حَراك 20 فبراير 2011: نضال ومطالب النساء، والحركة النسائية



المناضل-ة
2025 / 3 / 19


شهد المغرب مشاركة النساء الفعالة في النضالات الاجتماعية (العمالية والقروية) قبل تظاهرات حَراك العشرين فبراير 2011. وفي هذا الأخير، وعلى غرار ما جرى في الثورتين التونسية والمصرية، كان حضور النساء (الشابات بالخصوص) بارزا، خصوصا كأوجه إعلامية وفي مواقع قيادية داخل «حركة 20 فبراير» وفي كافة مستويات التعبئة والتنظيم، ونِلن نصيبهن من وحشية الشرطة.

لكن في الاتجاه المعاكس، كان حضور القضايا النسوية باهتا. ففي الأرضيات التأسيسية للحركة والأرضية التأسيسية لمجلس الدعم الوطني، كان المطالب الخاصة بالنساء كنوع مضطهَد غائبة، وإن سُجِّل حضورها في الشعارات داخل التظاهرات. يشير هذا إلى تقليد مستمر منذ النضال ضد الاستعمار، حيث كانت النساء مجرد مُلحقات بالرجال، تُسنَد إليهن أدوارٌ أقل من أدوار الذكور، مع تغييب مطالبهن الخاصة، بمبرر أن المطلب الآني (الاستقلال في فترة الاستعمار المباشر، والمطلب السياسي إبان حَراك 20 فبراير) أعم من أن يشمل مطالب نوعية أو قطاعية… إلخ. وكان مغزى ذلك الشعار المألوف: «النساء والرجال، في النضال بحال بحال»، لكن في النضال من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتغيير السياسي فقط، مع استبعاد كل ما يخص مطالب النساء. وكان لحضور حركة العدل والإحسان في الحَراك دور كبير في دفع نقاش حقوق المرأة ومطالبها إلى الوراء.
يعكس هذا واقع عدم انغراس الحركة النسائية المغربية شعبيا وقصور اليسار في أداء مهمته في هذا المضمار. فالحركة النسائية المغربية قطعت أشواطا كبيرة في الاندماج داخل مؤسسات الدولة، وأصبحت «نسوِيةَ دولة» و»نسوية ليبرالية»، قابلة بالإطار الذي حددت المَلكية حدود ما يمكن أن تتنازل عنه للنساء من حقوق.
يمد هذا جذوره في التسعينيات والعقد الأول من سنوات 2000، حيث أسست الجمعيات النسائية نشاطها حول إطار يستلزم مشاركتَها إلى جانب الدولة والملك بصفته «حَكَما». بالنسبة لهذه الجمعيات النسائية، كانت «مكاسب» مدونة الأسرة سنة 2004، مدينة لتدخل الملك الذي كبح قوة الحركة الإسلامية، التي أبانت عن وزن كبير في معارضة «الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية» نهايةَ التسعينيات. وبالتالي اختارت الحركة النسائية أن تكون حليفة للدولة، في مواجهة تطرف إسلامي متصاعد، وليس معارضةً لها. هذا هو ما حكم موقف الحركة النسائية سنة 2011، التي تبنت الفهم النسوي الليبرالي للتغيير من خلال مؤسسات الدولة المتناقض مع منظور حركة 20 فبراير الرافضة لتلك المؤسسات نفسها، والمطالبة بمؤسسات بديلة (دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا يضعه مجلس تأسيسي منتخَب).
انعكس هذا، في موقف جمعيات الحركة النسائية من تظاهرات حَراك 20 فبراير ومن مناورة الملكية لهزم ذلك الحَراك (خطاب 09 مارس 2011، ولجنة إصلاح الدستور). لم تشارك الجميعات النسائية في تظاهرات الحَراك (باستثناء مشاركات بصفة شخصية) وغابت عن مجلس الدعم الوطني، بما في ذلك الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب (ADFM)، التي دعمت في البداية أهداف الحركة ثم انسحبت بعد خطاب الملك في 9 مارس 2011.
