اليوم العالمي للدفاع عن حقوق النساء



سعود سالم
2025 / 3 / 8

يوم الثامن من مارس هو أكثر من مجرد احتفال بحقوق المرأة، إنه يوم متجذر في نضالات العمال والاشتراكيين في أوائل القرن العشرين، بقيادة ناشطات ثوريات مثل كلارا زيتكين Clara Zetkin وألكسندرا كولونتاي Alexandra Kollontaï وغيرهن من النساء المناضلات في كل أقطار أوروبا.
يوم 8 مارس هو اليوم العالمي للمرأة، وهو يوم للنضال من أجل إنهاء القهر والغبن وعدم المساواة بين الجنسين، وبشكل عام، من أجل الحصول على الحقوق المشروعة لنصف سكان الكرة الأرضية المضطهدين من قبل النظام الأبوي والرأسمالي. ورغم أن هذا التاريخ أصبح الآن راسخًا في تقويم النضالات الشعبية والعمالية، إلا أن هذا لم يكن الحال دائمًا، حيث أُشير إلى يوم 8 مارس لفترة طويلة بأنه "يوم المرأة" دون ذكر المحتوى السياسي والنضالي لهذا اليوم.
ففي الولايات المتحدة، في 28 فبراير 1909، نظمت النساء الاشتراكيات مظاهرات واجتماعات في جميع أنحاء البلاد، مطالبات بالحقوق السياسية للعاملات. لقد كان هذا هو "يوم المرأة" الأول والذي حقق نجاحا واسعا لم يكن متوقعا. وفي عام 1910، اقترحت كلارا زيتكين - (1857 - 1933 وهي سياسية ألمانية يسارية ومدافعة عن حقوق المرأة، شاركت في تكوين أوائل المجموعات النسويّة التي كانت تناضل من أجل الحرّيات العامة في ألمانيا، وساهمت في رفع الوعي السياسي والطبقي لدى مئات العاملات الألمانيات)، في المؤتمر الدولي للنساء العاملات إنشاء يوم عالمي للمرأة أو العاملات، في 19 مارس 1911. بدعم من روزا لوكسمبورغ وألكسندرا كولونتاي، كان هذا اليوم يهدف إلى توحيد النساء البروليتاريات في نضال مشترك ضد الاستغلال والقمع وعدم المساواة، في المقام الأول تحت شعار "حق التصويت للنساء سيوحد قوتنا في النضال من أجل الاشتراكية". تقول ألكسندرا كولونتاي إنه في ذلك اليوم، وفي كل مكان، أُجبر الرجال على البقاء في منازلهم بينما خرجت النساء للمشاركة في الاجتماعات السياسية والمظاهرات. (ألكسندرا ميخائيلوفنا كولونتاي (1872-1952)، سياسية اشتراكية سوفييتية، وناشطة شيوعية وماركسية نسوية، كانت أول امرأة يتم تعيينها رئيسة لوزارة وواحدة من أوائل الدبلوماسيات في القرن العشرين).
في عام 1917، اتخذ هذا اليوم أبعادًا تاريخية: حيث أطلقت العاملات في بتروجراد إضرابًا حاشدًا ضد الحرب والجوع، مما ساهم في تشكيل بداية الثورة الروسية.
في وقت مبكر من عام 1889، أكدت كلارا زيتكين أن اضطهاد المرأة لا يمكن فهمه إلا من خلال منظور استغلالها كبروليتاريا. وعارضت بشدة المجموعات النسوية البرجوازية، التي اكتفت بالمطالبة بامتيازات لصالح أقلية من النساء، مثل حق الاقتراع على أساس الملكية باستثناء العاملات، ثم المساواة الرسمية في الحقوق، دون التشكيك في النظام الرأسمالي. وفي الفترات الثورية، عندما تجد الطبقة العاملة بأكملها نفسها في موقف قوة في مواجهة المستغلين، تتقدم حقوق المرأة بشكل كبير. وقد شكلت الثورة الروسية نقطة تحول حاسمة في طريق تحرير المرأة. ويتم، لأول مرة في التاريخ، وضع هذه النظريات موضع التنفيذ ولو جزئيا في روسيا السوفيتية، حيث ألغيت القوانين التمييزية بين الجنسين، وأنشأت حق الإجهاض، وجعلت المهام المنزلية اجتماعية، وعززت المشاركة الكاملة للمرأة في الحياة السياسية والاجتماعية، رغم أن المجتمع ذاته ظل رجاليا وأبويا رغم هذه القوانين.
