لا تضربهن



دينا عبد الحميد
2025 / 3 / 8

في الآونة الأخيرة، تفاقمت مظاهر العنف ضد المرأة في مجتمعاتنا، حيث باتت الأخبار تحمل بين طياتها قصصًا مأساوية عن نساء تعرضن للضرب المبرح، بل ولقي بعضهن حتفهن نتيجة لذلك. ما يزيد الأمر تعقيدًا أن بعض ممارسي هذا العنف يستندون إلى تأويلات مغلوطة للنصوص الدينية، محاولين تبرير أفعالهم عبر انتزاع آيات من سياقها الصحيح، وتطويعها بما يخدم نظرتهم الذكورية. غير أن الحقيقة تبقى أن القرآن الكريم، في جوهره، لا يبرر هذا العنف ولا يدعو إليه، بل هو نص يؤسس لعلاقة قائمة على الرحمة والعدل بين الرجل والمرأة.

من أكثر الآيات التي أسيء فهمها واستغلالها في هذا السياق هي قوله تعالى: "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ" (النساء: 34). يأخذ البعض كلمة "واضربوهن" على ظاهرها، معتقدين أن الإسلام يبيح ضرب المرأة كوسيلة للعقاب أو التأديب. لكن هذا الفهم يتناقض مع روح النص القرآني نفسه، كما أنه يتعارض مع السيرة النبوية التي لم يثبت أن النبي ﷺ ضرب امرأة قط، بل كان مثالًا في حسن التعامل والرفق.

عند التعمق في تفسير هذه الآية، نجد أن "الضرب" الوارد فيها لا يعني الإيذاء الجسدي، بل له معانٍ أخرى أقرب إلى الامتناع عن المعاشرة أو الابتعاد الرمزي لإظهار الاستياء، وهو ما يتفق مع التسلسل المنطقي للأوامر في الآية: الموعظة، ثم الهجر، ثم الضرب. فلا يعقل أن يكون المعنى هنا عنفًا جسديًا، إذ كيف يُفترض أن يكون الضرب الحلّ بعد الهجر في المضاجع، وهو في حد ذاته أسلوب عقابي نفسي عميق الأثر؟

إضافة إلى ذلك، فإن الفعل "ضرب" في اللغة العربية يحمل معاني متعددة، منها الترك والابتعاد، كما جاء في قوله تعالى: "وَإِذَا خَرَجْتُمْ فِي سَفَرٍ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا" (النساء: 101)، أي "الضرب في الأرض"، أي السفر والتنقل. هذا يعني أن "واضربوهن" يمكن أن تفهم على أنها الابتعاد الرمزي عنها كإشارة إلى جدية الخلاف، وليس العنف الجسدي.

إن الإسلام كمنظومة تشريعية وأخلاقية يؤسس لمبدأ العدل بين الجنسين، وليس لتفوق الرجل على المرأة. فقد ورد في القرآن الكريم بوضوح: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ" (البقرة: 228)، أي أن العلاقة بين الزوجين يجب أن تقوم على التكافؤ والاحترام، وليس على العنف والسيطرة. كما أن الحديث النبوي الشريف يؤكد هذا المعنى: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" (رواه الترمذي).

إذن، محاولة تبرير العنف ضد المرأة بالاستناد إلى النصوص الدينية ليست سوى تشويه متعمد للحقائق، تعكس فكرًا أبويًا يسعى إلى تكريس سلطة الرجل على المرأة، متجاهلًا المقاصد القرآنية الحقيقية التي تدعو إلى التراحم والاحترام المتبادل.
إن مسؤولية تصحيح هذا الفهم المغلوط تقع على عاتق العلماء والمثقفين والمجتمع بأسره. يجب تعزيز الوعي بأن العنف ليس مبررًا دينيًا، بل هو سلوك مدان شرعًا وأخلاقًا. الإسلام، الذي كرم المرأة، لا يمكن أن يكون في الوقت ذاته مبررًا لإهانتها أو التعدي على حقوقها. علينا أن نعيد قراءة النصوص القرآنية بعيدًا عن الانحيازات الذكورية، ووفق رؤية منسجمة مع المبادئ القرآنية الحقيقية التي تقوم على العدل والمودة والرحمة.