وبعد خطاب 09 مارس 2011، أجمعت جمعيات الحركة النسائية على الترحيب به، وأيدت المنظمات النسوية الرئيسية مثل الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، والرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، والاتحاد العمل النسائي، والجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء، الإصلاح الدستوري وشاركت في المناقشات التي أحاطت بإضفاء الطابع المؤسسي على المساواة بين الجنسين في الدستور الجديد. فبعد تعيين الملك للجنة المنوني لاستقبال مذكرات مختلف الفاعلين ومكونات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، شكَّلت الحركة النسائية شبكة أطلقت عليها «الربيع النسائي للديموقراطية والمساواة» اشتغلت لإعداد مذكرة ضمنتها مطالبها المتعلقة بالمساواة في كل الحقوق. قامت خلافات داخل هذه الشبكة، حول مضمون المذكرة التي سيجري تقديمها للجنة المنوني. وكان أساس الخلاف حول تضمين المذكرة مطالب عامة تتعلق بنظام الحكم وتنظيم السلطات أو الاقتصار على المطالب الخاصة بالنساء. وانتهى الخلاف بأن تتضمن المذكرة المشتركة حصرياً النقاط المتفق عليها بين مكونات الشبكة، على أن تقدم كل جمعية مذكرتها الخاصة على حدة تتضمن المطالب الأخرى.
أدى موقف الحركة النسائية هذا إلى اتساع الفجوة بينها وبين الشابات المحتشدات على الأرض، والأكثر جذرية، اللواتي يعتبرن- عن حق- أن عملية سياسية/ دستورية يهيمن عليها الملك لا يمكن أن تضمن تغييرا سياسيا، وتكرست الفكرة الصحيحة عن جمعيات نسائية نخبوية تابعة للدولة. لكن في الاتجاه الآخر كان استبعاد النساء ومطالبهن من خطاب ومطالب حَراك 20 فبراير، خصوصا مع الوزن النوعي لحركة العدل والإحسان داخل الحَراك، فرصة لتعزيز تلك الحَركة النسائية النخبوية والتابعة للدولة، كناطقة باسم حقوق النساء، متنافسة مع طيف سياسي محافظ ومتطرف، يشكله التيار الإسلامي. وهو ما برز إلى السطح مع رفض حزب العدالة والتنمية رفع تحفظات الدولة المغربية عن اتفاقية سيداو في سبتمبر 2011.
ليس سلوك الحركة النسائية في سياق حراك 20 فبراير 2011 سمة خاصة بها، بل شمل أيضا الحركة النقابية التي فضلت قياداتها لقاء مستشار الملك يوم 27 فبراير 2011 وقبولها توقيعا على سلم اجتماعي وعدم مشاركة في الاحتجاجات. وهو أيضا سلوك قسم كبير جدا من جمعيات الحركة الأمازيغية، التي شارك بعضٌ منها في البداية في التظاهرات، وبعد ذلك التحقت بالمشاورات التي أطلقتها لجنة تعديل الدستور.
جزء مهم من الحركة النسائية المغربية ذو منشأ يساري، وقد انتهى إلى تبني منظور الدولة، وتحول إلى «نسوية دولة». وكان هذا هو خلفية سلوك الحركة النسائية المغربية إبان حَراك 20 فبراير. أثبتت عقود من هذا المنظور النسوي الليبرالي المعتمِد على الدولة/ المَلكية لنيل المكاسب تدريجيا ودرء خطر التيار االإسلامي المحافِظ، أنها أقرب الطرق إلى الهزيمة. والمستفيد النهائي هي المَلكية، التي تصور نفسها دوما كداعمة للديمقراطية ومكاسب النساء في وجه تيار إسلامي متطرف، وفي نفس الوقت حامية المجتمع وهويته الإسلامية في وجه تيار حداثي متطرف.
لن يستقيم نضال النساء من ضد الاضطهاد الذي يلحقهن ومن أجل مطالبهن، إلا بربطه بالنضال من أجل الديمقراطية الناجزة ومن أجل مجتمع تتنفي فيه كل أشكال الاضطهاد والاستغلال الاقتصادي والقومي والعرقي… هذا النضال ستحلمه على عاتقها الأجيال الفتية المتحررة من ثقل هزائم الماضي، والمسلَّحة بدروس التجارب المحلية (وضمنها دروس حراك 20 فبراير) والعالمية، والتي ستُعزِّز منظورها بالموجة الجديدة للنسوية العاليمة، التي تقطع مع النسوية الليبرالية ونسوية الدولة؛ أي نسوية اشتراكية إيكولوجية.