بعد مرور أكثر من قرن على هذه النضالات، لا تزال عدم المساواة بين الجنسين قائمة. لقد أعلنت الستالينية تراجع الثورة الاشتراكية، ومعها تراجع الظروف اللازمة للتحرر الحقيقي للمرأة. واليوم، لا يزال من الضروري ربط النضال ضد القمع بالنضال ضد المجتمع الرأسمالي، وهو البيئة الحاضنة لنمو الظلامية . . رغم تاريخ ما يسمى الآن باليوم العالمي للمرأة يعود إلى بداية القرن العشرين وفي أكبر دولة رأسمالية، بدعوة من الحزب الاشتراكي الأمريكي، تم الاحتفال بـ "يوم المرأة الوطني" في جميع أنحاء الولايات المتحدة في 28 فبراير 1909. ولقد ولد هذا اليوم بفضل تيريزا سيربر مالكيل - Theresa Serber Malkiel -1874-1949، وهي عاملة اشتراكية أمريكية وناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة في التصويت والإنتخاب وكانت آنذاك رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة في الحزب الاشتراكي الأمريكي.
وبعد ثلاث سنوات، في عام 1910، عقدت الاشتراكية الدولية مؤتمرها الثامن في كوبنهاجن، وبالتزامن مع ذلك، عقد المؤتمر الدولي للمرأة، تحت رعاية كلارا زيتكين (1857-1933)، وبدعم من ألكسندرا كولونتاي (1872-1952)، نشأ اقتراح إنشاء "يوم المرأة العالمي". فهو مستوحى بشكل مباشر من اليوم الوطني للمرأة. ومن بين المطالب التي رفعت في ذلك الوقت، حق التصويت، وحق العمل، ووضع حد للتمييز في العمل. ولقد تمت الموافقة على الاقتراح بالإجماع من قبل الناشطات في المؤتمر، وعددهن أكثر من 100 امرأة من 17 دولة. ورغم أنه لم يتم تحديد موعد لهذا اليوم العالمي، إلا أن طابعه السنوي كان متفقا عليه بالإجماع.
كان الحزب الاشتراكي الأمريكي حزبًا سياسيًا اشتراكيًا ديمقراطيًا، كان موجودًا في الولايات المتحدة من عام 1901 إلى عام 1972. وقد تم تشكيله من اندماج الحزب الديمقراطي الاجتماعي الأمريكي وأعضاء حزب العمل الاشتراكي الأمريكي، وهو أقدم حزب اشتراكي في الولايات المتحدة تأسس عام 1876.
وفي العام التالي، تم الاحتفال باليوم العالمي للمرأة لأول مرة في 19 مارس في العديد من البلدان الأوروبية ولا سيما ألمانيا والنمسا والدنمارك وسويسرا. وشارك في المظاهرات أكثر من مليون امرأة ورجل.
لقد ولد اليوم العالمي للمرأة إذا بمبادرة من الحركة الاشتراكية وذلك "لمقاومة تأثير المجموعات النسوية التابعة للأحزاب البرجوازية واليمينية على نساء الشعب"، حيث رفضت كلارا زيتكين "التحالف مع "النسويات البرجوازيات".
حتى الحرب العالمية الأولى، كانت عدة دول مثل ألمانيا والنمسا وفرنسا وروسيا تحتفل باليوم العالمي للمرأة كل عام في شهر مارس. أما تاريخ الثامن من مارس فقد ظهر في أعقاب المظاهرات التي نظمتها العاملات في ذلك اليوم من عام 1917 في بتروجراد، سانت بطرسبرغ حاليًا، وهو اليوم الذي أنبأ بالثورة الروسية القادمة.
أصبح اليوم العالمي للمرأة مؤسسيا في منتصف سبعينيات القرن العشرين، فأصبح تدريجيا "يوم المرأة العالمي" ثم "اليوم العالمي لحقوق المرأة". إن هذا التغيير الدلالي يسير جنبًا إلى جنب مع التطور السياسي، الذي قادته ناشطات حركة تحرير المرأة (MLF)، وهي حركة نسوية فرنسية تأسست في عام 1970 في أعقاب الثورة الطلابية- العمالية لسنة 1968والتي تطالب بالتحرر الكامل للنساء جسدا وعقلا، وتحدي المجتمع الأبوي المنغلق. واليوم، في جميع أنحاء العالم، تقع على عاتقنا جميعا، رجالا ونساء مسؤولية جعل يوم 8 مارس يومًا للنضال النسوي من أجل المساواة الكاملة في الحقوق، وذلك بالإضراب عن العمل في المكاتب والورش والمصانع ولكن أيضا في البيوت والمطابخ والحضانات وأماكن التسويق، في منازلنا وفي كل مكان نكون فيه حاضرين ولا غنى عنا. دعونا نقاطع كل الأنشطة الإنتاجية والإنجابية، الرسمية وغير الرسمية، المدفوعة والمجانية. دعونا نشارك في التحركات والمظاهرات والتجمعات وجميع الأنشطة السياسية والإجتماعية والفنية، دعونا نستعيد الأماكن العامة! ولنواصل العمل على أن يكون يوم الثامن من مارس يومًا للنضال، ولكن أيضًا يومًا للانتصار لحقوق المرأة والأقليات الجنسية، والأقليات عموما في كل مكان في العالم.