة ضجة دولية. لجين الهذلول هي واحدة من أبرز الأمثلة على ذلك، حيث مُنعت من السفر بعد الإفراج عنها وتعيش تحت رقابة مستمرة تُقيد حركتها وحريتها الشخصية.

سمر بدوي، التي اعتُقلت مرات عديدة بسبب نشاطها في مجال حقوق المرأة، تواجه وضعًا مشابهًا. رغم الإفراج عنها، فإنها تخضع لقيود مشددة تجعل حياتها اليومية أشبه بالسجن، حيث تُراقب تحركاتها وتُمنع من أي نشاط عام. نسيمة السادة هي أخرى من النساء اللواتي أفرج عنهن ليجدن أنفسهن محاصرات داخل منازلهن، غير قادرات على استئناف حياتهن الطبيعية أو متابعة نضالهن.

مياء الزهراني تعرضت لنفس السيناريو، حيث أُطلق سراحها بعد اعتقالها لكنها وجدت نفسها ممنوعة من السفر والتعبير عن رأيها بحرية. هؤلاء النساء يُعامَلن كمجرمات رغم أن "جريمتهن" الوحيدة كانت المطالبة بحقوقهن الأساسية.

معتقلات المنازل ليست مجرد قيود على الحركة، بل هي شكل من أشكال القمع النفسي الذي يهدف إلى كسر إرادة الناشطات وجعلهن أمثلة حية للنساء الأخريات. السلطات السعودية تستخدم هذه السياسة لإرسال رسالة واضحة مفادها أن أي امرأة تجرؤ على المطالبة بحقوقها ستدفع الثمن، سواء بالسجن أو العيش تحت المراقبة المستمرة.

القمع ضد النساء في السعودية لا يقتصر فقط على الناشطات، بل يشمل جميع النساء اللواتي يحاولن ممارسة حقوقهن الطبيعية. السفر، رغم التعديلات القانونية التي قيل إنها تمنح النساء فوق سن 21 حق السفر دون إذن ولي الأمر، لا يزال مقيدًا في كثير من الحالات، خاصة بالنسبة للناشطات. الرقابة الإلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي تُستخدم لمراقبة حسابات النساء وتصيد أي تعليق يُعتبر معارضًا. النساء اللواتي يُعتقلن يتعرضن غالبًا للتعذيب الجسدي والنفسي. العديد من التقارير وثّقت تعرض المعتقلات للصعق الكهربائي، الجلد، والتحرش الجنسي كوسائل لإجبارهن على الصمت.

بجانب ذلك، تُستخدم وسائل الإعلام المحلية كأداة للتشهير بالناشطات. يتم وصفهن بالخيانة والعمالة، مما يُؤدي إلى عزلهن اجتماعيًا ويُعرّض عائلاتهن للضغط والتضييق. هذا التشهير يهدف إلى ترسيخ الخوف لدى النساء الأخريات من المطالبة بحقوقهن، حيث تُصور الحكومة أن أي معارضة تُعد تهديدًا للأمن القومي.

رؤية 2030 التي يُروج لها محمد بن سلمان تبدو كمحاولة لإعادة تشكيل صورة السعودية دوليًا أكثر من كونها خطة لإصلاح داخلي حقيقي. الإصلاحات التي تم الإعلان عنها لم تُلغِ نظام ولاية الرجل ولم تمنح النساء حرية حقيقية. السماح بقيادة السيارة أو حضور الحفلات الموسيقية لا يُغير من حقيقة أن النساء السعوديات يواجهن قمعًا مؤسسيًا ومنهجيًا.

النظام السعودي يُظهر تناقضًا صارخًا بين إعلانه للإصلاحات وسلوكه الفعلي تجاه الناشطات. محمد بن سلمان يسعى إلى استغلال هذه الإصلاحات كوسيلة لتحسين سمعته الدولية، خاصة بعد الفضائح التي هزت النظام مثل مقتل جمال خاشقجي في 2018. هذه الحادثة كشفت للعالم الوجه الحقيقي للنظام، حيث لا يتردد في استخدام أساليب وحشية لإسكات معارضيه.

المرأة السعودية لا تزال تعيش في ظل قيود تمنعها من تحقيق أبسط حقوقها. المطالبة بحرية السفر، اختيار شريك الحياة، أو حتى التعبير عن الرأي قد تؤدي إلى الاعتقال أو التضييق أو الإقامة الجبرية. التحرر الحقيقي للمرأة السعودية لن يتحقق إلا بإلغاء نظام ولاية الرجل بالكامل، إطلاق سراح جميع المعتقلات دون قيد أو شرط، وضمان حق النساء في التعبير والمساواة. ما يدعيه محمد بن سلمان عن تحرير المرأة ليس سوى دعاية تُستخدم لتلميع صورة نظامه أمام العالم، بينما يستمر الواقع في السعودية في تهميش النساء وإبقائهن في دائرة الظلم والقمع.