العالم في قصيدة -نصفان: مأمون حسن



رائد الحواري
2025 / 1 / 22

قال: عجوزٌ أشيبُ ما أقعدَهُ الحزنُ وما تعِبَ وما هان"
الكرةُ الأرضيةُ نصفانْ
نصفٌ يمسحُ أحذيةَ الحاخامِ،
فيأكلُ لحمًا،
يلعبُ يوغا
وينام بأحضان الغيم إذا شاء
يشربُ خمرًا من أغلى الأصنافِ،
وإن رغِبَ انسكبتْ للياليهِ دِنانٌ ودِنانْ
يأمر عرّافته كي تقرأ طالعَه في سبق الخيل وجلب الأرباح من البلدان
تُلهمُه لمزيدٍ من عمل الخنزيرِ،
وفيضٍ من قتلٍ وقنابلَ ودخانْ.
والنصفُ الآخرُ: غزةُ وبنوها وسيوفُ النورِ وأرواحُ الشهداءْ
وجنينُ الثكلى
والنخلُ المطرقُ في بيسانْ
وطيورٌ باكيةٌ في طبريا قربَ الماءْ"




الفلسطيني يرى العالم (كوم) وفلسطين (كوم) وهذا ليس تضخيم أو مغلاة، بل هو واقع، ولكي نكون موضوعيين، نذكر بحرب بيروت عام 1982 التي واجه الفلسطيني ـ لمدة تزيد على الثمانين يوما ـ أعتى قوة عسكرية في المنطقة، في بقعة صغيرة "بيروت الغربية" وما عشناه ونعيشه في معركة طوفان الأقصى التي ما زالت دائرة بين جيش الاحتلال ـ سادس قوة في العالم ـ وبين المقاومة الفلسطينية المحاصرة في قطاع غزة، والتي لا يتجاوز عدد مقاتليها عشرين ألف تخوض حربا ضروسا لمدة تزيد على خمسة عشرة شهرا.
الشاعر "مأمون حسن" يرى العالم (كوم) وفلسطين (كوم)، من هنا جاءت قصيدته "نصفان" التي تتحدث عن الواقع/العالم وما فيه، ففي النصف الأول وهو الأكبر مساحة، والأكثر عددا، والأوسع انتشارا نجد فيه كل ما هو رديء وسيء: "يمسح أحذية، يشرب خمرا، لياليه دنان ودنان، عمل الخنزير، ويفيض من قتل وقنابل ودخان" ونلاحظ أن الشاعر يتحدث بعمومية دون أن يحدد/يسمي أي بقعة جغرافية، وهذا يشير إلى شمولية رؤيته للعالم (الآخر) الذي يستطيع فعل واستخدام كل ما هو حديث/تكنولوجي، لهذا يستطيع لعب الوغا والنوم في الغيم.
ونلاحظ الجانب السياسي في القصيدة من خلال: "يمسح أحذية الحاخام، وجلب الأرباح من البلدان، وفيض من قتل وقنابل ودخان" والتي يمكن إسقاطها على الأنظمة العربية الرسمية، وعلى دول العالم (الديمقراطية) التي تقول ما لا تفعل تجاه مأساة الفلسطينيين، وتشارك المحتل في جرائمه من خلال تزويده بالأسلحة والذخائر، والدعم السياسي والإعلامي، هذا هو النصف الأول من العالم، فهو بسلوكه شرير وقبيح، وقذر ومجرم، وهو بلا أخلاق أو قيم.
بينما العالم الذي ينتمي له الشاعر حدده بدقة: "غزة، جنين، بيسان، طبريا" فهو مكان معروف ومحدد، فرغم "الشهداء، والثكلى، وباكية" إلا أننا نجد لمسة من النعومة/من الفرح فيه من خلال: "بنورها/النور وأرواح، الشهداء، والنخل، وطيور، ماء"
ونلاحظ أن النصف الثاني من العالم الذي تناوله (العجوز) بكلمات قليلة تتماثل مع حجمه الصغير بالنسبة للعالم الآخر، الكبير، كما نلاحظ الفرق في الأفعال والألفاظ بين العالمين، ففي الأول هناك نجد الرداءة والقذارة وحشية القتل، بينما في الثاني الألم: "المطرق، الثكلى، باكية" والمقاومة "وسيوف النور"
وإذا ما توقفنا عند العالمين، سنجد عدم التوازن، فالأول شاسع وغير محدد، ويقوم بأفعال كثرة وعديدة، بينما الثاني محدود وأفعاله محصورة بين الألم والمقاومة.
ونلاحظ أن الشاعر ذكر أربعة أماكن "غزة، جنين، بيسان، طبريا" وهذا يقودنا إلى الجهات الأربعة، الشمال والجنوب والشرق والغرب، بمعنى أنه اختزل كل فلسطين من خلال ذكر هذه المدن، فنجدها تضمن مدن تم احتلالها عام 48، ومدن احتلت عام 67، ونجد اثنتان في الشمال الشرقي "طبريا وبيسان" وفي وسط الشمال "جنين" وفي وسط الجنوب الغربي "غزة" ، بمعنى انه يتحدث عن فلسطين التاريخية، فلسطين المحتلة كاملة، فهو لا يعترف بالتقسيمات السياسية الدولية، فعالمه عالم واحد معروف ومعرف من خلال هذه المدن.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر