أمّ سلَمة الحكيمة مستشارة حبيبنا و نبينا



كريمة مكي
2025 / 1 / 24

يوم أوصلني السائق لزيارة أمي المقيمة بالمستشفى وجدت كتاب ابن خلدون في السيارة!
لم يشأ أن يأتي به إلى البيت و فضّل أن يُبقيه في السيارة لكي لا أذكّره بورقة تلخيص درس بيّة سارة التي كانت بيدي يومها و كانت سببا في صعوده الكبير.
أي صدفة كانت يومها؟؟؟
لم أعد منذ فترة أؤمن بالمصادفات من بعد أن حدثت معي أحداث متناسقة غريبة لا يمكن أن تتم إلا بيد القدر الحكيمة.
كل ما حدث معي كان في الظاهر يصب في مصلحته هو فقط و على حسابي أنا فقط و لكن مع الوقت اكتشفت أن الفائدة التي جنيتها من عشرتي معه أكبر بكثير مما كنت أظن!!
يكفيني أني معه عرفت شيئا عجيبا: عرفت كيف يحمينا القدر و هو يمنعنا و كيف يحرمهم و هو يُعطيهم: المنصب، و المال و العلاقات...
لا يهمّني الآن إن كان لا يُحب أن ينسب لي أي فضل فيما هو فيه اليوم!
هل رأيتم سياسي معروف ينسب نجاحه المهني لزوجته!
أقصى ما يفعلوه أن يشكروا فضلها على الاعتناء بالبيت و الأولاد في غيابهم أمّا مساعدتهم في عملهم و أخذهم بمشورتها في أهمّ قراراتهم فلا يقدر على ذلك إلا الرجل المتنوّر الحكيم و أين هو في مجتمع خشونتهم المملوء حولنا بالكذب و العُقد و الضلالات.
و لكن ألم يقل أحدهم أن أهم القرارات التي اتخذها القادة الكبار حِيكت أوّلا مع الزوجات أو الخليلات على الوسادات!!
إنّه التاريخ عندما يحفظ حق النساء (الأدبي على الأقل) و إن لم ينلن بعدُ المكانة التي هن حقا بها جديرات.
يكفينا هنا أن يبقى لنا مثلا مضيئا في تاريخنا الإسلامي من خلال سيرة نبينا محمد المصطفي و معاملته الراقية و الدافئة مع النساء من حوله.
لقد كان يعلم، صلوات الله عليه، أنّ الله أودع في الإنسان بشقّيه الفطنة و النباهة و الحكمة و أنه لم يختص الرجال بالفضائل و النساء بالرذائل كما أحبّ دوما أولئك الرجال التعساء أن يروّجوا لنا و قد كان لهم ، لسوء حظنا، صيتا و تأثيرا فمنهم القادة و الحكّام و منهم الكُتاب و حتى الفلاسفة و منهم خاصة و بالأساس رجال الدين الدجالين الذين سيبقى حق النساء المعذبات بفتاويهم دَينا في رقابهم إلى يوم الدِّين.
لكن نبيّ الرحمة الذي كان على خلق عظيم مع زوجاته و بناته كما مع بقية أهله و أصحابه لم يستنكف أبدا من العمل بمشورة النساء من حوله و تبقى أبرزهن ʺأم سلَمةʺ: زوجته الحكيمة التي تُجمع كل المصادر أنه كان يعمل بمشورتها في أصغر الأمور و أكبرها لعلّ أشهرها على الإطلاق أخذه برأيها في مواجهة موقف الصحابة من صلح الحديبية الذي أبرمه، عليه الصلاة و السلام، مع حكّام مكة في ذلك الزمان.
لقد غضب الصحابة و على رأسهم عمر بن الخطاب من شروط قريش في المعاهدة حتى أنهم شقوا عصا الطاعة على النبي و رفضوا تنفيذ أوامره و هو ما شكّل أحد أخطر المواقف التي عرفها ديننا الحنيف على طريق نشر رسالته و لكنّ نبينا الكريم اهتدى يومها و هو في قمة الحزن ممّا لاقاه من أصحابه إلى استشارة السيدة أم سلمة التي كانت ترافقه في معسكره.
و كان أن جاءت نصيحتها الغالية لتقضي على بذور الشك و القطيعة بين النبي و أصحابه.
لقد أطاعوه و أنهوا كلّ خلاف عندما رأوه يعمل بمشورة زوجته الحكيمة التي صارت خبيرة بالنفسيات بعد أن أنضجتها مصائب كثيرة كابدتها في الحياة.
قال بعض المؤرخين عن تلك الحادثة: لقد أنقذت أمّ سلَمة الإسلام!!
*مقتطف من قصة ʺكنت سأكون زوجة للدكتاتورʺ تونس2011