تأثير التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي على تربية الأبناء



رقية الخاقاني
2025 / 2 / 14

في عصر التكنولوجيا الرقمية، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية جزءًا لا يتجزأ من حياة الأطفال والمراهقين. ومع هذا الانتشار الواسع، تواجه الأمهات تحديات جديدة في تربية الأبناء، حيث أصبح من الصعب التحكم في الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات، أو مراقبة المحتوى الذي يتعرضون له. هذه التحديات تفرض على الأمهات أدوارًا جديدة تتطلب وعيًا أكبر وطرقًا مبتكرة للتعامل مع التكنولوجيا بشكل إيجابي.
أحد أكبر التحديات التي تواجهها الأمهات اليوم هو الإفراط في استخدام الأطفال للتكنولوجيا. فمع تعدد المنصات الرقمية وتنوع المحتوى، يقضي الأطفال ساعات طويلة في تصفح الإنترنت أو لعب الألعاب الإلكترونية أو التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا الاستخدام المفرط لا يؤثر فقط على صحتهم الجسدية، مثل مشاكل النظر والسمنة الناتجة عن قلة الحركة، بل يمتد أيضًا إلى صحتهم النفسية والاجتماعية. فقد أظهرت الدراسات أن الإفراط في استخدام التكنولوجيا يمكن أن يؤدي إلى العزلة الاجتماعية، والقلق، وحتى الاكتئاب لدى الأطفال.
في مواجهة هذه التحديات، تبحث الأمهات عن طرق لتحقيق التوازن بين السماح لأطفالهم بالاستفادة من التكنولوجيا وحمايتهم من آثارها السلبية. إحدى الاستراتيجيات الفعالة هي وضع قواعد واضحة لاستخدام الأجهزة الإلكترونية. على سبيل المثال، يمكن تحديد أوقات محددة لاستخدام الهواتف أو الأجهزة اللوحية، مع تشجيع الأطفال على المشاركة في أنشطة بدنية أو اجتماعية بديلة. كما يمكن للأمهات استخدام أدوات الرقابة الأبوية لمراقبة المحتوى الذي يتعرض له الأطفال، والتأكد من أنه مناسب لأعمارهم.
بالإضافة إلى ذلك، تلعب التوعية دورًا كبيرًا في تعزيز الاستخدام الآمن للتكنولوجيا. فبدلًا من منع الأطفال تمامًا من استخدام التكنولوجيا، يمكن للأمهات تعليمهم كيفية استخدامها بشكل مسؤول. هذا يشمل تعليم الأطفال عن مخاطر مشاركة المعلومات الشخصية على الإنترنت، وكيفية التعامل مع التنمر الإلكتروني، وأهمية احترام الآخرين في التفاعلات الرقمية. من خلال هذه التوعية، يمكن للأطفال أن يصبحوا أكثر وعيًا بسلوكياتهم الرقمية وأكثر قدرة على حماية أنفسهم من المخاطر المحتملة.
من ناحية أخرى، يمكن للأمهات الاستفادة من التكنولوجيا نفسها لتعزيز التعلم والإبداع لدى أطفالهن. هناك العديد من التطبيقات والمنصات التعليمية التي يمكن أن تساعد الأطفال على تطوير مهاراتهم في مجالات مختلفة، مثل البرمجة، واللغات، والفنون. بتحويل التكنولوجيا إلى أداة تعليمية، يمكن للأمهات أن يضمنوا أن الوقت الذي يقضيه أطفالهم أمام الشاشات يكون مثمرًا ومفيدًا.
ومع ذلك، يبقى الدور الأكبر للأمهات في توفير بيئة داعمة ومتوازنة لأطفالهن. فالتكنولوجيا، رغم فوائدها، لا يمكن أن تحل محل التفاعل البشري المباشر. لذلك، من المهم أن تحرص الأمهات على قضاء وقت نوعي مع أطفالهن، بعيدًا عن الشاشات، حيث يمكنهم التحدث، واللعب، ومشاركة الأفكار والمشاعر. هذا التفاعل يساعد على تعزيز الروابط الأسرية ويوفر للأطفال الشعور بالأمان والاستقرار.
في النهاية، يمكن القول إن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي ليست شرًا مطلقًا، بل هي أداة يمكن أن تكون مفيدة إذا تم استخدامها بحكمة. التحدي الحقيقي يكمن في كيفية توجيه الأطفال لاستخدام هذه الأدوات بشكل إيجابي وآمن. من خلال وضع الحدود، وتعزيز التوعية، وتوفير الدعم العاطفي، يمكن للأمهات أن يساعدن أطفالهن على التعامل مع التكنولوجيا بشكل متوازن، مما يضمن لهم نموًا صحيًا وسليمًا في عالم رقمي متغير.