![]() |
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
![]() |
خيارات وادوات |
رجاء خليل
!--a>
2025 / 4 / 16
في وقتنا الراهن، أصبح الحديث عن العنف ضد المرأة شائعًا في العديد من السياقات، لكن هناك نوعًا من العنف الذي لا يُسمَع ولا يُرَاه، رغم أنه يكاد يكون أخطر من أي شكل آخر: العنف الصامت. هذا العنف لا يأتي في صورة ضربات أو شتائم صريحة، ولكنه يترك آثارًا عميقة في النفس، تراكمًا من الجراح النفسية، التي يصعب علاجها بالطرق التقليدية. إنَّ العنف الصامت هو ذلك العنف الذي يتم ممارسته ضد المرأة في صمت، سواء في المجتمع أو في الأسرة، ويُخفي وراءه ظلالًا من اللامبالاة والإهمال، يعجز العديد عن تسميته أو حتى التعرف عليه.
ما هو العنف الصامت؟….
العنف الصامت هو مجموعة من الأفعال أو الممارسات التي تستهدف المرأة بشكل غير مباشر، ولكنها تُفقدها حقوقها، تجهز على طموحاتها، وتدمر هويتها الداخلية دون أن يكون هناك دليلاً مادياً واضحاً يمكن أن يُسجل في محاضر الشرطة. هذا النوع من العنف يعتمد على التلاعب العاطفي، والتحكم، والحرمان من الحقوق الأساسية بطريقة غير مرئية. في هذا النوع من العنف، قد لا تجد المرأة من يتعاطف معها أو يدرك حقيقة ما تعيشه من أذى، لأن الجروح التي تُسببها هذه الممارسات لا تُرى للعيان، فهي تقبع في أعماق روحها وعقلها.
أنواع العنف الصامت ضد المرأة:
1. العنف العاطفي:
ربما يكون العنف العاطفي هو أكثر أنواع العنف الصامت شيوعًا. يتجسد في الكلمات الجارحة، والاستهزاء بالمرأة أو التقليل من قيمتها، بل وفي أحيان كثيرة يأتي على شكل “حب مشروط” أو إخفاء الحب والدعم لدرجة تجعل المرأة تشعر بأنها غير كفء أو غير محبوبة. العنف العاطفي يتسلل إلى القلب والعقل ببطء، ويترك جروحًا يصعب شفاءها.
2. العنف الاقتصادي:
في العديد من المجتمعات، تتعرض المرأة للعنف الصامت من خلال حرمانها من الموارد الاقتصادية. قد يتم ذلك من خلال السيطرة على راتبها أو تجريدها من حقها في اتخاذ قرارات مالية مستقلة. هذا النوع من العنف يؤدي إلى إبقاء المرأة في حالة من الاعتماد المفرط على الآخرين، ويجعلها عُرضة لاستغلال غير مباشر قد يكون أكثر خطورة من أي عنف مادي.
3. العنف الاجتماعي:
يشمل هذا النوع من العنف التهميش والعزلة الاجتماعية. قد يُجبر المجتمع المرأة على التنازل عن حقوقها الاجتماعية أو تقييد تحركاتها وأفعالها بناءً على معايير وأعراف اجتماعية قد تكون غير منصفة أو ظالمة. يُحاصرها المجتمع بمعايير قد تضعها في حالة من الارتباك والشكوك حول هويتها وقيمتها.
4. العنف الفكري والثقافي:
هذا النوع من العنف يأتي عبر استهداف المرأة في قدرتها على التفكير واتخاذ القرارات المستقلة. قد يكون العنف الفكري صمتًا جماعيًا من الأسرة أو المجتمع يمنعها من التعبير عن آرائها، أو من الانخراط في الأنشطة الثقافية والتعليمية التي تساهم في تعزيز مكانتها في المجتمع. وهذا الصمت يُعتبر نوعًا من التأثير السلبي الذي يحول دون تطورها الفكري والمهني.
5. العنف في العلاقات الزوجية:
في بعض الأسر، يتخذ العنف الصامت شكلًا من أشكال السيطرة على القرارات اليومية، أو تقييد حرية الحركة، أو حتى إشعار المرأة بأنها مجرد “كائن” مهمته تلبية احتياجات الآخرين. قد يشمل هذا حرمانها من اتخاذ القرارات الخاصة بها، أو تجاهل رغباتها وطموحاتها، مما يعزلها في حياة زوجية قد تكون محبطة تمامًا رغم ما يبدو عليها من استقرار ظاهر.
العواقب النفسية للعنف الصامت:
العنف الصامت ضد المرأة قد لا يُلحظ بسهولة، ولكن تأثيره النفسي طويل الأمد. تتراكم المشاعر السلبية مثل الإحباط، الخوف، العزلة، وفقدان الثقة بالنفس، ما يؤدي إلى حالة من الاكتئاب المستمر، والشعور بالعجز أمام الواقع. المرأة التي تعيش تحت وطأة هذا النوع من العنف قد تفقد القدرة على التعبير عن نفسها، وتتراجع عن سعيها لتحقيق طموحاتها، وتظل عالقة في دوامة من القلق والخوف.
التحديات في معالجة العنف الصامت:—
أحد أكبر التحديات في معالجة العنف الصامت هو أن المتعرضات له غالبًا ما لا يدركن أنه نوع من العنف. لا توجد شكاوى واضحة يمكن تقديمها، والضغوط الاجتماعية قد تجبرهن على قبول الوضع باعتباره “جزءًا من الحياة”. كما أن الأفراد في محيطهن قد لا يكونون على دراية بما يعانين منه، لأن العنف الصامت لا يكون مرئيًا أو ملموسًا.
الخطوات نحو مواجهة العنف الصامت:
1. الوعي والتثقيف:
أول خطوة في علاج العنف الصامت هي زيادة الوعي بهذا النوع من العنف. يجب أن يُفهم أنه ليس مجرد “شجار” أو خلافات بسيطة، بل هو شكل من أشكال القمع والتحكم الذي يمكن أن يدمر حياة المرأة.
2. الدعم الاجتماعي والنفسي:
يجب أن يكون هناك نظام دعم متاح للنساء المتأثرات بالعنف الصامت. يمكن أن يشمل ذلك المعالجين النفسيين، مجموعات الدعم، وكذلك الأفراد الذين يقدمون الدعم العاطفي والإيجابي.
3. تمكين النساء:
تعزيز استقلالية المرأة من خلال التعليم، والتوعية بحقوقها، وتحفيزها على السعي وراء تحقيق طموحاتها الشخصية والمهنية يُعد من أفضل الوسائل لمكافحة العنف الصامت.
4. التحول الثقافي:
يجب أن يكون هناك تغييرات ثقافية تعزز احترام حقوق المرأة ومساواتها في مختلف جوانب الحياة. هذا يشمل القضاء على الأعراف التي تسمح بتهميش المرأة في الأسرة والمجتمع.
العنف الصامت ضد المرأة هو مرض اجتماعي ونفسي يتفشى في ظل الصمت والإهمال. ولكن مع التوعية، والمواجهة الجريئة، والتمكين الذاتي، يمكن للمرأة أن تكسر دائرة العنف الصامت وتستعيد قوتها الداخلية. هذا النوع من العنف لا يُهزم إلا عندما تُرفع الأصوات، وتُكسر القيود الاجتماعية والنفسية التي تفرض عليها السكوت.
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|